تفتقر المذيعة المصرية ريهام سعيد، صاحبة البرنامج الشهير "صبايا الخير" على قناة "النهار"، إلى المهنية وربما الإنسانية أيضاً. شيئان لا تفتقر إليهما سعيد: إدعاء حراسة الأخلاق ضد "غرباء الأطوار" و"هادمي المجتمع"، والجماهيرية. هذا ما أثبتته مجدداً في
الحلقة الأخيرة من برنامجها التي استضافت فيها ملحداً، حولته إلى ضحية وانقضت عليه بحوار غرائزي يلبي ما يطلبه الجمهور. جمهور تجذبه حوارات العجائب والغرائب والخرافة والجنس والدين. وهو، إن رفض حلقة سعيد الأخيرة، فليس لأنها عن الإلحاد، بل لأن المقدمة لم تكن بالقوة والعلم الكافي لسحق ضيفها وتلقينه درساً أخلاقياً ودينياً، أو لأنها أتاحت له فرصة للظهور أصلاً.
جهل المقدمة، لم يمنعها من إخراج الضيف عن نسقه وتصويره على أنه خطر داهم، يهدد كل شيء. في الحلقة عينها رأينا شيخاً وقسيساً يرفضان ما يقوله الضيف. رجلا الدين يملكان القدرة على إشعال الدنيا بسبب ملحد وحديثه الرافض لوجود خالق، في حين أنهما لا يغضبان لانتشار الفقر، والجهل، والمرض، وتعاقب الطغاة واللصوص على السلطة وتحكمهم في مصائر "العالقين" في هذه البقعة من الأرض.
سجل الحوار على وقع عزف فرقة "الميديوكر"، موسيقى رخيصة وطبلة تنذر بالخطر الداهم الذي يفترض بريهام سعيد أن تنقذنا منه. هي التي جلست تسأل، تستهزئ بكلام الضيف وهي تحاوره مرتدية سترة جلدية تجعلها، مع ألفاظها، تبدو كجلاد، لا كإعلامية.
"كنت مسيحي ودلوقتي إنسان"، هكذا عرف عن نفسه الملحد الذي استضافته ريهام سعيد. وعندما سألته المحاورة، خريجة الجامعة الأميركية، عن عمله وأجاب بأنه أمين مكتبة، ردت: "يعني إنت بتنتج إيه للمجتمع"؟ ومن ثم جرّت الأمور إلى المنطقة الأكثر شيوعاً بين مدّعي حراسة الأخلاق: لماذا أَلحدَ؟ لأنه يقرأ كل شيء، لأن "القراءة من دون رقابة، تؤدي إلى نموذج كهذا". نموذج، تخبر ريهام سعيد بأنها تشعر بالقرف والضيق لوجود أمثاله.
الرقابة هي الحل، في نظر ريهام سعيد، كي لا ننتج "الغرابة" التي تُشعرها بالقرف. لكن ما الحل كي لا ننتج نموذجاً كريهام سعيد؟ هذا هو السؤال الذي يصعب إيجاد جواب له. ففي حلقات سابقة، لم تتردد سعيد في استضافة طفلة مغتصبة، لم يتعد عمرها السنوات الست. وأمام آلاف المشاهدين سألتها: "عملوا فيكي إيه؟".. لتجيب الطفلة: "عملوا فيا حاجات من هنا ومن هنا". بأي حق تقرر من تدعي دفاعها عن الأخلاق استقبال طفلة تعرضت للانتهاك الجنسي وسؤالها هكذا عن تجربتها القاسية؟
ليس هذا كل شيء، فالمقدمة نفسها، لم تتورع في برنامجها أيضاً عن تخصيص حلقات لإثبات أن الجن موجود وأنه يتلبّس البشر. وحدها ريهام سعيد تعطي نفسها الحق وتقاتل بشراسة من أجل إثبات "الخرافة".
"الميديوكر" فقط، يستطيعون تحويل "قرار" اتخذه مواطن بعدم الإيمان، إلى سلعة استهلاكية، إلى مقالات استشراقية عن ظاهرة "تدق ناقوس الخطر" وتهدد "السلم العام"، رغم إن الإلحاد في مصر والوطن العربي، قديم قِدم الإسلام، ومحدود قدر ثقافة ريهام سعيد. وهناك من لا يتقبل أن الأشياء ليست تحت السيطرة تماماً، وأن سلطة رجال الدين والقضاة وحراس الأخلاق ليست مطلقة.
عندما تعرض سعيد نماذج "منحلة" أو "ناشزة" عن تقاليد المجتمع، فإنها لا تهدف إلى الاثبات بأنه "انحلال"، بقدر ما تسعى إلى إنكار وجوده. تهدف دوماً إلى إيصال رسالة مفادها: إننا مجتمع على قلب رجل واحد، له قِيمه الواحدة، ولا مكان فيه لحياة "غير أخلاقية"، فهؤلاء مطاردون، يتم فضحهم بسرعة وإدانتهم، إنهم قلّة غريبة، تلتقط معهم ريهام صورة، وفي الصورة أيضاً الشيخ والقسيس، لنفي وجودهم لا لإثباته كما يثبت وجود الجن.. وذلك لإدعاء سلامة المجتمع ونجاته وتفوقه "النازي" و"الوهمي".
من أنتج ريهام سعيد؟ لم تأت هذه المقدمة من فراغ، وهي ليست استثناء.. لم تنبت من دون أصل قوي وجذور ثابتة في المجتمع، حتى لو ادعى الأخير الغضب منها.
الضيف .. الملحد