الثلاثاء 2024/07/09

آخر تحديث: 12:29 (بيروت)

"الحياة حلوة"... غزة الناجية رغم كل شيء

الثلاثاء 2024/07/09
"الحياة حلوة"... غزة الناجية رغم كل شيء
يقترح أصدقاء جبالي أن يطلب اللجوء أو يتزوج في النروج. لكنه يرفض التخلّي عن هويته ويصرّ على الاعتراف بعمله
increase حجم الخط decrease
في العام 2014 كان محمد جبالي في النروج، حين تلقّى أنباء عن إغلاق معابر غزة إلى أجل غير مسمّى. جبالي، السينمائي الفلسطيني الذي زار البلد الاسكندنافي لعرض فيلمه الأول والمساهمة في خلق صور إيجابية لمسقط رأسه، غزة، وجد نفسه فجأة ممنوعاً من العودة إلى وطنه منفياً وحيداً في الشتاء الشمالي المظلم. فقرر البقاء والنجاة بمساعدة كاميراته.

فيلمه الأخير الذي يحمل عنوان "الحياة حلوة"، وثائقي عن حياة غزّي أُجبر على العيش في المنفى في أوروبا، عُرض للمرة الأولى أواخر العام الماضي ضمن منافسات مهرجان الفيلم الوثائقي الدولي بأمستردام (IDFA)، أكبر مهرجان للأفلام الوثائقية في العالم. مثل بطله/موضوعه، يدور الفيلم أيضاً حول محاولات غزة نفسها للنجاة والبقاء على قيد الحياة، باعتبارها أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان في العالم، فضلاً عن حقيقة كونها "أكبر سجن مفتوح في العالم" بفعل حصار إسرائيلي شامل منذ 16 عاماً.

في حديثه لـ"المدن" يعبّر جبالي عن حزنه الشديد إزاء ما يحدث في مسقط رأسه في غزة بقوله: "إنه أمر مأساوي ومروّع. فقدتُ الاتصال بمعظم أصدقائي. ولا أعرف أين هم أو كيف أحوالهم أو حتى إذا كانوا على قيد الحياة". ويتابع: "هذا الفيلم قصة إنسانية. إنه يدور حول الحياة وكيف يقف الناس معاً عندما تشتدّ الأوضاع".

ويحكي "الحياة حلوة" قصة جبالي الذي يصل إلى النروج في إقامة فنية، بحسب معهد الفيلم النروجي الذي قدَّم منح التطوير والإنتاج للفيلم. أثناء زيارته لمهرجان سينمائي في ترومسو، وهي مدينة نروجية، تُغلق الحدود مع غزة إلى أجل غير مسمى، وتتقطّع به السبل في القطب الشمالي.

مع عدم وجود مكان يذهب إليه، يتقدّم جبالي بطلب للحصول على الإقامة في النروج، وفي هذه العملية يجد نفسه مجرّداً من هويته/جنسيته. وهكذا تبدأ رحلة عبر البيروقراطية، يرفض خلالها وضعه في صندوق، ويوجّه كاميراته نحو نفسه ليحدّد هويته، ويجد مستقبله، ويخلق قصته الخاصة.

وبينما يتكشّف هذا الأمر، يعيش جبالي حياة موازية عبر الإنترنت، ويبقى على اتصال مع عائلته في غزة. لكن، عندما تتعرّض غزة للهجوم مرة أخرى (حرب 2014)، يشعر بألم الانفصال عن أحبائه ويواجه خياراً مستحيلاً. إذا عاد إلى غزة، فقد لا يتمكن أبداً من المغادرة مرة أخرى ومواصلة عمله كمخرج سينمائي معترف به دولياً، ومشاركة قصصه مع العالم. في انتظار تغيُّر الوضع، يقترح عليه أصدقاؤه في غزة أن يطلب اللجوء أو يتزوج ليبقى في النروج. لكنه يرفض التخلّي عن هويته الفلسطينية ويصرّ على الاعتراف بعمله.


فاز أول عمل لجبالي، "إسعاف"، بجائزة طائر الشمس لأفضل فيلم وثائقي في فلسطين العام 2016. ويروي الفيلم الوثائقي أيضاً قصة المخرج الخاصة عن انضمامه (متطوعاً) إلى طاقم سيارة إسعاف في غزة في تموز/يوليو 2014 بينما يلوح هجوم إسرائيلي في الأفق. فيلمه الأخير يعاين جانباً شخصياً آخر من حياة صانعه: ألم وبشاعة الاحتلال الإسرائيلي، والبيروقراطية الكافكاوية التي وجد المخرج نفسه فيها رجلاً "عديم الجنسية"، لكنه عثر أيضاً على الحاجة إلى التفاؤل والتضامن في المجتمع الوثائقي الدولي والنروجي والزملاء الآخرين الداعمين.

يقول المخرج: "إنه فيلم عن العدالة الاجتماعية، عن قصّتي الشخصية هنا في النروج"، ويتابع معلقاّ على اختيار فيلمه للعرض في مهرجان"إدفا"، الذي شهد أيضاً عرض فيلمه الأول: "هذه تصريفات القدر أن يُختار فيلمي في هذه اللحظة الخاصة التي نعيشها جميعاً. تلقّينا الخبر قبل بدء العدوان الإسرائيلي، لكني شعرت أن فرحتي لم تكن كاملة، عندما نظرت إلى مدينتي... أردت دائماً إظهار الأمل، وجمال غزة، وشعبها، وكفاحها، وبقاءها". وبالفعل، مَن يشاهد الفيلم سيتأكّد مرة أخرى من قوة وأهمية الفيلم الوثائقي كضرورة لإعطائنا فكرة عن المصائر والقصص التي لولا هذا الوسيط ما كان ممكناً الوصول إليها أو التفكير فيها. يشارك جبالي قصة حياته ويُظهر لنا في الوقت نفسه بعضاً من العواقب العديدة للصراعات التي تؤثر فينا أيضاً.

حين غادر جبالي غزة لم يدر في خُلده أنه ستمرّ سبع سنوات قبل أن يتمكن من رؤية عائلته مرة أخرى. الآن، في ظلّ حرب إجرامية لا سابق لها، يحصي الأيام منذ أن بدأت إسرائيل قصف غزة. في بداية الحرب، فرّت عائلته (والده وإخوته وأخواته) إلى منزل أحد أقارب والدته التي توفّيت العام الماضي جنوبي قطاع غزة. "لا أحد في مأمن. لقد نجوا. وآمل أن يستمروا في البقاء. نتبادل الرسائل ذهاباً وإياباً، عندما تكون هناك تغطية. في بعض الأحيان لا تسمع شيئاً لساعات. في بعض الأحيان يمرّ يوم، أو أكثر. عدم اليقين يشلّ عقلي"، كان هذا قبل شهور...

"الحياة حلوة"، الذي يتقاسم عنوانه مع الفيلم الإيطالي الحائز جائزة الأوسكار العام 1997 "الحياة جميلة" للمخرج روبرتو بينيني، والذي يدور حول أب يحمي ابنه في معسكر اعتقال نازي باستخدام الفكاهة؛ يركّز على الأمل لمدينة غزة وسكانها، رغم كل دمار وحصار وقتل وإبادة. يقول جبالي: "أعتقد أن الطريقة الوحيدة لمواصلة العيش هي مشاركة هذا الأمل، وهذا الجمال، ورؤية العالم يتعرّف علينا". "شعاري: الحياة حلوة. قلت ذلك دائماً وسأقوله دائماً. هكذا أريد أن أرى حياتنا".


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها