أبقت عصابة خطف في السويداء، على عناصر أمن اختطفتهم، حتى ساعة متأخّرة من ليل الاثنين/الثلاثاء، لتُطلَقَ سراحهم، بعدما خضعت الأجهزة الأمنية لشروطها بالافراج عن صابر.ع.
وكانت مجموعات تمتهن الخطف والنهب، قد هاجمت، الإثنين، حاجزاً أمنياً في مدينة السويداء وخطفت عناصره، بعد اعتقال حاجز المسميّة التابع لقوات النظام، على طريق دمشق-السويداء لصابر.ع.
وابن صابر.ع هو فداء، زعيم إحدى عصابات الخطف والجريمة في السويداء، والتي تُنسق مع عصابات محلية يقودها (ف.س)، العضو السابق في "المخابرات الجوية" بصفة "مدني متعاقد"، والذي انضم لاحقاً إلى "قوات شيخ الكرامة" التي طردته في بيان رسمي بسبب "خروجه عن مبادئ الكرامة". وكذلك مع عصابة (م.ح) الذي تبرأت منه "حركة رجال الكرامة" منذ زمن طويل.
وهدد فداء.ع، مع أفراد عصابته، القوى الأمنية، صباح الاثنين، بالتصعيد واستهداف عناصرها في مدينة السويداء في حال لم يفرجوا عن والده. ولم يحل المساء حتى قامت مجموعة مسلّحة بالهجوم على عناصر الأمن متمركزين في حاجز المقوس، فاحتجزوهم، بينما قامت مجموعات أخرى تنسّق مع العصابة باحتجاز عناصر أمن وشرطة منتشرين في الساحات وعلى الطرقات الرئيسة في المدينة. ووصل عدد العناصر المحتجزين من الأمن والشرطة، لدى العصابة، إلى 13 عنصراً، وفق أقلّ تقدير.
في المقابل، القوى الأمنيّة عززت فروع الأجهزة الأمنية بالعناصر والعتاد، ونشرت عناصرها في الطرقات والمحاور الرئيسة في المدينة.
وأعلنت "قوات الفهد" و"بيرق عتيل الكرامة"، من فصائل "شريان الكرامة"، عدم مسؤوليتهما عن حوادث الخطف تلك، محذرة "أي طرف من محاولة زج إسمنا في ما يحدث تحت طائلة المحاسبة من قبلنا".
ولقي هذا الحدث استياءً عامّاً داخل المحافظة؛ إذ عبرت شخصيّات اجتماعية ودينية عن رفضها القاطع لممارسات المافيات التي تقوم بالخطف، وحمّلت المسؤولية للجهات الأمنيّة التي سلّحتها وساهمت في تأسيسها وتغوّلها على المجتمع.
وقوام مجموعات الخطف هذه عناصر ينتمون إلى القاع المجتمعي، منذ ما قبل الثورة، ممن كانوا عاطلين عن العمل متورطين بالجريمة ومنبوذين اجتماعيّاً. وعند بدء الاحتجاجات في سوريا سلّطتهم القوى الأمنية على الحراك الثوري، مستفيدة من عزلتهم عن المجتمع وحقدهم عليه؛ فجندتهم، وأعطتهم دوراً وظيفيّاً بقمع المظاهرات السلمية. وعندما بدأ تشكيل المليشيات عمدت "المخابرات الجوية" في السويداء إلى جلب هؤلاء "الأشرار"، بحسب توصيف المجتمع الأهلي لهم، وتعاقدت معهم كمدنيين، مانحة إياهم بطاقات أمنية وأسلحة مرخصة. ومنهم من عمل لمصلحة "الجوية" أو "الأمن العسكري"، في حين انضوى آخرون في مليشيات "البستان" و"الدفاع الوطني" و"كتائب البعث" و"حزب التوحيد"، وغيرها.
واستثمر النظام هؤلاء في المعارك خارج السويداء، خاصة في حوران وغوطة دمشق، لضرب علاقة السويداء مع جاراتها. وعندما ترهلت سلطة النظام، وأصبحت عاجزة عن تمويل هذه المليشيات وصرف الرواتب الشهرية والمكافآت لعناصرها، انتقلوا للاعتماد على التمويل الذاتي بعمليات الخطف والنهب والتهريب. وحصر هؤلاء أعمالهم داخل السويداء، وتحول معظمهم إلى مرتزقة ومافيات. وأقاموا علاقات مع مختلف القوى على الأرض؛ مع "داعش" شرقاً و"النصرة" والجيش الحر غرباً، بغرض التربح وتوسيع النشاط. وفي الوقت ذاته، استمر عملهم لصالح الأجهزة الأمنية، وبالتنسيق معها. وكانت الأجهزة الأمنية تحصل على الحصة الأكبر من الغنائم والفديات وعائدات التهريب، إضافة إلى استثمارها في هذه العصابات لافتعال المشاكل والبلبلة، كلّما شهدت المحافظة حراكاً مطلبيّاً، أو كبعبعٍ تخيف المجتمع به على أنّه هو البديل منها وفق معادلة "السلطة أو الفوضى".
الأجهزة الأمنية ازدادت ترهلاً، وفقدت هيبتها مع مرور الوقت، بينما ازدادت هذه المافيات ثروة وسلطة ونفوذاً، وباتت منفلتة ومتحررة من أي قيد، بينما تتقيد القوى الأمنية أحياناً بشيء من التراتبية والقانون العسكري، ولاسيّما أن العين الروسية باتت مسلطة عليها. هنا بدأت هذه المافيات تتنمّر على مشغليها الأوائل، وبدلاً من التحاصص معهم على الغنائم، باتت تأخذها لنفسها وتزيد ثروتها وسطوتها وسلاحها، لذا بدأت سلطة الأسد بالتفكير جديّاً بإخضاعها عبر الاعتقالات و"قصقصة الأجنحة"، كخطوة باتجاه التخلص منها أو إعادتها إلى بيت الطاعة، وإعادة تدويرها والاستفادة منها في كبح الفاعليات الحيّة والمحتجة في المجتمع، وهو ما يلاقي مقاومة من تلك المافيات بطبيعة الحال. ولعلّ حادثة العنداري، خير دليل على ذلك.
ويرى ناشطون في السويداء أنّ ما حدث ليل الإثنين/الثلاثاء، يأتي في سياق نية النظام اقتحام المحافظة، منطلقين من قرب هذه المافيات من الأجهزة الأمنية وعلاقتها وتنسيقها معها، فمن الممكن أن تكون معظم هذه العمليّات معدّة في غرف المخابرات المغلقة والخاطفون أدواتها. فبعدما فشل النظام باقتحام السويداء وتجنيد شبابها في قواته؛ إن كان من خلال الدواعش الذين نقلهم إلى شرقي السويداء، أو بالفشل في تصنيف "حركة رجال الكرامة" و"قوات شيخ الكرامة" تحت بند الإرهاب، فمن الممكن أن تكون إشاعة الفوضى والخطف بوابة لدخولها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها