كيف يَقْتَطعُ الممثّل هذا "الحِمْل" كلّه، يرميه خارجاً ويغرق في "هو" الآن "أمام الأعين الكاميرا"؟
ربما لأنه يحصل في المقابل على زمن العودة إلى "هُو" الدائم، ينال قسطاً من الراحة في بيته المعتاد وعلى وسادة الروح الأليفة.
هل يحصل هذا في الواقع؟ أنعود إلى "نحن"؟ أنرتاح من "هُم"؟ نظن أنّا سنردع الأرض عن محاورها؟ ندفعها؟
أحسدُ المطمئنين إلى المعاني، ويعرفون كلّ شيء بدءاً من أنّ الله موجود انتهاء بنكرانه، رغم أن "بطيخ" نانسي عجرم غلب "صعود مطر" عبد اللطيف عبد الحميد، وفق معايير "بان كي مون".
وأنا أبحث عن أمّي.
أليس ساخراً حد الدّعارة هذا الوضع؟
سأحلق ذقني، أستنبتُ من جِلْدِي رَجُلاً. سأحبّ امرأة. وأرفع "الثابو" لـ"الأبد" الذي ما كان له ذكرٌ ليُسحق، لولا الثورة.
ليس أسهل من الانتحار، فقط ارفع الرقعة الحمراء، ولوّح ما شئتَ، وبقيتَ، حتى تُمحَق.
كم أكره "مجهول الهوية"، عجزي المطلق هو. لو أعرف أي جزء سيبقى لأوشم عليه اسم أبي.
كان مُرْهَقاً وصَغيراً على ما هو فيه، سألته:
- أنت بخير؟
قال: "مللت".
ثم مدّ "رجال الأسد" يده إليّ بورقة عليها رقمه:
- مري جارتنا نشرب قهوة ونحكي سينما.
يريد أن "يعيش".
من رتّب سلم الأخلاق؟ أي بغيض كان؟
أما المجنّد عمران فقد أصبح يعتمد عليّ في كتب المسرح. وأمرّ به كلما استطعت، أن أعود أنا. اسخروا ما شئتم، كلّ من عاد زائراً لدمشق، تنزلق "الثورة" و"الحريّة"، عن مساحة صوته الرنّان، يومين لا ثالث لهما، يتحول بعدها، يصبح مثلنا، بشراً، لا أكثر، لا أقل، يهمس ممتعضاً في وجه "الغالب" على الأرض التي هو عليها الآن:
- "الأحداث" بدأت بـ"مطالب مشروعة". وأضحك أنا حينها ملء شدقيّ. ربّنا ولا تُدخلنا في التّجربة.
أستيقظُ العاشرة ليلاً، أستيقظُ البارحة، أو غداً، ما الفرق؟ المهم أني في النهاية ما زلتُ أستيقظ. المهنة: "أعيشُ في دِمَشْق".
- وماذا تفعلين للثورة؟
- رغماً عن أنفي أترحّم على القذافي بـ"من أنتم؟".
لماذا عليّ أن أكون أي شيء؟ كلّنا أفضل من بعضنا في مواقف. وكلّنا أسوأ من بعضنا في أخرى.
كم أكرهك وزن "أفعل".
هل سيسامحني الذي مات؟ أم هو انتهى، وأنا أدورُ في فراغي؟ لم أعد أستطيع أن أسامح أحداً على شيء، أي شيء. قادرة فقط، أن أسامح القاتل، وحسب. أن أنظر في عينيه، وأن أطلقه بيديّ.
متأكدين أنكم فهمتم تماماً ما أحسّ وعمّا أحكي؟
"تكلّم، كي أراك"، قال "سقراط".
إذن:
"فلسطين"، حظٌ أوفر في عالم آخر، رُفعت قضيتكِ، لهذا العالم. سيبقى الوضع على ما هو عليه، حتى إشعارٍ آخر، لن يأت. فالقانون لا يحمي أمثالك.
وعلى سيرته، سمعتُ عن قانون عسكري في بعض البلدان، يعفي الضابط المسؤول من العقوبة في حال مات تحت إشرافه "اثنان بالمائة"، "فقط"، من عدد الدفعة. لا أعرف دقة المعلومة، لكن الصورة فجّة حدّ البلاغة: الكرة الأرضية جمعاء، كل إنسان = "2%". حتى أنت. إذن، ما جدوى أن تتكئ على خنجرٍ كي تراني؟ أم الجدوى في أن أتكئ أنا على الخنجر كي أراك؟
لا خيارات أدهى يا وحيد الظلّ؟
كم عدد الكرات التي تُصنع في كل كأس عالم؟ كم واحدة؟ هل يحفظون أي واحدة كانت الأولى؟ أو على الأقل الأخيرة؟ لا ترياق في مصانع هذه الأرض، لكلّ ما حملْنا مدى الطريق. أتصلُ بأمي لأحكي، لا أريد أن أحكي لغيرها، ثقل الماضي فقأ سمعها. فماذا أفعل؟ إلا أن أقبل بالواقع، أن أراه بعين مختلفة، الحلّ أنا. إن كان الجدار عتيداً، عالياً: "ارسم عليه باباً أو شرفة".
هاهاهاها... كم هي خرقاء هذه الطرفة.
اِنْتَصَبَ القائِدُ لِلْحُكْمِ: قامَ لَهُ وَتَهَيَّأَ اِنْتَصَبَ لِمهامٍّ جِسامٍ
اِنْتَصَبَ الطَّاهِي: نَصَبَ قِدْرَهُ
يَنْتَصِبُ تِمْثالٌ في السَّاحَةِ العُمومِيَّةِ: يَرْتَفِعُ قائِماً
ونصَب له حرْباً: شَنَّها عليه
ونَصَبَ الشيءُ أو الأمرُ فلاناً: أتعبَه وأعياه
"عضو تناسلي" واحد، يكفي أن يمسح ألمي كاملاً، وأن ينهار حبل الودّ بيننا. ويكفي أن أكتب كلمة واحدة "نابية" في نصٍ عامرٍ بكل أنواع البحث والسؤال، لينساني المتلقي أنا والهراء الذي أجمع فيه ما أمكن من شتات حضوري الذهني لنتحاور، أحكي لتسمع، تسمع لتفهم، تفهم لتجيب، تجيب لأرتاح، ولكن عبث. "عضو" واحد، فقط.
هل كان أوديب، هو الأبله؟ أم سفوكليس؟ أليست إلكترا أيضاً وجههُ الآخر؟ ما اسم أمّك يا "سفوكليس" أفندي؟ قل لي ما برجك، أقول لك ما عليك أن تلتزم به من صمت في المرّات القادمة من الحياة.
تَقَارُضُ الرَّفِيقَيْنِ الْمَوْقِفَ: تَبَادُلُهُ بَيْنَهُمَا.
تَقَارُضُ الْخَصْمَيْنِ النَّظَر: نَظْرَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى الآخَرِ بِحِقْدٍ وَغَضَبٍ .
تَقَارُضُ الشَّاعِرَيْنِ الشِّعْر: إِنْشَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا الآخَرَ الشِّعْرَ.
كنتُ أشتعل ناراً، في تلك الزنزانة، غاضبة مني قبل الجميع (كالعادة)، لأنْ وكما العادة على مرّ التاريخ، خطأ الإنسان التراجيدي هو العاطفة، الأخلاق، "القيمة" التي لدينا لنا ولكل ما حولنا.
ما الجديد فيما يحدث اليوم في سوريا ولم تعشه الأرض؟ أين كنّا حين تألموا؟ لمَ نلوم؟ كما، لا أستطيع أن أستغيث بأيّ كائن ساهم في ألمي، هل تستطيعون؟
بين العتاد الشخصي، الماضي الحافل، وبين محنة اليوم، يُطحن كلٌ منّا، ليبقى منه فقط كحل عينيه.
"لؤي" حين خرج المرّة الثانية من السجن، الاعتباطي، قرابة العام، سألوه كيف أنت:
شبّه نفسه بـكيس فيه زجاج. الزجاج، مطحون، لكنّ الكيس سليم تماماً جداً جزيلاً.
هل قال زجاج؟ أم قال "الثلج"؟
ثلج، صلب، زجاج، سائل، أياً كان، هل نعرف فعلاً عمّ يحكي هذا الشاب الدوماني الساحر؟
وأدفع عمري لأعرف ما آخر جملة خطرت في رأسك "ربيع". لأعرف ما عشت، في الثانية التي سبقت انطلاق الطلقة إليك. هل سمعتها؟ هل علمتَ أنك متّ؟؟ مهما حاولنا، هل نصل فعلاً إلى ما"عاشه" حين "مات"؟ يتلاشى عقلي كلما فكرت كيف مات "الشباب"، وحيداً، دوننا، في قبضة "الأقوى" في اللحظة.
بيني وبين الآخر، تخوم آبائي وأجداده. بيني وبين نفسي، أنا والآخر، وأباؤه وأجدادي.
مرة، ارتكبت جريمة المسبح، الصيف الماضي، قضيت الوقت أسأل نفسي، وداريا تحت القصف الحثيث، ماذا يفعل كل هؤلاء هنا؟ وإذا بصوتي الأحقر في العالم:
- ليه حضرتك حالياً على الجبهة بلا مؤاخذة؟
الجيولوجيا تقول بالحت والتعرية والنحت، وأنا أومن بها، أكثر من دواليب نصيب المعرض، السنوية.
أنف الأرض لا يخطئ. ستدور الدائرة، هكذا دائماً "حصل". كل هذا، والدولاب لم يقلب بعد، أتتخيلون، القادم؟؟
في سجن عدرا النسائي، تسمع فيروز طوال الوقت، معظم الوقت. يُحِبّ السّجان الاستيقاظ على صوتها؟ أم يُرْضِي صورته في أعيننا؟ هل حجز ائتلاف المعارضة فعلا "قطاراً" بحاله، في فرنسا، ليذهب إلى اجتماع؟
"أســســعع"،
تجار دمشق، ردموها، رجموها، ووقعوا بأسمائهم الصريحة على "خصائهم".
تعلّم في خمسة "هنّات، وعانة" كيف يبقى الرجل رجلاً في هذه البلاد.
أصبحت الساعة السابعة والنصف صباحاً، لم أنم، وبدأت طيارات الـ"ميغ" تحلق، يلمع رأسي، يلمع.
إن كان البقاء: "موت"، فما اسم "الرحيل"؟
مذيعة شام إف إم تقول:
- صباح الخير يبرود.
"أنا لا أنساكي فلسطين و"، تغنيها فيروز، أيضاً، وأيضاً، وأقسم لك يا "فلسطين" أني لم أفكر فيك كما يجب إلا في المراهقة.
حرفتي، وأعرفها، الكل يكذب. وأنا أكذب، ولا أقوى إلا على أضعف الإيمان:
- أعترف لك أني أكذب.
ونطالبك بوقاحتنا المعهودة، بصكّ الغفران ممهوراً بنجمة ومرحى وسيف وترس. لم يكن "الاعتراف"، يوماً ورقة "براءة ذمة"، تنهي المسؤوليات، ولن يكون.
تعود المذيعة لتقول:
- صباح الخير "صيدنايا".
- صباح الخير "عدرا".
وأعود أنا إلى أوراقي القديمة:
على أعتاب روحي سجى:
طعمٌ لا شبيهَ له: "شُــحٌّ بذيء، "بذيء"، "بذيء".
قفوا معي هنا، انظروا إلي جيداً، أصبح شعري قصير جداً، لكن لا بأس به.
كم خذلنا بعضنا؟؟ أنت تعرف، وأنا أعرف، وكلانا "خرسان".
- زملكا؟ قالت المذيعة صباح الخير زملكا؟؟
مَنْ قالَأني غيمٌ طليقٌ، حرْ
ولا أشتهي الرعدَ غضبا
مَنْ قالَ أن الحزنَ
شديدُ التقوى
ليأوى
- صباح الخير "شيخ بدر".
لا مفر ولا مقرّ ولا... حتى أنا لك
غدرتك
وفيّ ما فيك،
لكني الآن أطويه عميقاً حتى لا أنثني محنياً إلى أخمص العمرِ واللغةِ.
ألن يأتي يوم نتعرى فيه للعالمين، منا؟
إذ لا احتمال أن نصبح أنبياء
أنا أعترف أني لن أستقيم أبداً يا أيها الكبير الذي تحاسبني
ساعةُ الرّيح الأقوى
هيَ
فكيفَ أغدو سائحاً على سرجها؟
كأنّها مسْكَني
لو كان لي غير المُحَال هوىً.
لو أن للريح عزماً غير الذي في أضلعي.
لو أنّ للرّيح مَقتلاً غير لسْع أبْهَـري.
- صباح الخير من سيرياتل إلى الزبداني، قالت المذيعة، وقالت: "خان الشيح: صباح الخير".
- وقالت، من السوريين إلى الجيش العربي السوري:
- "عندي سئة فيك، وبيكفيك" (أيضاً لفيروز)
أعطوني معنى واحداً لم نغدر به؟ أنا إلى الآن أخجل من كلمة "شهيد"، لأن "نصري الحارس" صدق أن "هولو" سرق القنديل من "منتورة".
- شام أهلوك إذا هم على نوب، قلبي على نوب.
أول حيوان مفترس عرفته فيّ، قفز من صدري، يوم هجم أهل الجولان على الجيش الإسرائيلي.
وكنت صغيرة حينها. الحيوان الثاني أُجهض يوم سَحَبَتْ تلك الدبابة تمثال "صدام".
- أنا صوتي منك يا ياياااا يا بردى.
أريد أن أقلب منفضة السجائر على الأرض، أليست غرفتي؟ وأنا من سينظف بعدها؟
إذن؟؟
اخرجوا من غرفتي، أنا اليوم لي، وما أنا بقارئ.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث