رغم أن مزارعي التفاح في محافظة السويداء يعتمدون على التجار الدمشقيين "الضمّانة" لشراء محصولهم، إلا أن عصابات الخطف في محافظتهم وجدت في "الضمانة" هدفاً ممتازاً لها. التناقض بين مصالح الفلاحين، وعصابات الخطف، ليس الأزمة الاقتصادية الوحيدة التي تعيشها السويداء اليوم، بعد سياسة إهمال طويلة مارسها نظام البعث منذ الستينيات.
السويداء تعتبر من أكثر المحافظات السورية فقراً لاعتمادها في الدرجة الأولى على عائدات المحاصيل الزراعية، والأموال التي يرسلها مغتربوها في الشتات. انعدام المشاريع الإنتاجية والاستثمارية والإنمائية فيها، كانت دائماً تستند إلى مبررات منطقية تسوقها "الدولة"، إلا أن التدقيق في تلك المبررات لا يدع مجالاً للشك بوجود سياسة ممنهجة تقف خلف ذلك.
التفاح
التفاح أبرز محاصيل السويداء، وتقدّر المساحات المزروعة به بحوالي 16 ألف هكتار بأكثر من 3 ملايين شجرة. قبل فترة وجيزة، خطفت عصابة محلية أربعة تجار دمشقيين كانوا قادمين لشراء تفاح من مزارعي المحافظة. وتسبب ذلك بانفلات الوضع الأمني على نحو غير مسبوق، وتحوّلت الفصائل المحلية، فجأة، إلى وضع من الانقسام المبني على المناطقية.
في عام 2018، تمكنت عصابة خطف من استدراج تاجرين من دمشق إلى السويداء، وخطفهما وسلبهما ملايين الليرات المرصودة لشراء التفاح، قبل أن تتركهما قرب بئر ماء في قرية صلاخد.
موسم التفاح عام 2018 كان كارثيّاً على الفلاح، لارتفاع تكاليف إنتاج المحصول، مقابل هبوط سعر شرائه وفشل الحكومة في ابتكار خطة لتسويقه او تصنيعه لتصريف المحصول المتراكم في البرادات الذي قدّر بـ17 ألف طن. وبلغت تكلفة إنتاج كيلو التفاح إضافة إلى أجور نقله نحو 185 ليرة سورية، بينما حدد سعر شرائه من الفلاح بـ 70 ليرة فقط. إضافة إلى تلف نحو نصف محصول التفاح، بسبب الأحوال الجوية. وحمّل الفلاحون حكومة النظام المسؤولية عن الخسائر التي لحقت بالمحصول، وذلك بسبب انعدام التصريف، وعدم وفاء وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالوعود التي قدمتها لفلاحي السويداء بشراء محصولهم.
خطف التجار مقابل الفدية وتخويف البقية من الاقتراب من المحافظة، وكساد محصول التفاح، ليس الجريمة الوحيدة المرتكبة في ضوء النهار.
في حزيران/يونيو 2017 وضع حجر الأساس لبناء مجمع تنموي زراعي في محافظة السويداء في منطقة حبران جنوبي السويداء، على مساحة 60 دونماً. ويضم المجمع خطاً للفرز وآخر لتوضيب الخضراوات والفواكه بطاقة إنتاجية تتراوح بين 40 إلى 50 طناً يومياً ويؤمن مئتي فرصة عمل. وقد أكد مصدر مطّلع على هذا المشروع لـ"المدن" أنّ رئاسة مجلس الوزراء صدّقت على العقد المبرم بين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والشركة العامة للبناء والتعمير، لتنفيذ أعمال الموقع العام للمجمع بكلفة مليار و362 مليون ليرة، بمدّة تنفيذية حدّدت بسنة كاملة.
وبعد المباشرة بشهرين، وتقديم سلفة مالية قدرها 130 مليون ليرة، أوقف المشروع بقرار من وزير التجارة الداخلية عاطف النداف، وبتوجيه من رئاسة مجلس الوزراء، بحجة عدم وجود الاعتمادات. المؤسسة العامة للدراسات كانت قد صرحت بوجود رصيد الاعتماد.
أبعد من التفاح
كثيرة هي المشاريع التي أوقفتها "الدولة" أو عرقلتها أو جمّدتها مؤخراً، في السويداء. "مشروع صهر البازلت"، عُرقِلَ بالبلاغ رقم 1399 لعام 2017 الصادر عن وزارة الزراعة، والقاضي برفع قيمة إيجار الأراضي العائدة ملكيتها للدولة وتبلغ مساحتها عشرة دونمات، لتصل أجرة الدونم الواحد إلى 300 ألف ليرة، وهذا يعني أنه سيترتب على المستثمر مبلغ سنوي مقداره 3 ملايين ليرة. هذا عدا عن أن مؤسسة الجيولوجيا ستقتطع 35% من أرباح المشروع.
مشروع تدوير النفايات الصلبة توقف العمل فيه بسبب عدم السماح لصاحبه بشق طريق إليه عبر أراضٍ تعود ملكيتها للدولة، مع أنّ العقار مفرز وله الحق في ذلك. مشروع نقل الركاب والأفواج السياحية، جُمّد لعدم السماح للمستثمر باستيراد "بولمانات" خاصة.
حصة الحواجز
حاجزا المسمية وقصر المؤتمرات، على طريق دمشق السويداء، متخصصان بإيقاف السيارات المحملة بالبضائع وفرض الإتاوات عليها، إضافة إلى حواجز "الترفيق" التي أزيلت بعد كثرة الشكاوى عليها واعتصامات السائقين المتكررة احتجاجاً على ممارساتها. ويضطر السائقون لدفع إتاوات تصل إلى قرابة 50 ألف ليرة، أو يُعفّش عناصر الحواجز ما يعادلها من البضاعة.
نقل البضائع إلى السويداء أصبح "مغامرة"، على حدّ تعبير أبو محمد، السائق على طريق دمشق- السويداء: "فمن ينجو من الحواجز لن ينجو من عصابات الخطف، وإن نجا من الاثنين قد يكون أضاع الطريق"، يقول عبارته وهو يضحك متندراً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها