استهدف طيران "التحالف الدولي" بصواريخ خارقة للتحصينات، مقراً لتنظيم "حراس الدين" في تجمع ريف المهندسين الأول في ريف حلب الجنوبي الغربي. وقُتِلَ في القصف، الذي قال أنصار التنظيم إن اختراقاً أمنياً ساهم في كشف الموقع، 10 من قادة التنظيم أغلبهم من "المُهاجرين" العرب. ولم يعترف "حراس الدين" بشكل رسمي بالقصف.
ويقع ريف المهندسين الأول في ريف حلب الجنوبي الغربي بالقرب من طريق حلب–دمشق الدولي ويسكن فيه عدد كبير من المُهجّرين، ويقع بالقرب منه مخيم الإيمان للنازحين. الموقع الذي استهدفه طيران "التحالف الدولي"، الأحد، هو معهد شرعي يديره القاضي السابق في تنظيم "حراس الدين" أبو ذر المصري، ويسمى باسمه، ويحيط بالمقر تجمع سكني تشغل عائلات قادة وعناصر التنظيم والمحسوبين عليهم جزءاً منه.
القصف جرى بصواريخ شديدة الانفجار وعالية التدمير، وتمكنت القذائف من اختراق الأسقف والجدران المسلحة بالحديد، ودمرت الغارة الجوية الموقع بشكل شبه كامل وتسببت بإصابة مدنيين في محيط الموقع. وفرض عناصر التنظيم طوقاً أمنياً حول المقر المستهدف أثناء انتشال جثث القتلى من تحت الأنقاض.
وقُتِلَ في القصف "أبو ذر المصري" و"أبو يحيى الجزائري" و"أبو دجانة الجزائري" و"أبو عمر التونسي" و"أبو الفداء التونسي"، وآخرون من الجهاديين السلفيين المعروفين بولائهم لتنظيم "القاعدة". وقتل في القصف عدد من عناصر التنظيم والحرس.
ووقع الهجوم الجوي أثناء اجتماع مغلق للقادة المُهاجِرين المفصولين من صفوف "حراس الدين" مؤخراً، لبحث الخطوات للتصعيد ضد قيادة التنظيم، والتشاور حول مستقبل الجماعة المناهضة لقيادة التنظيم المتمثلة في "أبو همام الشامي" والأردني سامي العريدي.
المنشقون عن الحراس
القتلى في "معهد أبو ذر" بريف حلب، كانوا قد فُصِلوا من "حراس الدين" قبل أسبوع تقريباً، بسبب خلافات داخلية وانقسام حول قضايا متعددة. ومن المفترض أن أكثر من 300 عنصر من الجهاديين الأكثر تشدداً، وعلى الأغلب من المُهاجرين قد تضامنوا مع القادة والقضاة المفصولين؛ "أبو ذر المصري" و"أبو عمر التونسي" و"أبو اليمان الوزاني".
مصدر عسكري معارض، أكد لـ"المدن"، أن قرارات الفصل التي أصدرتها قيادة "حراس الدين" توالت خلال الأيام القليلة الماضية، وفضلت قيادة التنظيم إبلاغ قرارات الفصل شفهياً للتقليل من أثر الهجوم الدعائي الذي شنه أنصار المفصولين ومتشددو "القاعدة" الغاضبين من سياسة الشامي والعريدي. وبحسب المصدر، هناك أسباب أخرى تقف وراء الانقسام في التنظيم غير الخلاف حول الاشتراك في معارك حماة وادلب، وبعضها بسبب الغلو وتنامي التيار المتشدد التكفيري داخل التنظيم. وسبق الفصل جلسات احتدم فيها النقاش بين قيادة التنظيم وبين الملتحقين بالتنظيم في السنوات القليلة الأخيرة.
وبحسب مصدر "المدن"، فإن من أسباب الخلاف كانت قضية الترحم على الرموز والشخصيات الإسلامية غير الجهادية، وقضايا تنظيمية أخرى، بالإضافة لرغبة مجموعة من الشرعيين المهاجرين في الانقلاب على قيادة التنظيم التي بدأت تتقارب مع "تحرير الشام".
الجهاديون المفصولون كانوا قد بدأوا تأسيس تنظيم جهادي جديد لجذب موالي "القاعدة"، والمنشقين عن "الحرس" والتنظيمات السلفية الأخرى، التي باتت قياداتها تبدي ليونة في التعاطي مع "تحرير الشام"، وطروحاتها المستحدثة في السياسة الشرعية.
استشعر الجهاديون المفصلون من "الحراس" الخطر، وكان مفترضاً أن يتم الانتقال من المناطق المفتوحة في ريف حلب وادلب إلى ريف اللاذقية الشمالي، في جبلي الأكراد والتركمان، حيث كان سيتم تأسيس الجماعة الجديدة، لكن الغارة الجوية باغتتهم.
خرق أمني
لم تقدم التنظيمات الجهادية السلفية و"تحرير الشام" تعازيها، بلّ حمّل أنصار "تحرير الشام" خصوم قيادة "حراس الدين" مسؤولية الاستهداف وكشف الموقع، لأنهم بالغوا في نشر تفاصيل الخلاف، وكشف هوية القادة والعناصر من أجل الانتصار لأنفسهم في الحرب ضد القيادة.
وتداول أنصار "تحرير الشام" صورة لدعوة قضائية باسم "أبو ذر المصري"، مذكور فيها مقر إقامته؛ المقر الشرعي. وبذلك سهّلت الدعوة القضائية المسربة على عملاء "التحالف" في الأرض مهمة تحديد الموقع. في حين قال أنصار "حراس الدين" إن الاستهداف عارض خطير وربما يستمر، ويوحي بأن هناك خرقاً أمنياً داخل الجماعة يجب كشفه قبل أن تقع المزيد من الخسائر. وتوعد أنصار التنظيم الجواسيس وعملاء "التحالف" بالحرب.
عودة "التحالف الدولي"
آخر عمليات "التحالف" في ادلب كانت في 16 آذار 2017، عندما استهدفت طائراته مسجد قرية الجينة أثناء وجود نحو 300 شخص بداخله في حفل دعوي، ما أسفر عن مقتل نحو 60 شخصاً أغلبهم من المدنيين.
أنصار "تحرير الشام"، لمحوا إلى أن سياسة تنظيم "حراس الدين" هي التي أعادت طيران "التحالف" مرة أخرى إلى ادلب، وقد يستمر القصف بسببهم في المرحلة المقبلة. ودعوا عناصرهم أن يأخذوا حذرهم بعد عودة القصف لاستهداف المقار والتحركات. وقالوا إنه مع أخذ التدابير العسكرية والأمنية يجب دراسة الموقف السياسي وطبيعة المرحلة التي جعلت "التحالف" يعود لاستهداف المحرر، ودعوا للتحرك بسياسة شرعية للتصدي للأمر. وأكدوا أن استعداء الدول، وتحييد الخصوم والأعداء، وتوجيه المعركة بحسب المصلحة، هي من السياسة الشرعية التي لا يأخذ بها المحسوبون على "حراس الدين".
مصدر عسكري معارض أكد لـ"المدن" أن قصف طيران "التحالف" سيتواصل مستهدفاً التنظيمات السلفية الجهادية في ادلب ومحيطها، وأن "التحالف" لديه بنك أهداف لمقار ومواقع يتمركز فيها عناصر "حراس الدين" وجماعات جهادية أخرى. وأشار مصدر "المدن" إلى أن عودة قصف "التحالف" الانتقائي قد يكون لسحب الذريعة الروسية بمحاربة "الإرهاب" في إدلب، ما قد يساهم بخفض حدة هجوم مليشياتها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها