من دون تفاصيل معقّدة، استطاع السينمائي الاسكندري شريف زهيري، أن يحصل على معدّات صوت لفيلمه الروائي القصير: "صاجات.."، من "مؤسسة جدران" في الاسكندرية. وقتها كانت المؤسّسة المعنيّة بتحويل الأماكن المعمارية غير المستخدمة والخالية، إلى أماكن مؤهّلة تستوعب أنشطة فنيّة أو تساهم في التنمية المجتمعية، تستعدّ لإطلاق مشروع "وكالة بهنا"، وذلك عبر شراء كاميرات ومعدّات إنتاج تساعد السينمائيين الشباب في الاسكندرية في إنتاج أفلامهم ولو بتوفير تلك المعدّات.
يقول شريف زهيري إنه خلال جلسة واحدة فقط، حصل على معدّات صوت. "مجرد دردشة حول الفيلم الذي أقوم بإخراجه، تلك التجربة يجب دعمها، ستسدّ فراغاً بعد انسحاب مكتبة الاسكندرية من دعم المشاريع السينمائية الشابة".
"وكالة بهنا" تعرّف نفسها بأنها: "فضاء فني جديد في الاسكندرية، يعنى بدعم وتنمية واقع الفنون البصرية والوسائط المرئية وصناعة الفيلم ودعم مجتمع الفنانين العاملين في هذا المجال والمساعدة في تطوير وإنتاج أعمالهم الفنية، وبتوفير البيئة اللازمة التي تدعم إندماج قطاع جماهيري عريض في العملية الإبداعية، بما في ذلك توفير منتج فني بصري بجودة عالية للجمهور المشارك".
"وكالة بهنا"، تملك أيضاً حكاية: فقد أنشئت كشركة توزيع سينمائي العام 1932 بأيدي الأخوين بهنا، وأنتجت أول فيلم غنائي مصري وثاني فيلم ناطق في السينما المصرية هو فيلم "أنشودة الفؤاد". شركة بهنا كانت من روّاد تجارة التوزيع السينمائي في مصر وكانت قبل وضعها تحت الحراسة العام 1962، من أكبر شركات التوزيع السينمائي في الشرق الأوسط.
في العام 2008، يقول عبد الله ضيف، أحد المسؤولين التنفيذين في "مؤسّسة جدران"، كان بازيل بهنا وريث العائلة التي أنشأت شركة التوزيع السينمائي قد عاد من فرنسا، ليبدأ رحلة استعادة أملاك أسرته، برفع قضايا لفكّ الحراسة عن الشركة. التقى مؤسِّسة "جدران" الفنانة التشكيلية علياء الجريدي. كما أن بازيل يملك مكاناً يحوي أرشيفاً هائلاً لثلاثين عاماً من صناعة السينما، يمكن أن يكون خريطة لأدقّ تفاصيل توزيع الأفلام في ذلك الوقت.
فضاء بمساحة 385 متراً مربّعاً، يحتوي على 12 غرفة في مبنى تراثي وسط الاسكندرية القديمة بطرازها المعماريّ المميّز الذي وضعه أجانب المدينة الكوزمبوليتانية وقتها، وألحق بها مخزنان بمساحة 80 متراً، صالحان للعب ولدعم الفنون البصرية. حافظ القائمون على المشروع بمعاونة 27 متطوعاً من 11 دولة، لترميم الغرف مع الحفاظ على الشكل الأصلي للمكان.
كمية الوثائق التي اكتشفت في المكان، دفعت القائمين على المشروع إلى إقامة وحدة للأرشيف يشرف عليها على العدوي: "يضمّ الأرشيف عدداً ضخماً من وثائق تراثية للسينما المصرية التي أشرفت على توزيعها شركة "منتخبات بهنا فيلم" في تلك الفترة، وتتضمن سيناريوهات أصلية وصوراً فوتوغرافية ووثائق لعقود أفلام، ستتاح للعاملين في المجال السينمائي، إضافة إلى عقود تجارية قد ترسم صورة لمصر في تلك الفترة".
يقول علي: "نبني فريقاً من المتطوعين لأرشفة وترميم وثائق شركة بهنا، ورقمنتها أيضا لإتاحتها للمهتمّين والعاملين في المجال السينمائي".
بازيل بهنا، وريث العائلة، كما يصفه العدوي "لديه تجربة عريضة في الحياة، وهو محبّ للفن ومن أهم جامعي التراث الفنّي والتشكيلي لفنّاني الاسكندرية كسيف وانلي ومحمود سعيد، يأمل في اعادة تراث عائلته إلى الحياة بإعادة الشركة إلى إنتاج والمساهمة في إنتاج السينما مرة أخرى، للشركة التي كانت تملك مقرات في الإسكندرية، وساهم عبر شغفه في دراسات مهمّة عن تاريخ صناعة السينما في الاسكندرية.
تجربة "وكالة بهنا" ومن قبلها مساهمات أخرى لـ"مؤسّسة جدران" تضرب بقوة على وتر نزع مركزية الفن عن القاهرة، برؤية صلبة وعصرية تدرك قيمة الفنون المعاصرة ولا تستلم للأفكار المعلّبة للمدينة وعن المدينة.
أحد عروض الافتتاح، في 14 آذار/مارس الجاري، كان تجريبياً بامتياز، مجموعة من الموسيقين قدّموا عروضاً تفاعلية وحيّة على خلفية مشاهد سينمائية. وتستمر العروض في
برنامج مكثف ومنوّع حتى 9 نيسان/ابريل المقبل، وبينها أفلام قديمة وجديدة ومعارض سمعية-بصرية.