لماذا لا يجب أن يمرّ مقال أحمد عبد اللطيف عن جائزة ساويرس من دون رد؟ لأن المبتزّين غالباً ما ينجون بفعلتهم، لولا الردّ. لكنه السبب نفسه الذي يجعل المرء يتمهل في الكتابة، ينتظر قليلاً، إذ أن الردّ الأبلغ على الابتزاز يُصاغ بعد التخفف من الغضب والاشمئزاز، يُكتب بالعقل.
في مقاله في "المدن" بعنوان
"محكمو جائزة ساويرس.. من أنتم؟"، يغلف عبد اللطيف أسئلته بالبراءة والنزاهة. حيلة جيدة قد تنفع في أوساط تحب النميمة والتسلية ببطولات مجانية، وربما يتحاشى البعض فيها معاركها الزاخرة بالاتهامات والترهيب.
لكن فلنُذكّر أحمد عبد اللطيف بما لم يذكره، وهو أنه تقدم إلى الجائزة التي استبعدت روايته منذ النقاشات الأولى، ولم تصل إلى القائمة القصيرة. فهو، بكل براءة، تجاوز هذا "التفصيل".
أعلن عبد اللطيف في مقاله أن طارق إمام هو الفائز الحقيقي بجائزة ساويرس، وأن أعضاء لجنة التحكيم توافقوا على أن عمل إمام هو الذي يستحق المركز الأول، وأن استبعاده في اللحظات الأخيرة سببه أن روايته "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس" أبطالها مثليون جنسياً. نصب نفسه حكماً فقال: "لقد أغمضوا عيونهم عن فنّيات العمل وجمالياته وأهميته، وتمسّكوا بأن البطل، وهو الشاعر السّكندري اليوناني كفافيس، كان مثلياً. وكأن دور لجنة التحكيم أن تحاسب الكاتب أخلاقياً".
دعنا نطرح القليل من الأسئلة على "المواطنين الشرفاء" المصفقين لعبد اللطيف: هل قرأتم الأعمال الفائزة؟ هل هي "أخلاقية" بالمعنى الذي يطرحه؟ "رجوع الشيخ"، العمل الذي حاز المركز الأول، يتناص أصلاً مع نص "رجوع الشيخ إلى صباه" – أحد أكثر النصوص العربية إباحية. إذن، لم يكن الحكم أخلاقياً أبداً.
سؤال آخر: كيف بنى عبد اللطيف مقاله على نميمة؟ إن لم يكن قد اختلقها (ونفترض دائماً حسن النوايا)، فكيف يثبتها؟ أليس واجباً عليه أن يثبتها؟ ألا يطالبه المصفقون؟ ألا يكون الأخيرين، هكذا، مساهمين في فساد ثقافي يُتداول؟
قبل عامين، فاز طارق إمام، بجائزة ساويرس، وضمّت لجنة التحكيم سيد محمود ومحمد شعير، وهما من بين مَن يهاجمهم المقال متسائلاً عن سبب ضمّهما إلى اللجنة. إذن، ألا يجوز التساؤل عن موضوعية منح الجائزة إلى إمام آنذاك؟ فبمنطق عبد اللطيف نفسه، يفترض التشكيك، والحال التحكيمية هي هذه، في الفوز الأول، طالما شكّكنا في عدم فوزه الثاني.
مَن تبتزون؟
فلنذكّر بالماضي القريب. كان الفوز الأول لطارق إمام بجائزة ساويرس، عن رواية "هدوء القتلة". وهو تقدّم بالراوية ذاتها إلى جائزة الدولة التشجيعية، والتي تشترط ألا يكون المرشح قد نال جائزة سابقة عن العمل نفسه. ومع ذلك، وبطريقة غير مفهومة، فازت "هدوء القتلة". وعندما كتب الصحافي محمد شعير تقريراً في جريدة "الأخبار" اللبنانية، عن "تلاعب" جرى ههنا، قرر الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة آنذاك، عماد أبوغازي، حجب الجائزة، ووقف صرف شيك الجائزة لطارق إمام. فقامت حملة ضارية، شبيهة بتلك المُقامة اليوم. تعرض عماد أبو غازي لهجوم عنيف مدعّم من "الشلة"، لإرهابه، ووقّع عليها بعض الغافلين الآخرين. والنتيجة؟ الحصول على سمعة الفوز بالجائزة، رغماً عن الجميع، ورغماً عن عدم الفوز أصلاً. النتيجة؟ ما زال الفائز الحقيقي، الذي كان يفترض أن يتسلم الجائزة بعد حجبها عن إمام، يصرخ في البرية: "أنا عاطف الأشموني، مؤلف الجنّة البائسة"، كما فعل الممثل محمد عوض في مسرحية "جولفدان هانم" بعدما سُرقت فرحته بعمله الأدبي.
محمد شعير هو من فضح التلاعب. فهل حان موعد تصفية الحسابات؟
محمد عبد النبي وعمرو عاشور... ماذا لو استيقظا صباحاً من دون جائزة؟ ماذا سيفقدان؟ بالتأكيد لن ينهشا في أحد. لن يفقدا احترام أحد. لن ينصّبا نفسيهما فائزين رغماً عن الجميع، والأهم: لن يقلل أحد من جودة أعمالهما.
الروائي محمد ربيع تقدم للجائزة نفسها، برواية مميزة هي "عام التنين"، ولم يصل إلى القائمة القصيرة، وكان تعليقه كالآتي: ثمة ثورة حقيقية في أن تفوز أسماء جديدة مثل عمرو عاشور ومحمود توفيق ومحمود عبد الغني.. (وعمل عبد الغني هو الأول له بالمناسبة.. لكن كيف يفوز شخص يكتب للمرة الأولى؟ كيف لا يفوز عبد اللطيف و/أو إمام؟ كيف يحتمل الأخيران خروج أسماء جديدة إلى النور؟!).
ماذا لو فقد عبد النبي وعاشور وربيع الكتابة نفسها؟ سيجدون ما يفعلونه. فقدان الكتابة لن يعريهم أمام أنفسهم. لن يشعروا بأنهم لا شيء. ثمة من لا يرى الكتابة معركة حياة أو موت تبيح له الخوض في الذمم.. بادعاءات عن شجاعة المواجهة.
يبدأ عبد اللطيف مقاله بنقد (محق على الأرجح) لعضوية ثروت الخرباوي في لجنة تحكيم جائزة ساويرس لفرع كبار الكتّاب.. لكن الهدف الأساس للمقال هو التشكيك في نتائج لجنة أخرى، أي تلك التي تحكّم في أعمال الأدباء الشباب! لا والله برافو. نقطة جيدة. تكيّة ممتازة لتنصيب طارق إمام فائزاً محروماً، والتشكيك في لجنة شباب الأدباء، بإقحام اسم الخرباوي (تضليلاً) بين أسماء محكّميها للفرع الشبابي الذي تقدم إليه إمام.
ثم هناك الاقتراحات البراقة بأن تتولى التحكيم أسماء من مصاف المنسي قنديل، ومحمد المخزنجي، رغم أن الرئيس الفعلي للجنة هو كاتب لا يقل اسمه بريقاً عنهم: إبراهيم عبد المجيد. يقول عبد اللطيف إن أعضاء اللجنة مجرد صحافيين متابعين. فلنفنّد إذن: سيد محمود أديب قبل أن يكون صحافياً. طارق إمام نفسه ناقش ديوان سيد "في تلاوة الظل" خلال ندوة قال فيها عن الديوان وصاحبه ما لم يقله مالك في الخمر. وعبد اللطيف نفسه استدعى سيد محمود لمناقشة روايته في ندوة. فهل كانت تلك مجاملة؟ ولماذا لم يتساءل أحد، آنذاك، عن قيمته الأدبية؟ وهو مَن كتب سابقاً عن غالبية أعمال عبد اللطيف وإمام، مقالات نقدية مهمة. إذن، سيد محمود متابع وناقد وأديب، وليس مجرد صحافي متابع للحقل الثقافي. قبلتما أحكامه من قبل، في جوائز حصلتما عليها، ومقالات عن أعمالكما.
هالة فؤاد ناقدة.. هل يضعف لجنة التحكيم وجود ناقد(ة) فيها؟ صبحي موسى روائي وناقد!
محمد شعير؟ لماذا تذكرتم الآن أنه لا يصلح للحكم، رغم أنه حكّم في جوائز حصلتما عليها من قبل؟
يبقى القول، وبعد هدأة، طلباً للموضوعية وليس للذة العراك:
كل من يخاف الإرهاب، آثم. كل من يشارك في دعم الابتزاز، آثم. كل من يمنح الفرصة لشاهري "المطاوي" في وجوه الآخرين، آثم. كل من يخوض في الكذب، قبل التحقق وبعض التفكير، آثم.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها