الأحد 2024/06/16

آخر تحديث: 08:53 (بيروت)

الشرق الأوسط بعد (حرب) غزّة؛ التحدّيات والخيارات

الأحد 2024/06/16
الشرق الأوسط بعد (حرب) غزّة؛ التحدّيات والخيارات
كيف ستكون صورة منطقتنا بعد حرب غزّة؟
increase حجم الخط decrease
كيف ستكون صورة منطقتنا بعد حرب غزّة؟ هل ثمّة قدرة على شيء من استشراف؟ هل من الممكن الإمساك بعدد من الخيوط وضمّها بعضها إلى بعض بحيث تشكّل ما يشبه البوصلة؟   

شغلت هذه الأسئلة، على مدى يومين، نحو اثنين وعشرين خبيرةً وخبيراً التقوا في لارنكا من أعمال قبرص في حلقة تشاوريّة إقليميّة بعنوان «الشرق الأوسط بعد غزّة: التحدّيات والخيارات» (١٤-١٥ حزيران/يونيو) نظّمتها، على قاعدة التشارك والتساوي، مجموعة «نختار الحياة» و«ملتقى التأثير المدنيّ» (بيروت) وجامعة «دار الكلمة» (بيت لحم) ومركز «السبيل» المسكونيّ (القدس) و«أكاديميّة بغداد للعلوم الإنسانيّة» (بغداد). وقد حضر المشاركات والمشاركون من فلسطين ولبنان ومصر والعراق وقبرص.

كان لا بدّ، بادئ ذي بدء، من طرح السؤال عن النكبة في امتداداتها الراهنة. فقراءة الحاضر لا تستقيم من دون التبصّر في المعطى التاريخيّ. النكبة مستمرّة بمعنًى ما، لكون المشروع الاستعماريّ في فلسطين، بما ينطوي عليه من إبادة للإنسان وتدمير للثقافة وتسطيح للأرض، لم ينتهِ. لكنّ السياق المغاير والاختلاف في آليّات المواجهة يحتّمان علينا ألّا ننتبه إلى الاستمراريّة فحسب، بل إلى الانقطاع أيضاً. فالثبات الخرافيّ للإنسان الفلسطينيّ في أرضه بالرغم من القمع وما يتعرّض إليه من فنون الحرب يمثّل انقطاعاً ما عمّا هو مختزن في الذاكرة الجماعيّة عن النكبة بوصفها تهجيراً وتفريغاً للأرض من أهلها. 

السؤال الثاني الذي تصدّى له الحاضرات والحاضرون كان عن الدين والسياسة وتجلّياتهما في العدوان على غزّة. لا ريب في أنّ فكرة الدولة اليهوديّة على أرض فلسطين، وما يصاحبها من تدعيم عبر اللجوء إلى النصوص التوراتيّة، يشتمل على تسييس جليّ للحالة الدينيّة. في المقابل، فإنّ ظاهرة تديين السياسة حاضرة بقوّة في الإسلام السياسيّ الذي، يحاول، منذ عقود، أن يأخذ بناصية القضيّة الفلسطينيّة، ما يفضي، بقطع النظر عن النوايا، إلى تحويلها من قضيّة وطنيّة إلى قضيّة إسلاميّة. في هذا الصدد، شدّد المشاركات والمشاركون على الطابع الوطنيّ والأخلاقيّ للقضيّة الفلسطينيّة، وعلى ضرورة فكّ الارتباط بين الدين والسياسة في التعاطي معها والتكلّم عليها. 


المحور الثالث تناول مسألة القانون الدوليّ انطلاقاً من حرب غزّة، وما يكتنفها من مظاهر الازدواجيّة في المعايير. هنا، رصد المؤتمرات والمؤتمرون مؤشّرات تبدّل في المشهد المنحاز إلى إسرائيل يفصح عن ذاته لا عبر الديناميّة التي ظهرت في أروقة محكمة العدل الدوليّة والمحكمة الجنائيّة الدوليّة فحسب، بل أيضاً عبر نجاح الإنسان الفلسطينيّ في تفكيك السرديّة الإسرائيليّة التي تعتبر أنّ إسرائيل هي الضعيف (داود) الذي ينتصر على القويّ (جوليات). ومن ثمّ، تبدو فلسطين اليوم بوصلةً أخلاقيّةً وقضيّة ذات بعد عالميّ لا تقلّ أهمّيّةً، من حيث طاقتها السرديّة، عن الهولوكوست. 

في خطوة رابعة، تطارح الحاضرات والحاضرون دور المثقّف العربيّ في ضوء ما يجري في فلسطين. وقد خلصوا إلى أنّ تدبّر هذا الدور يستدعي إعادة تحديد لمفهوم الثقافة من حيث الترابط بين الأكاديميّ والقانونيّ والدولتيّ. وقد لفت بعضهم إلى عودة القوى الأكاديميّة إلى صنع الرأي العامّ من بوابة فلسطين، وذلك على الرغم من تعرّضها لحملة عنيفة على يد الإستبلشمنت السياسيّ. أمّا في ما يختصّ بالعلاقة بين دول الجنوب ودول الشمال، فقد تمّ التشديد على التكامل بين البشر الذين تجمعهم القيم الواحدة في الكتلتين، ولكن من دون التقليل من ثقل التاريخ الكولونياليّ المشين الذي كان لدول الشمال في جنوب الكرة الأرضيّة. 
خامساً وأخيراً، تباحث المشاركات والمشاركون في ضرورة إعادة تحديد مفهوم العروبة والطلوع بأفكار من خارج الصندوق في هذا المجال. خلفيّة هذا النقاش هي، أوّلاً، الدعوة في وثيقة «نختار الحياة: المسيحيّون في الشرق الأوسط نحو خيارات لاهوتيّة ومجتمعيّة وسياسيّة متجدّدة» (أيلول/سبتمبر ٢٠٢١) إلى تجديد مفهوم العروبة بحيث تصبح متنوّرةً بالحرَيّة وحاضنةً للتنوّع الإثنيّ والدينيّ، وثانياً مشروع «العوربة»، الذي طُرح في الآونة الأخيرة، بوصفه نموذجاً عربيّاً من العولمة يترجم التنوّع الفكريّ والثقافيّ، ويكون عابراً للقوميّات والإثنيّات. 
وقد اختتم المؤتمرات والمؤتمرون أعمال حلقتهم التشاوريّة بإصدار بيان ختاميّ.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها