الانفجار كان مع ثورة 25 يناير. "كايروكي" اقتنصوا اللحظة، مُستغلين تلك الطاقة السائلة في الميادين والشوارع ليمنحوا مشروعهم دفعة إلى الأعلى أو للشمال كما يفضلون التوجه غالباً.
قواعد عالم الموسيقى المصرية تهتز وتتداعى في 2011 ونجوم الصف الأول يُلفَظون بسبب مواقفهم السياسية، بينما فريق "كايروكي" يتقدم إلى الأمام. بسبب وضوح الكلمات ومباشرتها وذلك الفخر بخطابية الأغاني واقترابها من صياح الهتافات والشعارات، أصبح الوجه الجديد لموسيقى الشباب، في حين كانت تشع شمس ثورة الشباب.
سمح مناخ ما بعد 25 يناير بتنحي نجوم الموسيقى التجارية من صدارة المشهد، لتظهر مع "كايروكي" عشرات الفرق والمغنين. موسيقى جديدة فرضت نفسها، تنوعت من موجة موسيقى المهرجانات الهادرة، وحتى الراب والهيب هوب العربي، وفرق الروك، ومهرجان سنوي للجاز في المدينة ومسارح وحفلات في القاهرة والمحافظات.
سارعت شركات الدعاية لاستغلال النجوم الصاعدين في تحويل الدفة من الغناء للحرية والثورة والراجل "اللي عمل بيبي على السور"، إلى دفة أخرى تحول الحالة الثورية لطاقة تنموية على طريقة مغني الراب النظيف زاب ثروت. وبدلاً من عمرو دياب وتامر حسني ونانسي عجرم، أصبح شباب الموسيقي المستقلة، وجوهاً إعلانية لشركات الاتصالات والمشروبات. طبعاً، التصق ولا يزال ملتصقاً، لقب موسيقى "الاندر غراوند" والموسيقى المستقلة بهم، حتى لو كانوا يغنون تحت إعلان لمشروب طاقة في منتجع سياحي خمس نجوم في الساحل الشمالي.
رفض بعضهم الاندماج في ذلك الإطار الإنتاجي أو أن تتحول أغانيه لإعلانات تجارية، فيما كانت شمس 25 يناير تغرب، ليصعد ليل 30 يونيو، ومعه تعود للصفوف الأولى أغاني وموسيقى مصطفى كامل وحكيم وعمرو مصطفى. لا مكان لهؤلاء الغاضبين على الساحة في أوبريت "تسلم الأيادي". تفككت عشرات الفرق، واختفى في ظروف غامضة مغنون وعدوا بإكمال المشوار اصطدموا بالأبواب المغلقة للمسارح وقرارات الأمن بمنع الحفلات في الشوارع، ولم يعد "تريند" "الاندر غراوند ميوزيك" في أعلى قائمة الهاشتاغات.
وسط عاصفة الظلام التي هبطت على المدينة والبلاد، واظب "كايروكي" بإصرار على مسيرته. الفرق والموسيقيون الذين تمكنوا من الاستمرار، اندمجوا في المنظومة الجديدة التي سمحت للشباب باللهو الآمن. فريق "شارموفيرز" يغنون أمام السيسي والدولة ومؤسساتها الثقافية فتحت أبوابها لموسيقى التنمية البشرية الشبابية التي تعد بغد أفضل، والتغيير أصبح ممكناً برسم الغرافيتي على الجدران التي تتكئ عليها أكوام الزبالة والنفايات.
أصبحت شركات الدعاية والإعلانات هي المنتج والممول الأول للانتاج الموسيقى. كانت معادلة "كايروكي" الحفاظ على رسالتهم ومشروعهم الموسيقي في مقابل الاندماج في آلية الانتاج الجديدة. مكّنهم هذا الوضع من إنتاج خمس ألبومات موسيقية من دون التنازل عن غناء كلمات أمير عيد الخطابية، ومن دون تغيير خطهم السياسي الواضح.
أن يتمكن أحدهم من رفع صوته في هذه الظروف، أن تدوى أغانيهم وتحتل قوائم الأكثر استماعاً وهم يؤكدون أن السكة شمال في شمال.. شكراً "كايروكي" على الابتسامة التي رسمتموها على الشفاه وسط وابل الصفعات التي يتلقاها هذا الجيل.
"هزها شوية/ وكفاية قعدة/ عدي كل المراحل/ وحلمك هتلاقيها/ أوصل للوحش وعلم عليه….. هينفخوك ويبروزك/ ويطبلوا لك/ ويتلونوا بلونك/ عايزينك تبقي نجم وتبقي قدوة" يقول أمير عيد مغنى "كايروكى" في أغنية "غمض عينيك". خطاب ثورى يرفض الاملاءات والتدجين. لكن ما الذي يريده "كايروكي" في المقابل؟
قائمة طويلة من النصائح والتوجيهات تحملها أغاني "كايروكي" من 2011 حتى الآن. وبينما كان الناس في الشوارع في 2011، يتعرفون على بعضهم البعض، ويكسرون الأصنام التي أطبقت على صدورهم طوال عقود، ويحلمون بالديموقراطية وحكم الشعب، كان "كايروكي" يعلن أنه "مطلوب زعيم". وحينما يغنون في المنتجعات السياحية ينتقدون أن هناك ناس بترقص وناس بتموت، يحذرون في أغانيهم من خطر "الكيف" والمخدرات، وينتقدون الشرب وتدخين السجائر كفعل معاكس لعدم الاهتمام بالسياسة. ست سنوات من النصائح يا أمير! إذا كنت لم تمل من إعطاء النصائح بعد، فقَدر من التجديد والتغيير مطلوب يا عزيزي، على مستوى الكلمات والألحان. أخبرتنا سابقاً في أغنية أن السكة شمال ووصلت الرسالة يا عزيزي، لماذا بعد سنتين تؤكد لنا أن السكة شمال في شمال؟ ولماذا لا يمكنني أن أخذ الجوب والزجاجة ويكون لى في السياسية؟
تميزت تجربة "كاريوكي" بالانفتاح على تجارب الغناء المشترك مع أسماء تبدأ من سعاد ماسى وحتى طارق الشيخ. ودائماً ما تكون هذه أفضل أغانيهم، لأنهم في مثل هذه التجارب خصوصاً مع عبد الباسط حمودة أو طارق الشيخ، يبتعدون قليلاً عن أسلوبهم الموسيقي، ومن هذا الاستكشاف تنفتح أبواب جديدة لموسيقي جديدة. أن تصمد أمام الوحش بطولة، لكن أن تظل مكانك فهو أمر سيدخلك ثلاجة النسيان وسيقتل تدريجياً شغف الفن في داخلك بينما يسيطر صياح الهتافات. الصيف حارّ والتضخم يبتلعنا يا أمير. قليل من النصائح، كثير من المغامرات الفنية.. من فضلك.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها