ثمة رأي عام مفاده أن العالم لم يتحرك كفاية من أجل وقف حرب إسرائيل على غزة، وتركها تتصرف من دون ضوابط، مثل التزام قوانين الحرب لجهة احترام المدنيين. لا أحد يصدّق بأن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لا يستمع للولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا ومصر والسعودية، وبلغ من القوة والجبروت حداً بأن يتحدى هذه الدول التي تشكل الثقل الدولي، إذا ضغطت عليه كي يوقف حرب الإبادة ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
لكل من الدول أعلاه قدرة للتأثير على اسرائيل بشكل ما، ولديها من الوسائل التي تجعل رئيس وزرائها يتوقف عن سياسة إبادة البشر الأبرياء منذ أكثر من عام. مهما بلغ نتنياهو من تعنت، هناك قوة قانونية تمنعه من تدمير البيوت وتشريد السكان، ومنع وصول المساعدات الغذائية والأدوية إليهم. لو أرادت هذه الدول مجتمعة أو فرادى أن توقف نتنياهو عند حد، لكان لها ذلك. ليس مطلوبا منها أن تفرض عليه قوانين جديدة، بل أن تلزمه بمراعاة ما هو متعارف عليه بأن كل مدني خط أحمر، سواء كان بشر أم حجر، المدنيون من نساء وأطفال ومستشفيات ومدارس وجامعات ودور عبادة ووسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية الدولية.
إلى يومنا هذا لم تتخذ واحدة من هذه الدول المؤثرة موقفاً يرقى للمأساة الإنسانية الدائرة على الهواء منذ أكثر من عام. كلها مارست الصمت بطرق مختلفة عن ذرائع رئيس الوزراء الإسرائيلي لشن حرب مفتوحة على غزة، عملاً بحق الرد على هجمات السابع من اكتوبر واستعادة الرهائن الإسرائيليين الذين احتجزتهم الفصائل. برر له الجميع ذلك، من دون أن يتدخل أحد لتعريف حق الرد، ومداه الزمني، وسقفه الأعلى في استخدام القوة، وعدد الضحايا.
ولذلك خاض حربه بارتياح شديد منذ اليوم الأول، ولا يزال، وتبين أن المهلة التي حددتها الولايات المتحدة عدة مرات كتاريخ نهائي لوقف الحرب، كانت بلا قيمة، وشكلاً من المناشدة التي تخلي المسؤولية، لأنها ليست مرتبطة بضغط فعلي، إلى حد أن الرئيس جو بايدن عرّض نفسه للسخرية مرتين في 27 أيار الماضي، مرة حين تحدث بلسان نتنياهو عن اتفاق لوقف النار، ومرة حين تراجع الأخير عن الاتفاق، بعد أن ورط الرئيس الأميركي بالظهور أمام وسائل الإعلام ليعلن عنه رسمياً، وهذا أمر لا يليق بمكانة الولايات المتحدة، ولم يسبق لها أن قبلت على نفسها هذه الإهانة.
تتدرج مواقف هذه الدول بين المؤيد للحرب كما هي الولايات المتحدة، التي تمد إسرائيل بالسلاح، والمساعدات الاقتصادية، وبين الصامت الذي لا يريد إزعاج اسرائيل مثل روسيا والصين، اللتان تكتفيان بتسجيل مواقف ليس ذات قيمة في مجلس الأمن والجمعية العامة، في حين أنه بوسعهما أن يتحركا على الصعيد الدولي من أجل وضع حد للحرب، وفرض تسوية بضمانة دولية، تكونان شريكتان فاعلتان فيها، ولكن على مدار عام من الحرب لم تسجلا موقفا واحداً، تاركتين للولايات المتحدة أن تشرف على الملعب الدولي، الأمر الذي أخلّ بالتوازن، وأمال الكفة، وفي خانة التأرجح تدخل فرنسا وبريطانيا، الدولتان الأساسيتان في كل ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، وصاحبتا المسؤولية التاريخية عما لحق بالشعب الفلسطيني، وإنشاء دولة إسرائيل.
المستوى الآخر من المواقف يشمل الدول العربية، وفي الطليعة، تأتي الشقيقة الكبرى مصر، التي تتصرف من موقع الوسيط حتى الآن، ولم يصدر عنها أي رد فعل يترتب على دورها العربي ومسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني، وما يمليه عليها الاجتياح الاسرائيلي لقطاع غزة، ووصول الجيش الاسرائيلي الى حدودها في خرق صريح لاتفاقات كامب ديفيد، وتجاوزاً على أمنها القومي. والدولة العربية الثانية المعنية بالمسألة هي السعودية التي تتصرف حتى الآن كأنها من خارج هذه المنطقة، وتكتفي بحد أدنى من أداء الواجب، وتقوم بتحركات خجولة ليست على مستوى قدرتها على الفعل، ووزنها في معادلة الشرق الأوسط، ولا تنسجم مع دورها التاريخي في هذا الملف، حيث سبق أن ساهمت بطرح مشاريع ومبادرات لحل القضية الفلسطينية، وآخرها تلك التي تبناها مؤتمر القمة العربي في بيروت عام 2000. وأقل ما يقال اليوم أن ردود فعلها على حرب الإبادة في غزة، لا ترقى إلى المواقف التي سبق أن اتخذتها في ظروف مشابهة، كما حصل في استخدام سلاح البترول من قبل الملك فيصل بن عبد العزيز لمساندة مصر وسوريا أثناء حرب تشرين 1973، والضغط الذي مارسه الملك خالد بن عبد العزيز على الولايات المتحدة، خلال حرب اسرائيل على منظمة التحرير الفلسطينية العام 1982.
دعم نتنياهو في الحرب على غزة من قبل واشنطن، وعدم التحرك جدياً ضد جرائمه من قبل روسيا والصين، والتردد الفرنسي البريطاني، والخوف المصري، والتهاون السعودي، كلها مواقف تصب بدرجات مختلفة في استمرار حرب الإبادة في غزة، وما لم يحصل تحرك دولي من أجل وقفها، وانسحاب اسرائيل من القطاع، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، فإن المنطقة لن تعرف الاستقرار، وسيسجل التاريخ إن جريمة الإبادة حصلت، ولم يتحرك أحد لوقفها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها