الجمعة 2024/08/16

آخر تحديث: 12:38 (بيروت)

الانتخابات الأميركية... في أي جانب تقف هوليوود؟

الجمعة 2024/08/16
الانتخابات الأميركية... في أي جانب تقف هوليوود؟
مقابل 500 ألف دولار، يمكنك الحصول على صورة مع بايدن وأوباما
increase حجم الخط decrease
خلال الحملة الانتخابية للرئاسيات الأميركية المقبلة، أصبح من الواضح مرة أخرى أين تقف هوليوود: بثبات إلى جانب الديموقراطيين، لكن هذا غير مضمون التأثير في كل الأحوال.

لم تكن المناظرة التلفزيونية إياها فقط هي التي حسمت مصير جو بايدن. لكن أيضاً أمسية قبلها بأسبوعين في مسرح بيكوك في لوس أنجليس.

كان من المفترض أن تكون ليلة 15 يونيو/حزيران أمسية رائقة للديموقراطيين. فقد دعت هوليوود الجميع. استضاف الأمسية جيمي كيميل، الذي يقدّم جوائز الأوسكار بانتظام، وكانت جوليا روبرتس هناك، وباربرا سترايسند، وبالطبع جورج كلوني.

امتلأت القاعة وبيعت التذاكر في وقتٍ قصير. كانت أسوأ المقاعد متاحة بـ250 دولاراً. ومقابل 500 ألف دولار، ستجلس في المقدمة، وتحصل على تذكرة للحفلة اللاحقة ويمكنك التقاط صورة مع الرئيس جو بايدن وباراك أوباما.

كانت المحفظة أكثر مرونة من أي وقت مضى. حتى وفقاً لمعايير هوليوود، حققت حفلة جمع التبرعات نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر؛ لا يكاد أي فيلم ضخم يحقق مثل هذا القدر من الأرباح في ليلة واحدة، فقد جُمع مبلغ 30 مليون دولار، وهو مبلغ قياسي. لكن جو بايدن دفع الفاتورة حرفياً، لأن أداءه كان محرِجاً بشكلٍ واضح. في صباح الأحد التالي، لا بد أن ما يقرب من 7000 شخص ثري وأنيق كانوا حاضرين في مسرح بيكوك وقد استيقظوا عابسين. لأنهم كانوا يعرفون قبل الآخرين: لن يكون جو بايدن رئيسهم مرة أخرى.

في النهاية، فإن أي شخص يدفع مبلغًا من خمس أو ست خانات، لأمسية مثل هذه، يريد أيضاً الحصول على شيء في المقابل. لكن بايدن تحدث أحياناً "بصوت بالكاد مسموع"، كما يتذكّر أحد المتبرعين في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست". وأشار آخر إلى أنه، مقارنة بالمناظرات السابقة مع الرئيس، "انخفضت سرعة وشدة الصوت إلى مستوى مثير للقلق".

صُدمت هوليوود، حيث يشعر الرجال بشبابٍ أبدي، بإدراكٍ مثل ضربة قاصمة: جو بايدن، المولود في العام 1942، أصبح عجوزاً!

مشاهير عميان
كتب جورج كلوني، الذي تقدم في العمر بشكل جيد حتى الآن، مقالاً لصحيفة "نيويورك تايمز" بعد المناظرة التلفزيونية الكارثية. بدأ قائلاً: "أنا أحب جو بايدن". لكن على الرغم من مدى الدمار الذي لحق به، لم يبدُ بايدن وكأنه عاد إلى حالته القديمة، ليس فقط أثناء المناظرة التلفزيونية، بل أيضاً في حفلة جمع التبرعات. نيابة عن هوليوود، أعطي جورج كلوني ركلة طاردة لجو بايدن.

لم يتأخّر ردّ فعل الجمهوريين. هل كان مشاهير هوليوود عميان إلى هذا الحدّ: يغدقون على الرجل ملايين الدولارات في يوم واحد، فقط ليقطعوها عنه في اليوم التالي؟ مثل ديموقراطيين آخرين، من الواضح أن كلوني وشركاه لم يرغبوا في الاعتراف بحالة جو بايدن.

قبل أسبوعين من حفلة جمع التبرعات، في أوائل يونيو/حزيران، قام نجم "حرب النجوم" مارك هاميل بزيارة مفاجئة لغرفة الصحافة في البيت الأبيض. أخبر المراسلين بحماس أنه التقى للتو بجو بايدن في المكتب البيضاوي. ثم أظهر بفخر نظارته الطيّارية التي أعطاه إياها القائد الأعلى. لا رمز أكثر ملاءمة لأحد مؤيدي بايدن النموذجيين، من لوك "سكاي ووكر" مرتدياً نظّارات مؤيده العجوز.

في حملة الانتخابات الرئاسية هذه، توضّح هوليوود مرة أخرى موقفها: متحدة خلف الديموقراطيين. كان هناك العديد من نجوم السينما الذين شاركوا في حملات جو بايدن، لا سيما روبرت دي نيرو، الذي يهين ترامب بانتظام مثل الجندي. كما جعل نفسه مفيداً كراوٍ لأحد إعلانات بايدن الانتخابية. وتحدثت جين فوندا وجاك بلاك بصوت عالٍ لصالح الرئيس الحالي.

ونظراً لأن كامالا هاريس تترشّح الآن لأعلى منصب في العالم للديموقراطيين، بدلاً من بايدن، فلا شيء يوقف هوليوود. بصفتها عضوة سابقة في مجلس الشيوخ، تتمتّع ابنة كاليفورنيا بعلاقات جيدة مع صناعة الترفيه وتجذب الآن المزيد من النجوم إلى صفوفها.

مكالمات من هوليوود
تسبّبت حملة هاريس في "مشكلة مرحَّب بها" لصناعة الترفيه، كما تقول شبكة "سي إن إن": "الكثير من المشاهير يتصلون. هاتفي ينفجر"، يقول أحد المقربّين من المرشّحة الديموقراطية. ربما هي مسألة وقت قبل أن يصبح وسم Harriswood "هاريس وود" متداولاً على الألسنة. من بين نجوم هوليوود الذين تحدثوا لصالح هاريس، جيسيكا ألبا، وسبايك لي، وفيولا ديفيس، وآيمي شومر، وكيري واشنطن.
وماذا عن ترامب؟ لديه المصارع هالك هوغان.

ليس سيئاً أن هوليوود ليس لديها أي معجبين بارزين بترامب. يمكن للرئيس السابق أن يشكّل تهديداً للديموقراطية الأميركية بالفعل، كما أظهر اقتحام مبنى الكابيتول. ومع ذلك، فالدعم المتبجّح لصناعة السينما الأميركية للديموقراطيين يثير الشكوك، لأنه لا يساعد في التغلّب على الاستقطاب. نجوم السينما البعيدين من الناس لا يصلون إلى ناخبي ترامب. لا يحتاج جورج كلوني إلى شرح العالم للأميركي العادي، لأن هذا الأخير لديه مخاوف أخرى.

يشعر ترامب بالتجاهل من جانب المؤسسة، و"الشو بيزنس" لا يساعده أيضاً. فصناعة السينما الأميركية غير مهتمة بمصيره. والسبب في ذلك ليس أن هوليوود "متيقظة" و"تقدّمية"، بل بالأحرى لأن شعاراتها مبسّطة للغاية.

السينما تتجاهل ناخبي ترامب
السينما الأميركية صناعة أكثر منها أيديولوجيا. هناك أفلام مستيقظة، وأفلام أقل يقظة. مرة يفوز فيلم "كل شيء في كل مكان في وقت واحد" بالأوسكار، وفي المرة التالية يفوز فيلم كلاسيكي رجالي مثل "أوبنهايمر".

المشكلة مختلفة. "اكتب ما تعرفه" هو قول مأثور لكاتبٍ قديم. لا تعرف السينما الأميركية سوى جزء من أميركا، إذ تتجاهل صناعة الأفلام قلب البلاد. ونادراً ما تتناول أي مادة سينمائية، الحياة في البلدان المجاورة، تلك الدول التي يراها الأميركيون (أو مخرجو هوليوود) من الساحل الشرقي أو الغربي فقط، من منظور عين الطائر.

هناك كلينت إيستوود الذي لا يخجل من كونه رجلاً أبيض عجوزاً، يستعيد شعور الدخيل الأجنبي على هوليوود في فيلم مثل "غران تورينو" (2008). لكن إيستوود يبلغ من العمر 94 عاماً. من جيل أصغر عمراً، يأتي جيف نيكولز (مواليد 1978)، بفيلميه "خذ ملجأ" و"طين"، وهو واحد من صناع الأفلام الشباب القلائل الذين يتعاملون مع الداخل المحبط في البلاد. لكن أفلامه هي الاستثناء، ما يجعل الندرة والنقص الإنتاجي أكثر وضوحاً.

بعبارة أخرى، ودّعت هوليوود جزءاً من جمهورها. فقبل 15 عاماً تقريباً، كان هناك فيلم كوميدي مثل "جونو"، الذي احتفى به التقدّميون باعتباره يبعث على الشعور بالسعادة، في حين رأى فيه المحافظون مادة للتفكير من أجل سنّ قوانين أشدّ بشأن الإجهاض. والآن لم يعد صناع الأفلام الأميركيون يجرأون على التعامل مع مثل هذه التناقضات/الازدواجيات. ويحكي الفيلم المعني قصة فتاة مراهقة اسمها جونو، تحمل من صديقها، وتقع في مشاكل حمل المراهقات ومعضلة الخيار بين الاحتفاظ بالطفل أو التخلي عنه للتبنّي.

لم تحبّ سينما هوليوود أبداً تعقيد الأمور. لكنها الآن تجعل الأمور بسيطة للغاية. اختفت الفوارق السياسية. وهذا ينطبق على الأفلام، وينطبق على النشاط السياسي الذي يمارسه دعاة الإجهاض. إذا كنت غير مهتم بالناس بشكل واضح، فلا داعي لأن تأتي إليهم بتوصيات بالتصويت.

هناك تعبير لطيف في اللغة الإنكليزية: "الوعظ للجوقة". نجوم هوليوود الذين يدعمون هاريس يطرقون الأبواب المفتوحة. بالطبع، لا ينبغي الاستخفاف بهم كجامِعي تبرعات. فهم يساعدون في التعبئة وقد يؤدي التزامهم إلى جلب مواطن أو اثنين آخرين غير سياسيين، إلى صناديق الاقترا،ع بالإضافة إلى الناخبين الديموقراطيين الغافلين. لكن نجوم هوليوود المتفاخرين لديهم أيضاً تأثير عكسي: فهم يحرّضون الناخبين المحتجين في الجانب الآخر بشكل أكبر.

هوليوود اليمينية
بدلاً من التوجّه إلى المعارضة الكاملة لكل ما هو جمهوري، كان من الممكن أن تستفيد هوليوود أكثر إذا انفتحت على أميركا المحافظة. فالتباهي ضد ترامب الآن لا يجدي نفعاً. لأن ترامب يشبه غودزيلا: إذا أطلقتَ النار عليه مجازاً (أو حرفياً!)، فإنك تزيده حجماً.


(رونالد ريغان ممثلاً في فيلم ويسترن العام 1953 - Getty)
 
لم تكن هوليوود دائماً يسارية. عمل مؤرخ الأفلام ستيفن جيه روس على هذا الأمر في كتابه "يسار ويمين هوليوود": ففي حين كان يسار هوليوود، بدءاً من تشارلي شابلن، دائماً "أعلى صوتاً وأكثر وضوحاً"، كان لليمين تأثير أقوى في السياسة. وقد عُبّر عن هذا في ممثلٍ له مقعد في مجلس الشيوخ (جورج مورفي)، وحاكم ولاية (أرنولد شوارزنيغر)، وحتى رئيس للولايات الممتحدة (رونالد ريغان).

حقيقة أن صناعة السينما الأميركية أصبحت مؤخراً أكثر تأييداً للديموقراطيين لا علاقة لها بترامب وحده. سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن الاهتمام بالديموقراطية وحدها هو ما يحرّك الصناعة. ستلعب سياسة المصالح الصلبة دوراً أيضاً. تقاتل هوليوود من أجل الحصول على أموال الدولة. لا تمويل تقليدياً للأفلام في أميركا. لكن، في السنوات الأخيرة، بدأت الولايات في خوض حروب المزايدة لترشيح نفسها لتصوير الأفلام، والإعفاءات الضريبية تجتذب الإنتاجات.

بالإضافة إلى كاليفورنيا ونيويورك، تُعدّ جورجيا حالياً موقعاً رئيساً للتصوير. تقدّم الولاية الواقعة في جنوب شرق البلاد، إعفاءات ضريبية تصل إلى 30%. تصدر جورجيا ما يعادل أكثر من مليار دولار سنوياً لمشاريع الأفلام. وفيها أُنتجت أفلام "مارفل"، مثل "بلاك بانثر" Black Panther ومسلسلات مثل "Stranger Things" و"The Walking Dead".

يُباع هذا ويسوّق باعتباره ترويجاً للموقع. لكن نادراً ما يتم التشكيك في ما إذا كان ذلك منطقياً من الناحية الاقتصادية. كلّ سياسي ذكي يحرص على صورته الإعلامية، يقدّر بريق وألق النجوم والأضواء. رُفضت مبادرة سياسية أرادت وضع حد أقصى لتمويل إنتاجات الأفلام في جورجيا. من الآمن افتراض أن صناعة الأفلام مهتمة بالسياسيين الودودين تجاهها، والأسخياء، وبالتالي الأكثر ديموقراطية.

من الصعب تحديد كيفية تأثير هوليوود في صناّع القرار على وجه التحديد. هناك شيء واحد واضح: جورجيا ولاية متأرجحة. ستتحدّد نتيجة الانتخابات الرئاسية. وهناك الكثير على المحكّ بالنسبة لهوليوود.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها