تحولت السويداء في الساعات الماضية إلى ساحة لتصفية الحسابات بين فصائل محلية مسلحة، يتحمل بعضها مسؤولية عن عمليات الخطف، وبينها الموالي والمعارض للنظام، ما تسبب بوقوع قتلى وجرحى وتبادل عمليات الخطف والاحتجاز، وسط أجواء مشحونة تنذر باقتتال داخلي.
وكان 6 أشخاص بينهم 4 تجار دمشقيين، كانوا قد تعرضوا للخطف في السويداء، ويُعتقدُ أن عصابة فداء العنداري، تقف وراء الحادثة التي حصلت جانب فرع "المخابرات الجوية". التجار الدمشقيون كانوا في السويداء بغرض شراء كميات من التفاح الذي يعاني مزارعو السويداء من أزمة قاسية في تصريفه. وتعرض العنداري، على إثر الحادثة لمحاولة اغتيال، نجا منها بأعجوبة رغم إصابته بـ4 رصاصات. ونُقِلَ العنداري إلى مستشفى خاص وسط المدينة، يالقرب من أهم مراكز النظام الأمنية التي لم تحرك ساكناً،
رغم أنه أحد أبرز المطلوبين على قوائمها. وحاول فصيل محلي اقتحام المشفى والقبض على العنداري، إلا أن مرافقيه شهروا أسلحتهم وقنابلهم داخل المشفى، وتمكنوا من تهريبه.
وأشارت مصادر متعددة لـ"المدن"، إلى أن فصائل محلية على صلة بأجهزة النظام الأمنية في مدينة السويداء، وأحدها سبق أن طُرِدَ من "حركة رجال الكرامة"، استغلت حالة الاستياء الشعبي واتهمت فصيل "قوات شيخ الكرامة" في مدينة صلخد بخطف أحد أبناء العشائر وعضو "لجنة حل النزاعات" المحامي ممدوح السعيد. وتوجهت الفصائل المسلحة المحلية، التي تمثل بعض عائلات مدينة السويداء، إلى مركز انطلاق حافلات النقل إلى صلخد، وفتشت عن أفراد من "قوات شيخ الكرامة".
وأثار ذلك غضب "قوات شيخ الكرامة" التي زارت قيادتها في صلخد شيخ العقل حمود الحناوي، وطلبت منه إجبار فصائل السويداء على الاعتذار من أهالي صلخد قبل تفاقم الأمور. لكن الحناوي فشل بإيجاد مخرج للقضية. فتوجه عناصر من "شيخ الكرامة" إلى حارة عائلة مزهر في السويداء، مهددين بالتصعيد. لكن فصائل السويداء نصبت لهم كميناً، وتمكنت من القبض على عنصر، وقتل أخر، قبل فرار بقية المجموعة إلى صلخد.
وسادت حالة من الغضب في مدينة صلخد، بعد تجمع عائلة القتيل في المشفى، صباح الإثنين. وتفاقمت الأزمة مع قطع مسلحين من فصائل السويداء الطريق على أهالي صلخد، ومنعهم من دخول السويداء، ما أدى الى شلّ حركة السير بين المدينتين.
ونقلت فصائل مدينة السويداء المحلية، بهذه الخطوة، الخلاف بينها وبين "قوات شيخ الكرامة" إلى صراع مناطقي. وعقدت عائلات مدينة السويداء اجتماعاً في دار الطائفة ضم شيخ العقل يوسف جربوع، وقادة الفصائل، وخرجوا ببيان أعلنوا فيه وقوفهم خلف قوات النظام وأجهزته الأمنية، لـ"محاسبة المجرمين"، و"وضع حد لتجاوزات القانون ورفع الغطاء عن العابثين بأمن المحافظة واستقرارها". وحضرت في الاجتماع مفاهيم "طرش الدم" وإباحته، أي تحميل كل عائلات المدينة مسؤولية دم أي شخص يقتل من "الخارجين عن القانون"، بعد أن تتبرأ عائلته منه وتتعهد بألا تطالب بالثأر له.
"قوات شيخ الكرامة" في صلخد حاولت خلط الأوراق، وإظهار الخلاف مع فصائل السويداء كصراع مع النظام. واحتجزت القوات حافلة نقل صغيرة "سرفيس" لمفرزة "الأمن العسكري"، وطلبت مقايضتها بعنصرها المحتجز في السويداء، بحجة أن المخابرات تقف وراء الحادثة. تصرفات "قوات شيخ الكرامة" أدت لتشعُّب الخلافات، خاصة بعد مقتل عنصر في "الأمن العسكري" من أبناء ريف السويداء، وسط ظروف غامضة داخل مفرزة صلخد. وتجمعت عائلة القتيل في مشفى السويداء، لاستقبال الجثة، واتهمت "قوات شيخ الكرامة" بقتله، معلنة نيتها الثأر من عناصر الفصيل رغم نفي علاقتهم بمقتل العنصر وتوجيه الاتهام لشخص آخر.
مصادر "المدن" أكدت أن المجموعات المتقاتلة في السويداء وصلخد، ضالعة بعمليات الخطف، منذ عامين. وافتعلت فصائل السويداء المشكلة لتجميل صورتها في المجتمع على أنها تكافح الفلتان الأمني، ولنيل رضى أجهزة المخابرات المشرفة على تحركاتها. فيما تضامنت بعض
فصائل "شريان الكرامة" المنقسمة على نفسها مع "قوات شيخ الكرامة" التي تعتبر أبرز تشكيلاتها، وطالبت وجهاء ومشايخ الطائفة بحل الخلاف عشائرياً ومنعه من التفاقم، مهددة باستهداف أفرع النظام الأمنية وإعلان الحرب عليها في حال حدوث أي هجوم على صلخد.
وذكرت مصادر "المدن" أن دار الطائفة في السويداء الممثلة بشيخ العقل يوسف جربوع، تسعى لاستقطاب جميع العائلات والفصائل المحلية البارزة كـ"حركة رجال الكرامة"، لعقد اجتماعات في الأيام المقبلة، بغرض كسب تأييد عام من أهالي الجبل لمحاربة الفلتان الأمني، وإطلاق يد أجهزة النظام لمحاسبة "الخارجين عن القانون". كما طالبت دار الطائفة جميع عائلات المحافظة بإصدار بيانات مماثلة للبيان الصادر عن عائلات المدينة.
وتحاول دار الطائفة من خلال التطورات الأخيرة التفرد بقرار المحافظة، وحصر أي حل للأوضاع في المحافظة عبرها. ولا تزال "حركة رجال الكرامة"، أكبر فصائل المحافظة، بمنأى عن التداعيات الأخيرة، في ظل محاولات غير معلنة من شيخ العقل الاول حكمت الهجري، لتهدئة التوتر وحل الخلافات دون السماح لها بالتطور.
مدير "شبكة السويداء 24" نور رضوان، قال لـ"المدن"، إن أجهزة المخابرات تسعى لتغذية الخلافات القائمة بين فصائل المحافظة، للتخلص منها أو إضعافها عبر الاقتتال الداخلي. وأضاف أن جميع أطراف النزاع الحالي، هم أعداء بالنسبة للنظام، رغم أن بعض الفصائل على تنسيق مباشر مع مخابراته. إلا أن "الطريقة الوحيدة لتخلص النظام من خصومه في الجبل تكمن بإثارتهم على بعضهم وتأجيج الخلافات بينهم، ويتجلى ذلك بشكل واضح من خلال
تسجيلات سربتها أجهزة المخابرات وانتشرت على مواقع التواصل لمكالمات هاتفية بين أفراد الفصائل تدينهم بعمليات خطف وتصب الزيت على النار بينهم".
وأشار رضوان إلى أن
التعزيزات الأمنية والعسكرية لقوات النظام التي دخلت السويداء مؤخراً بذريعة مكافحة العصابات لا تزال بموقف المتفرج، تنتظر الفرصة المناسبة لبسط السيطرة على المحافظة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها