"الخاص ممنوع".. إعلان يشبه الإعلانات التي نصادفها على جدران الشوارع: "ممنوع الوقوف/مدخل كاراج"، "ممنوع رمي النفايات تحت طائلة المسؤولية".
"الخاص ممنوع" هو أيضًا إعلان على جدران شوارعنا الافتراضية، إنما تحت طائلة الحذف أو ربما التشهير.
أنظر بِحيرةٍ كلما صادفتُ هاتين الكلمتين في أحد حسابات الفايسبوك. في البداية، كنت أظنها مزحة. لكني لاحظت تكرارها عند كثيرات (لا كثيرين). وبعضهن يضفن إلى الإعلان، توضيحاً: "قولوا ما تريدون على العام، الخاص ممنوع". حسنًا، عُلِم يا أختي.
من جهتي، ورغم أني لستُ ممن يتواصلون مع نساء على الخاص، ولا هنّ يتواصلن معي، لا أقبل طلبات الصداقة من الحسابات المختومة بهذا الإعلان. أعرف أن المقصود بهذا التحذير هم الرجال، ضمناً. لكن هذا الإقصاء، الذي لصاحباته أسبابهن بشأنه، يجعلني أقصيهن عن حسابي. قبولي بطلب الصداقة لحساب ممهور بهذا الختم، يشعرني أني موافقة على مضمونه، وأنا لستُ كذلك، وأدرك تمامًا أنهن بدورهن لا يبالين بعدم موافقتي هذه، ولا برفضي لطلب صداقتهن.
وأسأل نفسي لماذا: "الخاص ممنوع"؟ ما الذي يمنعه؟
الاكتفاء؟ التّوجس؟ عدم الاكتراث؟ المزاج؟ الحق في المنع؟
"الخاص ممنوع" يعني أن التواصل على انفراد ممنوع. هو منع معلن عنه بشكلٍ مسبقٍ، وهو منع للمبادرة، بغض النظر عن صفات وأسلوب وهدف صاحب المبادرة، وهو إجهاض للاحتمالات وإلغاء للفضول.
"الخاص ممنوع" يعني أنه مسموح تواجدنا في الحديقة نفسها، ننظر إلى بعضنا البعض، نرسل ابتسامات على مرأى من الجميع، وربما كلمات الإطراء أو حتى انتقادات، إنما لا يمكنك أن تجلس قربي على المقعد نفسه والتحدث معي بصوت لا يسمعه غيري.
"الخاص ممنوع" يعني أن صاحبة الحساب تقول: بعد قبولي طلب صداقتك، يصبح مسموحاً لك أن ترى صُوري التي أشاركها وأن تضع انطباعاتك على بوستاتي، لكن هذا كله يجب أن يكون أمام الجميع. وإعجابك أو فضولك أو حتى اشمئزازك، مهما كانت غاياته، يجب أن يبقى أمام عيون الجميع، إن أردتَ مشاركته معي. وهذا يعني اشتراطي حضور ما لا يقل عن مئة "مَحرَم" من الأصدقاء معنا، كي تقول لي: "هاي".
وتقول صاحبة الحساب ذات "الخاص ممنوع": أعرف سلفًا أن أحداً منكم ليس لديه ما يثير اهتمامي، مهما كان شكل الاهتمام، وأنا مكتفية بما لدي من تواصل مع من أتواصل معهم، ومكتفية أيضاً بالتواصل العام مع الذين قد يرغبون بالتواصل الخاص معي... ليس لدي ثقة في ما تضمرونه لي من كلام، وطلبات وبوح ومشاركة، أشكّ في نواياكم ولا أسمح بكل ما تريدون مشاركته معي، ولن أغامر بمنحكم ثقتي.
"الخاص ممنوع"، إذ تقول صاحبته: حسمتُ أمري بشأنكم، وبشأن مزاجي الذي لن يتغير نحوكم، ولن يزيح قيد أنملة في ما يخص التواصل الخاص مع أي منكم. أنا امرأة حاسمة لا تختبروا صدق إعلاني! أفضّل أن أخصي أي محاولة خاصة منكم تجاهي، على أن أستخدم حق الرفض والبلوك في حق أشخاص بعينهم بعد اكتشافي أنني لا أهتم باستمرار التواصل معهم. وقد أمنعكم من المبادرة تجاهي، وأترك لنفسي هامش اختراق هذا المنع معكم، إن اطمأنيت لأحدكم أو وافقت عليه أو توافرت الشروط والمزاج والرغبة... وابقوا اعملوا بالمثل وامنعوني!
النوافذ المغلقة تُبعد الغبار والمطر والبعوض والعيون، ومحاولات الفضوليين غير المرغوبين. وتبعد أيضاً نسمات الهواء اللطيفة، وأشعة الشمس، وتحيات العابرين، وربما قُبَلهم ونظراتهم التي قد تكون مرغوبة أحيانًا ومنتظرة، وتبعد الذين من المحتمل أن يكونوا مثيرين للاهتمام أو للتسلية أو حتى فقط للتحية.
لكن، بما أنها نوافذكنَّ، أنتن اللواتي "الخاص ممنوع" عندكن، فحُكماً لكُنَّ حق إغلاقها وختمها أيضاً، لكن اعذروا رفضي لطلباتكن، أنا المشرّعة نوافذي.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها