الإثنين 2024/10/07

آخر تحديث: 14:36 (بيروت)

حدث في مثل هذا اليوم في غزة

الإثنين 2024/10/07
حدث في مثل هذا اليوم في غزة
لن يمحو تدمير غزة آثار الهزيمة
increase حجم الخط decrease
لم يكن السابع من اكتوبر قبل عام في غزة يوماً عادياً. كان يمكن أن يبدأ وينتهي نهار السبت، كبقية الأيام في ذلك السجن الكبير، وهي تتراح بين هدوء كاذب، ومناوشات متقطعة، بين الفصائل الفلسطينية والدبابات الإسرائيلية، التي تحرس الحدود. لن يتغير شيء في رتابة الروتين، ستبقى السماء صافية، تجوبها الطائرات المسيّرة، لتنقل تفاصيل الحياة في غزة إلى غرف المراقبة وراء الحدود. حتى البحر العصي على الحراسة، يمكنه أن يواصل معاندة الصيادين الفلسطينيين في نهاية الموسم، قبل أن تبدأ دورة التحول الخريفي، وتنكمش شباك الصيد على نفسها، بعد أن رحلت أسراب الأسماك نحو الأعماق الدافئة.

لم يكن في حساب أحد أن العالم يمكن أن يصحو على زلزال يضرب إسرائيل، فهذه المنطقة باتت خارج أخطار الزلازل منذ عدة عقود. لقد جرى تأمينها بوسائل مراقبة وأجهزة أمن وتجسس محلية وخارجية، تجعلها ترى الخطر قبل وقوعه، وتتعامل معه قبل أوان حصوله، وكل ما يمكن أن يستجد لن يتعدى هزات عابرة لا تستدعي قلق أحد. وفات الأجهزة المتخصصة، ومراكز دراسة المخاطر، أن تقرأ أحلام الفلسطينيين، وتأخذها على محمل الجد، أن تتوقع احتمال حصول مفاجأة، تأتي من داخل القطاع المحاصر من الجهات كافة.

المفاجأة والصدمة، تشكلان نقطة البداية في أي مواجهة، وتحددان الاتجاهات التي تأخذها الأحداث، ولهما الحصة الأكبر من الآثار النفسية، التي لا تتغير أو تزول، حتى لو سارت الرياح في اتجاه معاكس. وفي ذلك الصباح حققت الهجمات الفلسطينية على فرقة غزة العسكرية، ما هو أبعد من ذلك، حيث بلغت الصدمة الوعي الباطن الاسرائيلي، واستقرت داخله بقوة. وبعد عام من حرب الإبادة، لا يبدو أن شفاء الوعي الاسرائيلي من الكابوس الفلسطيني ممكن، حتى لو تم تدمير غزة بالكامل، وقتل عشرات الآلاف من أهلها.

 بدت ضربة البداية كأنها تكتفي بذاتها، رغم أن هذا المنطق غير مقبول في حسابات إدارة الحرب، وقراءة احتمالات رد فعل الخصم، والتي ترتب على الطرف الذي حدد ساعة الصفر أن يتوقع أسوأ السيناريوهات. ويكشف الإفراط الاسرائيلي باستخدام القوة، شعوراً عالياً بالانتقام، والتعويض عن الفشل. وتهدف كل محاولات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من تغيير الوضع في غزة كلياً، إلى أن يشطب أي احتمال من القطاع، مهما كان ضئيلاً. يريد أن يلغي الخوف لدى مستوطني غلاف غزة، ولذا بالغ كي يشيع شعوراً بالأمان، الذي يمكنه أن يمسح آثار صدمة اكتوبر، ومن دون ذلك لن تحقق الحرب هدفها البعيد، وستبقى غزة تثير الرعب، ليس بين المستوطنين فقط. بل في مستوى كل من راهن على ترميم صورة اسرائيل التي تهشمت في ذلك اليوم، الذي علّق عليه الخبراء أكثر من إشارة استفهام، عندما شبههه استراتيجيون اسرائيليون بالحادي عشر من سبمتبر 2001 في نيويورك، الذي قلب صفحة قديمة، وفتح واحدة جديدة، أخذت العالم إلى سلسلة من الحروب والتحولات، وخاصة في الشرق الأوسط، وما نشهده اليوم من عدوان اسرائيلي على لبنان، هو الفصل الثاني من حرب غزة، خاصة لجهة تعويض الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية المباشرة.

ومهما يكن من أمر، لن يمحو تدمير غزة آثار الهزيمة، التي تلقتها اسرائيل في ذلك اليوم، بحيث يبدو في ميزان حسابات التاريخ شبيهاً، بما حصل في السادس من اكتوبر عام 1973، عندما هاجمت مصر وسوريا اسرائيل. ورغم أنها استعادت المبادرة الميدانية بعد أقل من اسبوع حتى أنها هددت دمشق في العاشر من اكتوبر، وحاصرت الجيشين المصري الثاني والثالث في الخامس عشر من اكتوبر، فإن النتائج النفسية والسياسية استمرت لوقت طويل. ولن تكون تداعيات عملية السابع من اكتوبر في غلاف غزة أقل من ذلك، وعندما تصمت آلة الحرب، ستبدأ ساعة الحساب. ومن البديهي أن يتم التركيز على التحقيق في أسباب الفشل الأمني، والمسؤولية عن ذلك، ولكنها لن تقف عند هذا الحد، لأن الجرح الإسرائيلي أعمق.

ليست غزة وحدها التي تغيرت كلياً بعد السابع من اكتوبر، بل منطقة الشرق الأوسط ككل. انتهت مرحلة، وأخرى قيد الولادة، ومن جديد يتردد في العالم، أن الحرب تبدأ من فلسطين، والسلام أيضاً. وما عدا ذلك مؤقت وهش حتى لو دام طويلاً. ستبقى المعادلة عرجاء، وبين حين وآخر سيحلم الفلسطيني بأن يصحهها، ويجعلها مستقيمة، ولن ييأس حتى يتحقق له ذلك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها