الثلاثاء 2024/10/15

آخر تحديث: 14:50 (بيروت)

خُوذ صدئة وخراطيم بالية وشهداء...ومازال الدفاع المدني اللبناني يلبّي

الثلاثاء 2024/10/15
خُوذ صدئة وخراطيم بالية وشهداء...ومازال الدفاع المدني اللبناني يلبّي
عنصر من الدفاع المدني يسعى لانتشال ضحايا بعد الغارة الإسرائيلية على منطقة البسطة في بيروت (غيتي)
increase حجم الخط decrease
عندما تلقت المتطوعة في "الدفاع المدني اللبناني"، آية وهبة، نداء استغاثة من حيها السكني إثر غارة إسرائيلية، الخميس، مرت عليها اللحظات بطيئة كما لو أنها دهر، قبل أن ترد أمها على اتصالها الهاتفي، مبددة مخاوفها من أن تكون عائلتها ضمن الضحايا.


وقالت وهبة (25 عاماً) ذات الشعر المجدول، بتأثر: "كان يمكن أن أصل لأحمل أمي أو أبي أو خالتي أو جارتي" من تحت الركام جراء الغارة التي ضربت حيَّي النويري والبسطا وأسفرت عن مقتل 22 شخصاً على الأقل وإصابة عشرات آخرين، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".

قبل خمس سنوات، تطوعت وهبة في "الدفاع المدني اللبناني"، لكنها ضاعفت أخيراً ساعات عملها في المركز الرئيسي في محلة الكولا في بيروت. وأوضحت: "هذا العدوان المستمر حالياً يختلف كثيراً عن بقية السنوات والمهمات". وبينما وقفت قرب لوح أبيض معلق على الحائط يحدد مهام العناصر اليومية، أضافت بتأثر لكن بتحد: "هذه الفترة صعبة للغاية.. لا أعرف ما إذا كنت سأقدر على مواصلة العمل غداً أم لا"، على وقع إمكانات متواضعة وغارات كثيفة تقول إسرائيل أنها تستهدف معاقل "حزب الله".

وأكد المتطوع وسام القبيسي (29 عاماً) الذي اعتمر خوذة قديمة وتشارك درعاً واقية مع زملائه: "نحن نعمل بأقل الإمكانات". وأوضح بينما ارتدي بزة رمادية يقول أنه دفع ثمنها بنفسه: "عدد الأشخاص كبير والهمة عالية لكن ما فائدة هذه العناصر على الأرض إذا كانت تنقصنا جرافات وآليات ومعدات حماية؟"

وكان القبيسي يتحدث قرب مستودع لمعدات فريقه، يضم خوذ رأس معظمها صدئة وخراطيم مياه كثير منها مهترئ وأحذية بالية لمقاومة الحرارة والحجارة وأنابيب إطفاء شارفت صلاحيتها على الانتهاء. وأفاد القبيسي الذي وشم شعار "الدفاع المدني" على ذراعه اليمنى محاطاً بجناحي ملاك: "لو كانت هناك معدات ودروع وخوذ أكثر لكان عددنا على الأرض أكثر، لكنّا عملنا" بفاعلية أكبر.

يتوازى ذلك مع تصعيد اسرائيل عملياتها العسكرية في لبنان جواً منذ 23 أيلول/سبتمبر الماضي، ثم إطلاقها نهاية أيلول/سبتمبر عمليات توغل بري محدودة جنوباً. وتعرض مسعفون وفرق إغاثة خصوصاً خلال الأسابيع القليلة الماضية لغارات اسرائيلية عديدة أسفرت عن مقتل أكثر من 120 مسعفاً وعنصر إنقاذ، وفق حصيلة جمعتها "فرانس برس".

ونعى "الدفاع المدني"، الأربعاء، خمسة من عناصره قتلوا جراء غارة اسرائيلية استهدفت مركزهم في بلدة دردغيا في جنوب لبنان. وقضى عشرة عناصر من فوج إطفاء تابع لاتحاد بلديات بنت جبيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر جراء غارة اسرائيلية استهدفت مقرهم في بلدة برعشيت في جنوب لبنان، بحسب السلطات.

وفي غرفة راحة متواضعة للمتطوعين، تضم سريراً حديدياً مع فراش رقيق للغاية، يبقى القبيسي ورفاقه على أهبة الاستعداد للاستجابة لنداء استغاثة قد يأتي في أي لحظة. وشرح رئيس شعبة العمليات الخاصة في الدفاع المدني يوسف ملاح: "إذا تعطلت إحدى الآليات، يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لتعويضها".

وأضاف الرجل الذي اضطر لحياكة قماش بدلته الممزق عوضاً عن استبدالها بأخرى جديدة: "كثير من الآليات والجرافات التي نستخدمها يتبرع بها أفراد أو مؤسسات"، مشيراً إلى مركز اتصالات بدائي تم تجهيزه "بمساهمات شخصية" من المتطوعين.

ويشهد لبنان منذ خريف العام 2019 انهياراً اقتصادياً متمادياً بات خلاله غالبية السكان تحت خط الفقر مع عجز الدولة عن توفير أبسط الخدمات. وجاء التصعيد بين "حزب الله" وإسرائيل ليفاقم الوضع سوءاً. ويشرف ملاح على 235 مركزاً للدفاع المدني في أنحاء البلاد، تضم ثمانية آلاف شخص، بينهم خمسة آلاف متطوع.

وتلقي الحرب بظلالها على هؤلاء المتطوعين الذين يجدون أنفسهم يصلون الليل بالنهار. وأوضح القبيسي بأسى: "الحرب تحد بدني ونفسي. أعتقد أننا في وقت ما سنحتاج علاجاً نفسياً".

وإضافة إلى مراكز الدفاع المدني الرسمية، تنتشر في أرجاء البلاد أيضاً مراكز لهيئات صحية أخرى مرتبطة بمنظمات إنسانية مثل "الصليب الأحمر"، أو بأحزاب أبرزها "الهيئة الصحية الإسلامية" التابعة لـ"حزب الله"، والتي تعرضت مراكزها وعناصرها لغارات اسرائيلية، خصوصاً في جنوب لبنان خلال التصعيد المستمر منذ أكثر من عام.

واتهم الجيش الإسرائيلي عناصر "حزب الله" باستخدام "سيارات الإسعاف التابعة للهيئة الصحية الإسلامية لأغراض إرهابية". وهو ما نفته الهيئة التابعة للحزب بشكل قطعي. وأعلنت أربعة مستشفيات على الأقل في لبنان تعليق خدماتها في 5 تشرين الأول/أكتوبر على وقع غارات إسرائيلية كثيفة في محيطها.

ومع تكرار استهداف مسعفين في مناطق متعددة، أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إجراء اتصالات دبلوماسية للضغط على إسرائيل "للسماح لفرق الإنقاذ بالوصول الى مواقع الغارات والسماح بنقل الضحايا".

وفي بلدة مرجعيون القريبة من الحدود في جنوب لبنان، حيث تدور اشتباكات برية بين "حزب الله" وإسرائيل، أعلنت "الهيئة الصحية الإسلامية" مقتل 11 من مسعفيها جراء غارات إسرائيلية مطلع الشهر الحالي. وكررت وزارة الصحة اللبنانية تنديدها باستهداف الطواقم الإسعافية. وطالبت الأسبوع الماضي "المجتمع الدولي بموقف حازم يحول دون مضي العدو" في استهداف طواقم الإنقاذ والاسعاف.

ولا يثبط الوضع الدامي همة أنيس عبلا، رئيس مركز الدفاع المدني في مرجعيون والذي تعرض لحروق جسمية في الوجه واليدين اثناء إطفاء حريق ناجم عن قصف إسرائيلي قبل شهرين. وأوضح عبلا (48 عاما) عبر الهاتف: "مهمات الإنقاذ صارت صعبة لأن الضربات متتالية وتستهدفنا. وأصبحنا كذلك متعبين" بعد عام على اندلاع الاشتباكات بين "حزب الله" وإسرائيل، قبل أن تشتد وتيرة الهجمات الإسرائيلية في الأسابيع القليلة الماضية، والتي اسفرت عن مقتل أكثر من 1300 شخص. وأضاف عبلا بتحدٍّ: "لكننا صامدون وباقون في مواقعنا. نحن ندافع عن شعب لبنان من خلف آلياتنا".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها