ويحمّل لوباسكور الفرنسيّين أولاً مسؤولية فشل الإندماج لأنّ الدور الأساسيّ يقع على عاتق البلد المضيف. فكيف يمكن الاندماج في بلدٍ لم يعد موجوداً؟ "فنحن من كانت عليه مسؤولية إبقائه حيّاً فتركناه يضمحل، وليس الأقليّات المتحدّرة من الهجرة". وكيف يمكن الاندماج في مجتمع هو أصلاً متفكّك، وكلّ مكوّناته السياسيّة والشعبية والاجتماعيّة والدينيّة تتبادل الازدراء والكراهيّة متخلّيةً عن أدوارها، حتى بات الفرنسيّ الأصل يرى نفسه غريباً فيه؟
كما لا ينجح الدمج بالتقديمات وتوفير المساكن (على ما في ذلك من حسن نية) إزاء عدم الاعتراف بالجميل ولا الإلتزام بأي واجب من جانب المستفيدين، وإزاء الإحساس بالذنب والإغراق في الاعتذارات عند أي تقصير أو تأخُّر. فذلك كلّه يشجّع المهاجر الجديد على الإلحاح في المطالبة بحقوقه أولاً من دون أن يفكّر في ما يقدمّه... وتتحوّل العلاقة مع الوقت إلى نوع من الاستياء الانتقاميّ.
فلكي يحب المهاجر، البلدَ المضيف، موطنَه الجديد، ويفرض مكاناً له فيه، يجب أن يتعب فيه ومن أجله. ويمرّ مسار الاندماج حكماً، كما حدث دوماً، بالمعاناة وبعدم الثقة المتبادّل ثمّ بالاحترام المتبادَل وأخيراً بالمحبّة (وإن أثارت هذه الكلمة الأخيرة ابتسامة سخرية عند البعض). أما مبدأ "الحقوق أوّلاً" فقد أحلّ الإذلال المتبادل مكان المسار المذكور، ذلّ المتلقّي الذي يأخذ من كيان لا يوحي بالثقة، وذلّ الواهب لأنّه يعطي تحت الضغط إن لم نقل التهديد. ويبقى هناك، في فرنسا، في عالم الصحافة والبورجوازيّة من يستثمر في هذا الإذلال ويعمل على إذكائه.
ربّ قائل بأنّ المهاجرين الجدد يكرهون بالوراثة فرنسا بسبب تاريخها الاستعماري. لكن ألم تكن هناك دول مستعمِرة غيرها؟ فالحقيقة أنّ فرنسا مكروهة أكثر من غيرها من المستعمرين لأنها لم ترتقِ إلى مستوى الصورة التي كوّنتها عن نفسها، كما وأنّها، في جانبٍ منها، لم تُرِد التخلّي عنها كلّياً، وهذا ما جعلها (بالرغم من فشلها في مقاومة نزعة العولمة) موضع كره النخب المعولمة، والنخب الفرنسيّة المتعولِمة، وكذلك المقتلَعين الذين أحلّوا الاستهلاك محل الجذور.
إنه كره الحمقى تجاه مَنْ لا يسمح بأن يُبتلع بسهولة ولا ينساق لجو الحماقة المحيط به. ويعبّر الكاتب عن ألمه إذ يلاحظ هذه الكراهية خصوصاً بين العرب، التقدّميين منهم على الأخصّ لأنّ فرنسا لا تريد أن تتحوّل إلى أميركا التي هم أنفسهم يخشعون أمامها بعكس ما يدّعون، أو الإسلاميّين منهم الذي يريدون استغلال الاستهلاك في مجال "الهوية الإسلاميّة".
في الوقت نفسه، تخشى الشعوب الأوروبّية أن تخسر ما تبقّى لها من أوروبا، وهي ترى أنّ حياتها جيّدة ومميّزة بما تبقى لها من قديمها وبالمقارنة مع سائر الشعوب التي لا يهمها أن تنقذها. وقد يقال إن أوروبا تستأهل ذلك بسبب تاريخها الاستعماري إذ قوّضت الاستعمارات الكثير من البلدان، وبعد الاستقلالات حكم هذه الدول حكّام مستعمِرون من الداخل فلم تتحسَّن أوضاعها... فها إن أوروبا إذن تدفع الثمن إذ تدفّق عليها "المقتلَعون الذين يقتلِعون". لكن، إن تكن قد أخطأت تاريخيّاً، فهل يمكن أن تتقبَّل مرتاحةً هذا العقاب؟
الإرهاب كراهيّة وسخط، تدمير وتدمير الذات
ثمّ جاء الإرهاب... الذي بات من الضروري أن نتكلّم عنه. قد لا يكون الإرهاب مؤذياً بشريّاً ومادّياً أكثر من الكوارث الطبيعية أو حوادث القطارات أو الطيران. لكن أذاه يتمثّل في صَعْقه المخيِّلة إذ يكشف عن حجم الكراهية والسخط وعن الرغبة في التدمير وتدمير الذات. وهو بذلك يكشف الحقيقة المسكوت عنها في العالم، أي كونه الدلالة على تفكّك المجتمع.
والمهمّ في هذه الناحية هو إشارة الكاتب وتأكيده أنّ الإرهابيّين يأتون من المجتمع الفرنسيّ وليس من مكان آخر، من عند العرب أو الأفغان مثلاً، أي ليس من مجتمعات شرقية هم غرباء عنها تماماً، ولا حتى من ديانة هم في الحقيقة يجهلونها كلّياً. هذا الخطر الحقيقيّ المحلّيّ الداخليّ الذي لا يمكن هضمه يجعل أصحاب الشأن يحرفون الأنظار إلى أخطار أخرى قابلة للهضم مثل الخطر الشرقيّ أو الإسلاميّ.
بين الأصول والمدرسة والعَيْلة والمجتمع كما هو!
يلحظ لوباسكور أنّ بعض الجهاديّين هم من أصول فرنسيّة "أباً عن جد"، لكن معظمهم من المهاجرين الجدد، فلماذا؟ ليس لأنّهم متعلّقون بحضارة آبائهم غير المتلائمة مع مبادئ الجمهورية، بل لأنّهم لم يرثوا شيئاً من حضارة أسلافهم، وهو ما يمكن تحصيله في أجواء العائلة، ذات الدور الأساسيّ، إذا فاتهم ذلك في المدرسة التي تخلّت عن دورها.
ويلفت إلى أن خطّ الدفاع الثاني بجانب المدرسة هو العالَم كما هو، العالم الحقيقيّ الواقعيّ، حيث آثار الماضي وسلوكيّاته ما تزال مُعتَمَدة في كلّ مكانٍ منه. ما زال الفرنسيّون مثلاً يتحلّون بالمناعة ضد المفاهيم الجنسيّة الجديدة. والحال أنّ أبناء الهجرة لم تتيسَّر لهم الحماية بواسطة ما تبقّى لهم من مجتمعهم القديم، ولم يتمكّن أهاليهم غير المؤهّلين ربما من تحصينهم بنموذج آخر. وفي الواقع عندما نجح الأهل في ذلك تحوّل أولادهم "فرنسيّين" تماماً واحتلّوا موقعهم في مجتمعٍ اغتنى بهم.
ومن أسباب نجاح بعض المهاجرين في التحوّل أو الانتقال هو مستوى الوضع الاجتماعي والحالة الانتروبولوجيّة. فالذين يأتون من الطبقة الوسطى مثلاً قابلون للإندماج أكثر من أبناء الطبقات العاملة الدنيا المغربية: فأي ولدٍ يريد أن يتمثّل بأبيه الذي عاش الذلّ. ومن ناحية أخرى فإنّ الإناث المغربيات أكثر قابلية للاندماج من الذكور المغربيّين لأسباب انتروبولوجيّة تعود إلى العلاقة مع الأب.
ثمّ إنّ أبناء الهجرة الأكثر اقتلاعاً من جذورهم هم الأقل انقياداً، إلا من بقي لهم بعض المعايير والأصول التي يستندون عليها. فإن كان أسلاف الواحد منهم مسلمين وهو يؤمن بأنه ما زال مسلماً، قد تكون له صورة معيّنة يمكن أن يلتفت إليها، صورة مقبولة أكثر طالما الإسلام الحديث بات وجهاً مختلفاً ومشوّهاً من وجوه الحداثة الاستهلاكيّة. وعندما يكون المتحدّر من الهجرة الحديثة هو كلّياً ابن المجتمع الاستهلاكي وليس عنده أي مورد فكريّ أو أخلاقيّ يعود به إلى الوراء، فكيف يمكنه مجابهة المجتمع الاستهلاكي؟ باعتناق النزعة الإسلاميّة المنحرفة، أي باعتماد نزعة استهلاكية في وجه نزعة استهلاكيّة أخرى، ساعياً بذلك إلى التميّز والبروز.
واستدراكاً، يلفت لوباسكور إلى أنّ الديانة الإسلاميّة الحديثة ليست الوحيدة التي وقعت ضحيّة السوق أو انقادت لها، بل هناك أمثلة كثيرة عن ديانات، هندية مثلاً، نشأت في البيئة الأميركيّة الاستهلاكية وتقصَّدت السير في هذا الطريق. لكن الإسلامويّة هي التي تحتكر اليوم هذه المعارضة في الصفوف الأماميّة ولذلك تجتذب الشبّاب من أبناء الهجرة أو من الأصول الفرنسيّة.
صراع الجِوار
إن العالمين الإسلاميّ والأوروبيّ ينزعان إلى التصادم منذ ثلاثة عشر قرناً، وذلك بسبب تجاورهما جغرافيّاً، وعلى الأخص بسبب تقاربهما في المفاهيم. جاران متشابهان تماماً ولا يريد أحدهما أن "يكون الآخر"، اي أن ينصهر فيه تماماً كما أراد المستعمِرون من الطرفين وكلّ في زمنه. إنّه عداء الأخوة كما قايين وهابيل.
ويضيف الكاتب معترفاً بأن الإسلام هو الأكثر تشدداً وثباتاً بين الديانات التوحيدية في الدفاع عن قناعاته والدعوة إليه، تبعاً للآية الداعية إلى "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". ولذلك يبدو الإسلام ملاذاً لليائسين من هذا العالم، فيقعون في خطأ الاعتقاد بإمكانية إحياء ما لم يعد له وجود، والأسوأ أنهم في عجزهم عن الالتحاق بأي عقيدة دينيّة يخلعون على الإسلام نزعتهم الاستهلاكية الخاصّة، إمّا عبر الشكليّات والرموز الخارجيّة (على غرار السلفيّين)، وإما عبر أفيون جديد انتحاري هو "الإرهاب الإسلاميّ".
هكذا يمكن تفسير ظاهرة ليس فيها من الإسلام شيء، لكنها تغري أحفاد المهاجرين المسلمين (لا ينفي الكاتب دور المحرّكات الخارجيّة)، مع أنّ هؤلاء الأهل، بما ورثوه من صورة القوة، يقفون في وجه هذه الحالة الشاذّة حالياً. فلا غرابة أن هؤلاء المقتلَعين الذين تحولوا إرهابيين قد اختاروا كـ"ماركة" لهم راية الإسلام مع أنّ ما يدرجونه تحتها لا يمتّ بأي صلة إلى الثقافة الإسلاميّة.
ولماذا الحديث عن الإرهاب في معرِض الحديث عن الهجرة؟ لأنّ الهجرة، وإن لم تكن عاملاً أساسيّاً لنشوء الإرهاب، هي عنصر مساعد على مفاقمته. كما وليس المهاجرون هم الذين جعلوا فرنسا تتخلّى عن مبادئها ودورها، ولا هم دفعوها إلى أوحال النزعة الاستهلاكيّة، لكن المهاجر الذي لم يرث أي شيء من أي حضارة حيّة، وليس له أي قدرة دفاعية، هو تجسيد لهذا الوضع. والسياسيّون وناخبوهم هم الذين يتحمّلون مسؤولية التغيّر وتشويه صورة فرنسا. فالفرنسيّون، ولأسباب لا تتعلّق بالمهاجرين، قد يتقاتلون ويتناحرون في ما بينهم، لكن الخطر هو في سهولة تجنيد هؤلاء المهاجرين بسبب يأسهم وإحباطهم.
خلوّ الساحة للمحبَطين... طليعة المحاربين!
يعترف الكاتب بوجود المشاكل في فرنسا، ويقول بحتمية وقوع الحرب الأهليّة فيها، لكن ليس بالشكل الذي يتوقّعه كثيرون. لن تكون بين مليشيات تتناحر، ضمن حدود مرسومة وخطوط تماس، إنما ستكون المرحلة القصوى من الحالة الاستهلاكية، والطور الغاضب منها.
فما سيحدث هو أن الأوّلين (من مهاجرين ومن فرنسيّي الأصل) سيرحلون تباعاً عن هذا العالم ليبقى أولادهم وأحفادهم المحبطون ما بين الحقد والكراهية، للأسباب المذكورة آنفاً، والذين قد يتحوّلون طليعة المحاربين. ستكون حرب الكلّ ضدّ الكلّ لا تحرُّج فيها من الوسائل ولا من الهواجس، مع التباهي بالتفاني المزيّف، عبر منوعات من الشعارات الاستهلاكيّة المزيّفة في الدين والوطنيّة وما يشبهها ممّا لا يمكننا تصوّره بوضوح بعد، لأنّ التاريخ قد يفاجئنا.
"قد ندخل هذه الحرب من دون انتباه، وربما دخلناها أساساً. هل يبدو هذا قاتماً؟ حمداً لله لست عالماً بالمستقبل، لكن قد لا أكون كليّاً على خطأ".
آفاق الحلّ البعيدة
لكي لا تبقى الآفاق مسدودة، يتصوّر لوباسكور حلاً مبنيّاً على آرائه كما على آراء مفكّرين كبار من قبله. فيرى أنّه يجب إعادة العمل بالنظام التعليميّ من أجل استعادة مدرسةٍ، لا تعيد التأسيس للهدم، بل تنقل المعرفة وتعلم التواضع في تحصيل المعرفة. مدرسة لا تعلمّ الثقة العمياء والجوفاء بالنفس، بل تجعل الطالب يعي أنّه لا يعرف كل شيء وأن أمامه الكثير ليتعلمه قبل أن يُطلق الأحكام. تُعَلِّم إتقان اللغة والتأنّي في التفكير قبل النطق بأي شيء، على مبدأ "الرجل العاقل والحرّ". وكذلك يجب الحدّ، كما دعت سيمون فايل، من حريّات الخطابات الدعائيّة (والسياسيّة أيضا لأنها مثلها) لمنع تلاعباتها الخبيثة المتلاحقة.
كما أنه يدعو (متمثّلاً فينلون Fénelon وسان سيمون Saint-Simon) إلى الحد من نفوذ رجال المال الرأسماليّين. وبالإجمال يجب إعادة بناء كلّ شيء، وعندها لن تبقى مسألة الهجرة "قضيةً" إذا ما خضعت لرقابة معقولة ضمن ضوابط محدّدة، وهكذا سيجد المهاجرون حيّزا لهم في هذا البلد المولود من جديد.
لكن ليس هذا كلّه سهلاً، ليس بسبب تضرّر مصالح النافذين، بل لأنّ أحداً لا يريد ذلك، بدءاً من النظام المدرسيّ. فأي أهل، اليوم، سيقبلون بأن ينال أولادهم علامات سيّئة بسبب جهلهم، وأن يتلقّوا القصاص اللازم، أو أن يُطلَب منهم بحزم السكوت والتعلّم والتفكير بصمت؟ أليس على المدرسة الحديثة أن تحترم "حقّ" الفرد (وبالتالي تركه يتمرَغ في الغباء)، وعليها أن توزّع الحقوق كيفما كان وخصوصاً "حقّ النجاح"؟
وهذا ما ينسحب على سائر المجالات، فمن سيعيش من دون التلفزيون ودوره الدعائيّ والترويجيّ، ومن دون المشتريات المرغوبة ومن دون التعبير ونشر التعليقات السخيفة بلا تفكير في الحقوق؟ كيف الاستغناء عن الاستهلاك وقد بات بديل الحياة؟
هذا ما يؤكّد الحاجة إلى ثورة داخليّة فعلية غير محصورة في البعض بل عامة شاملة، تمثّلاً بالآية القرآنيّة: "إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم". وما لم يتحقّق ذلك من العبث التحرّك. وهو لن يتحقّق قبل بلوغ المسار الحالي نهاياته، وما نزال بعيدين عن هذه النهاية... ولا بدّ من توقّع الأسوأ.
ليس بإمكاننا سوى التحضير لما بعد، من دون أن تُغرّنا الآمال، فالتغييرات الخارجية لن تفيد بشيء (نتائج انتخابات مثلاً)، بل المفروض التحلّي بـ"الرجاء" الذي يعني الثقة الراسخة في يقظة الطبيعة الانسانيّة عندما يحين الأوان.
إن لوجود الشخص الذي لا يجاري هذه الأوضاع القائمة ويرى ويفكّر بطريقة مختلفة أثره، وبفضله سيتبقى شيء من زمن ما قبل قيام هذا العالم المتوحّش.
إن الماضي الذي مات لن يحيا مجدّداً، وما ينبعث منه هو ما لم يمت كلّياً، بل بقي كامناً في الأعماق في حالة خدر، ومن الضروريّ إبقائه حيّاً لكي نتولّى نقل وإيصال ما لا بدّ أن يستيقظ منه يوماً ما.
خلاصة
لا يخفي لوباسكور أنّ ما جاء به في كتابه هذا لا يخضع لمنهجيّة علميّة دقيقة، بل هو نتيجة انطباعات وملاحظات وليدة المعايشة والمراقبة. لكنّه تناول موضوعاته بالكثير من الدقة وعبّر عن آرائه بمنتهى الجرأة والصدق والصراحة، وإن ظلّت هذه الآراء محصورة إلى حدٍّ كبير في وجه واحد من وجوه الأزمة، أعني علاقة الغربيّين والشرقيّين على حدٍّ سواء بحضارتَيْهم، وتأثير انسلاخهم عنها في مجرى حياتهم ومواقفهم وسلوكيّاتهم بفعل سياسة العولمة وطغيان اقتصاد السوق الاستهلاكي. ومن هنا تبدو بعض آرائه قابلة للنقاش. فمع أنّه ألمح إلى مبدأ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في معرض حديثه عن صدق المسلم وتمسّكه بمبادئه وعمله على حمايتها وتطبيقها، إلا أنّه أهمل ذِكر احتمالات وجود تخطيط خارجيّ وسياسة ممنهجة لنشر الإسلام مثلاً انطلاقاً من هذا المبدأ، حتى وإن تكن الأشكال الاستهلاكيّة وسيلة تحريض أو تشجيع أو إغراء. وربما كان يجدر به العودة قليلاً إلى ما ذكَره في القسم الأول حول ضرورة النظر في الأمور من الناحية الوراثية التي تتحكم أحياناً بتصرف الأفراد والجماعات.
وإن يكن لوباسكور مثالياً طوباويّاً إلى حدٍّ ما في الحلّ النهائي الذي طرحه، وهو انتظار يقظة الضمير الإنساني الكامن عندما يحين الأوان، لا أخال أنّه فاته أنّ التغيُّرات الجيّدة الكبرى تحدث بعد الأحداث الكبرى. ألم تكن هذه نتيجة الثورة الفرنسيّة وما ثبّتته من مبادئ في الحضارة الفرنسيّة؟ ألم تغيّر الحربان العالميّتان الكثير من المفاهيم في الفكر والسياسات الأوروبيّة على الأخصّ؟ أوليس هذا ما يخشى هو نفسه زواله؟
ومع ذلك، هو في غمرة تشاؤمه، يترك لنا بصيص أملٍ في نهاية المطاف، وعلى "رجاء" أن يكون ذلك قريباً وليس بعيداً كما يتوقّع!
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها