الإثنين 2024/10/21

آخر تحديث: 12:37 (بيروت)

لبنان بين حربين

الإثنين 2024/10/21
لبنان بين حربين
الغارة على "القرض الحسن" في الشياح - الضاحية الجنوبية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
ما بين حرب إسرائيل على لبنان عام 2006، وتلك التي تدور حالياً، ثمة متغيرات كثيرة عرفها هذا البلد ومحيطه الاقليمي. ثمة عوامل عديدة تهيمن على المشهد الراهن، الذي يبدو بعيداً كلياً من نظيره قبل 18 عاماً. يمكن ملاحظة الاختلافات في تفاصيل الوضع الداخلي، والموقفين العربي والدولي، بالإضافة إلى حال إيران كطرف أساسي في المعادلة، كان يلعب بالوكالة، وصار في وسط الحلبة يتلقى الضربات ويردها.

من دون أدنى شك لا يعمل لصالح لبنان، أي من التطورات التي شهدها داخلياً، أو على مستوى محيطه الاقليمي والظروف الدولية. كل ما جرى بخصوص حرب تموز 2006 يختلف، لجهة سببها، والأسلوب الذي دارت به، والحصيلة التي انتهت إليها والقرار الأممي 1701، الذي أدى إلى وقفها، وميزان القوى والتوافقات التي قادت للتوصل إليه، وأملت على الأطراف المعنية القبول به واحترامه، طيلة كل هذا الوقت.

رغم أن حرب عام 2006 لم تكن نزهة سريعة، وذات طابع تدميري، وأدت إلى تهجير مئات الآلاف من سكان جنوب لبنان، لكنها لا ترقى إلى مستوى الحرب الحالية، من حيث درجات العنف الإسرائيلي، والأهداف البعيدة المترتبة عليه. وتفيد جردة خسائر حزب الله حتى الآن، أن ما تعرض له يفوق بكثير حرب 2006، على مستوى القيادة والأفراد والحاضنة الشعبية وجمهور المؤيدين والمتعاطفين.

من الواضح أن حزب الله استعد عسكرياً للحرب مع اسرائيل، لكن سقف أعلى حساباته لها، لم يتصور السيناريو الذي سارت وفقه حتى الآن، وكانت المفاجأة عاملاً حاسماً في تلقيه مجموعة من الضربات، أفقدته التوازن والقدرة على الرد المباشر، مما أعطى إسرائيل السبق في الميدان. وهنا يمكن الإشارة إلى مسألة مهمة في هذه الحرب وهي، أن تقدير الموقف لوضع اسرائيل لم يكن مطابقاً، أو قريباً لما ظهرت عليه، وتبين أنه لم يخضع للتحديث منذ عدة أعوام، عدا عن أنه قائم على حساب موازين القوى على نحو كلاسيكي جامد، ولم يأخذ في عين الاعتبار الكثير من العوامل، ومنها الاختراق الأمني الكبير، الذي يبدو أنه استفاد بصورة أساسية من التطورات التكنولوجية، وخاصة السيبرانية، التي تعد إسرائيل في طليعة الدول التي تمتلكها، وتستخدمها بصورة فعالة.

الخسارة في الجسم القيادي الأول والثاني والثالث التي تكبدها حزب الله، ليست هي ورقة الضعف الوحيدة في الحرب، بل هناك العديد من العوامل المهمة، التي تلعب لغير صالحه. الأول هو هشاشة الوضع الداخلي اللبناني، الذي لا يمتلك مقومات صمود طويلة الأجل، بسبب تهالك البنى التحتية غير القادرة على تلبية احتياجات الأعداد الكبيرة من النازحين، الذين تتزايد في كل يوم، وهم يشكلون ضغطاً كبيراً على الحزب والدولة اللبانية، هذا بالإضافة إلى عدم الإجماع السياسي الداخلي من حول الحرب، وقد بدأت بعض القوى السياسية بالتحرك من أجل التعبير عن ذلك. ويبدو أن ركون حزب الله إلى قوته العسكرية، وثقته الزائد بقدراته، لم يسمحا له بإدراك أهمية الوضع الداخلي.

العامل الثاني هو غياب سوريا عن المواجهة، وقد كان لها دور حاسم في صمود حزب الله في حرب 2006، لأنها شكلت جبهة إسناد عسكري ولوجستي فعلية طيلة الحرب، وأرض استقبال مفتوحة برحابة أمام المدنيين اللبنانيين الفارين من الحرب، وخاصة حاضنة حزب الله. ويبدو الموقف اليوم مختلفاً، فالنظام السوري خارج معادلة "محور المقاومة"، وتتلقى مخازن أسلحة حزب الله وقياداته ضربات متواصلة على الأراضي السورية، كما تعمل إسرائيل على قطع الطريق أمام النازحين، لتشكل بذلك ضغطاً على الحزب والحكومة اللبنانية.

العامل الثالث هو الموقف الدولي، وعلى عكس ما كان عليه في 2006، ليس هناك اليوم تحرك دولي وازن من أجل وقف الحرب، في الوقت الذي تعلو في العواصم الغربية نغمة "حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها". وعلى هذا ليس هناك مؤشرات بارزة في الأفق للضغط على اسرائيل من أجل وقف إطلاق للنار، والوصول إلى تسوية يحافظ فيها الحزب على نفسه، وتتجنب فيها الدولة اللبنانية إملاءات تتعلق بالسيادة. وما يعزز من ذلك، الربط بين حزب الله وإيران، وهذه مسألة تصب في صالح إسرائيل، لأنه يجري اخراجها على نحو أن حزب الله عبارة عن أداة في يد إيران، التي تهدد بزوال إسرائيل، وعلى هذا يتم تسويق حرب اسرائيل على أنها دفاعية.

فوق كل ذلك، هناك عامل الزمن، فكل الحروب السابقة التي تعرض لها لبنان من قبل اسرائيل كانت سريعة نسبياً، ولم يتجاوز أطولها 80 يوماً كما هو حال حرب 1982، و33 يوماً في حرب 2006، وجميعها آلت إلى تسويات انسحبت بموجبها القوات الاسرائيلية من لبنان. وحسب التقديرات فإن الحرب الحالية مرشحة لأن تكون طويلة على غرار تلك التي تشنها اسرائيل على غزة منذ أكثر من عام، ومن غير الواضح المآلات التي ستنتهي إليها. وترجح التقديرات أن الميدان هو أبرز العوامل فيها، لكن الدعم الأميركي بلا حدود وشروط لإسرائيل، يقلل من أهمية هذا العامل كلما مر الوقت، كما حصل في غزة، حيث لم تثن الخسائر حكومة نتنياهو عن مواصلة الحرب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها