تعرّضت محافظة السويداء، الأربعاء، لهجوم غير مسبوق من تنظيم "الدولة الإسلامية"، أسفر عن سقوط ما يقارب 230 ضحية وأكثر من 250 جريحاً، معظمهم من المدنيين. كما خطف التنظيم أكثر من عشرين امرأة وطفلاً من قريتي الشبكي والشريحي.
هجوم "داعش" على تلك القرى كان مباغتاً وغير متوقّع، إذ دخلها في ساعات الفجر والناس نيام. وعُثِرَ داخل بيوت تلك القرى على جثث لأشخاص ذبحوا بحربات البنادق، خاصة الأطفال والنساء. وخرج الأهالي لنصرة الريف الشرقي والشمالي الشرقي، حاملين معهم ما تيسّر من سلاح. بعض المقاتلين هبوا فرادى، وبعضهم الآخر ذهب على شكل مجموعات، وعلى رأس تلك المجموعات "بيارق رجال الكرامة".
وقدّرت المصادر المتواجدة على أرض المعركة، لـ"المدن"، أعداد المقاتلين بنحو ألف من قرى ومدن المحافظة كافة إضافة إلى مدينة جرمانا في ريف دمشق، وقرية حضر في القنيطرة. وعن مجريات المعركة قالت المصادر: "لم يكن هناك وجود ملموس للجيش السوري في أرض المعركة، والمقاتلون الذين كانوا يرتدون البزات العسكرية في أرض الميدان هم من الفصائل المحلية المنتشرة في قرى الجبل. وقد حضرت خمس سيارات شاحنة (زيل) تقل عناصر تابعين للجيش عند الساعة الرابعة والنصف مساءً إلى قرية رامي بعدما وضعت المعركة أوزارها".
ضربات الطائرات الحربية على مواقع تمركز التنظيم وصفتها مصادر "المدن" بـ"غير المؤثرة، وجاءت لرفع العتب"، وأكّدت على أن أهالي السويداء وحدهم من تصدّوا لهجوم "داعش"، بينما سارع إعلام النظام إلى نسب الانتصار لقوى الجيش.
ورأى ناشطون أنّ هجوم "داعش" الأخير ما هو إلّا رسالة من النظام وحلفائه مفادها: تسليم سلاح "رجال الكرامة"، وتسليم المطلوبين لقوات النظام مقابل "الأمن والأمان". وينطلق أصحاب هذه الرؤية من علاقة النظام بتنظيم "داعش" المتمركز في بادية السويداء، من حيث التنسيق وصفقات التهريب، خاصة للمحروقات. النظام كان قد نقل عناصر التنظيم من جنوبي دمشق إلى بادية السويداء، ومن بعدها افتعل الجيش مناوشات مع التنظيم قبل أن ينسحب مع اندلاع معركة درعا والقنيطرة، ليترك قرى ريف السويداء الشرقي مكشوفة للتنظيم.
ورأى آخرون أن ما جرى، ليس إلّا عقاباً للسويداء على اتخاذها موقف الحياد من معركة درعا، وامتناع أهلها عن إرسال أبنائهم إلى الجيش وجبهات القتال، إضافة إلى المواقف الرافضة للتعفيش وسلوكيات قوات النظام التي ظهرت مؤخراً بعد معركة درعا. ورفض الأهالي في السويداء للحلول التي قدّمها الروس خلال اجتماعاتهم المتكررة مع مشيخة العقل والزعماء التقليديين في المحافظة، والمتعلقة بسحب سلاح "رجال الكرامة"، وتسليم المطلوبين إلى الجيش.
وهناك آراء تذهب باتجاه أن هجوم "داعش" على محافظة السويداء، ما هو إلّا استنزاف للفصائل المحلية التي لم تسلّم سلاحها، وفي مقدمتها "حركة رجال الكرامة"، خاصة أن مليشيات "حماة الديار" و"نسور الزوبعة" و"البستان" كانت قد بدأت تسليم سلاحها، ما يضع "رجال الكرامة" في الواجهة كونها الفصيل الوحيد المنظّم والمسلّح القادر على صدّ هجمات "داعش" على محافظة السويداء.
ويسود اعتقاد على نطاق واسع في السويداء إن ما يعجز النظام عن حصده بالبراميل، لاعتبارات تتعلق بـ"حماية الأقليات" ولأخرى دولية وإقليمية، يحصده من خلال "دواعشه" المتنقلين، بحسب الضرورات السياسية والعسكرية واقتصاد الحرب. ويأتي ذلك تمهيداً لترويض السويداء وإعادتها إلّى بيت الطاعة الأسدي، من خلال إعادة نشر الحواجز الأمنية وترميم هيبتها، وإدخال قطعات الجيش بحجة حماية المحافظة ومكافحة الإرهاب الذي يهدد أمنها. ومن ثم تقوم سلطة الأسد بتحقيق هدفها الأساسي بضرب المعارضة و"حركة رجال الكرامة" وسحب المطلوبين للخدمة في قوات النظام.
وقد تكون هذه الهجمة الأخيرة بتخطيط إيراني، في محاولة لخلط الأوراق في الجنوب مجدداً بعد الاتفاق الروسي الإسرائيلي على مصير الجنوب، خاصة أنّ اقتحام "داعش" جاء بعد إسقاط مقاتلة سورية اخترقت الأجواء الإسرائيلية.
وتعيش الآن السويداء حالة من الترقب الحذر؛ وشهدت المدينة إغلاقاً للأسواق، وبدت شوارعها خالية إلّا من سيارات الإسعاف والعناصر والأهالي المسلحين على مفارق الطرق والساحات، وسط تخوّف شديد من تكرار هجوم "داعش" على قرى جديدة في المحافظة ومن محاور جديدة. وهناك تحذيرات لقرى ملح والهويا والحريسة وعرمان وغيرها من قرى الريف الجنوبي الشرقي من اقتحامات مماثلة لما حدث في قرى الشمال الشرقي.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها