في ظل الفوضى الأمنية وانفلات عمليات الخطف والتوتر بين السويداء ودرعا، عُقِدَ اجتماع مغلق بدعوة من الأمير لؤي الاطرش في بلدته عرى جنوبي السويداء، لبحث الأوضاع الأمنية، وضم قادة مليشيات درزية موالية ومبعوثين من أجهزة المخابرات.
ونقل أحد مبعوثي النظام رسالة من رئيس "شعبة المخابرات العسكرية" اللواء كفاح الملحم، تفيد بأن "الدولة لا تملك إلا الحلول العسكرية للوضع الراهن في محافظة السويداء في ظل غياب أفق الحلول الاقتصادية والسياسية"، متذرعاً بالحصار والمؤامرة الخارجية.
لكن الدولة، بحسب الملحم، "تتجنب أي تدخل عسكري في الفترة الحالية نظراً لحساسية المجتمع وتعامله بطريقة سلبية مع الأوضاع الأمنية"، وأضاف المبعوث أن العائلات لا تتبرأ من "الزعران" بشكل حقيقي، وفي حال "محاربة قوات النظام لهم قد تتوسع المواجهات وتنخرط فيها عائلات وفصائل ضد النظام، وهذا ما قد تستغله بعض الأطراف الخارجية لتتدخل بحجة حماية الأقليات"، وقال أيضاً إن "أجهزة المخابرات لديها تسجيلات وإثباتات على تعامل بعض الأطراف مع إسرائيل".
رسالة الملحم كانت بمثابة إطلاق العنان للمليشيات الموالية وزجها في الشارع لمحاربة العصابات والخارجين عن القانون الذين يعتبر الكثير منهم عناصراً في المليشيات ذاتها. واقترح قادة المجموعات المسلحة المحسوبين على اللواء الملحم، تعويم مليشيا "الدفاع الوطني" لهذه المهمة، وانخراط عناصرهم فيها بغية نصب حواجز تفتيش وملاحقة المطلوبين، شريطة تعيين قائد جديد للمليشيا من عائلة جربوع. ثم عُقِدَ اجتماع أخر موسع، حضره ممثلون عن مليشيا "الدفاع الوطني"، رفضوا خلاله اقتراح تغيير قائد مركز السويداء، وقالوا إن المصدر الوحيد لقراراتهم هو "الخال"، أي قائد المليشيا في سوريا اللواء بسام الحسن، رافضين أي توصيات من طرف أخر. كما حضر الاجتماع ممثلين عن "حركة رجال الكرامة" لكنهم رفضوا التدخل في الأوضاع الداخلية، مستمرين في سياسة النأي بالنفس.
ورفض ممثلو "الدفاع الوطني" عرضاً من مبعوث اللواء الملحم، يتمثل بتحويل رواتب 100 عنصر من مليشيا "حماة الديار" المسؤولة عن ملف "التسويات" في السويداء، إلى عناصر الدفاع الذين لم يحصلوا على رواتبهم منذ أشهر بعد انتهاء عقد الدعم اللوجيستي مع مليشيا "حزب الله".
رفض مليشيا "الدفاع" للاقتراحات وضعها في موقف محرج، ما دفعها للتحرك بشكل منفرد في محاولة للتملص من الملحم الذي يحاول السيطرة على جميع المليشيات والفصائل. ورفضت المجموعات المحسوبة على الملحم مساندة "الدفاع". فانتشرت دوريات من "الدفاع" في الشوارع مكتفية بتفتيش الغرباء عن المحافظة، ثم تلقت صفعة من عصابة فداء العنداري، الخاضع لـ"تسوية أمنية" مؤخراً، بعدما اختطف 6 مدنيين من أمام إحدى دورياتها، من دون أن تتجرأ على التدخل.
من جهته، فشل "مركز المصالحة الروسية" في المنطقة الجنوبية من احتواء التوتر بين الدروز والحوارنة، بعدما أرسل الروس ضابطاً إلى دارة عرى والتقى مع الأمير لؤي الأطرش ودعاه لحضور اجتماع في دمشق برفقة وجهاء وقادة مليشيات يختارهم الأطرش من السويداء، للحوار مع قادة من فصائل "التسوية" في درعا، والتوصل إلى عملية تبادل مخطوفين بين الطرفين. وإذ وافق الأطرش على الحضور لكن الاجتماع المزمع عقده تم تأجيله من قبل الروس لمرات بحجة أن بعض الأطراف في درعا لا يتجاوبون معهم. وقد علمت "المدن" أن تعطيل الاجتماع كان بمساعٍ من فرع "المخابرات العسكرية"، لابقاء الأوضاع متوترة بين المحافظتين، في ظل التطورات الأمنية التي تشهدها المنطقة خصوصاً في درعا بعد تزايد العمليات التي تستهدف قوات النظام.
حوادث الخطف والقتل ارتفعت في القرى الحدودية بين السهل والجبل بعد محاولات روسية لتهدئة الأوضاع، وقتل ضابط في "الجيش الشعبي" من أبناء السويداء بريف درعا الشرقي، قبل يومين، كما لقي عنصر من "حركة رجال الكرامة" مصرعه في قرية صما الهنيدات غربي السويداء، عندما كان يعمل على سيارة أجرة. واتُهِمَ مسلحون من درعا بالحادثتين. في المقابل، ارتفع عدد مخطوفي الحوارنة في السويداء إلى 19 شخصاً خلال الأيام الماضية، بعضهم يطلب خاطفوهم فدية مالية لإطلاق سراحهم، والبقية تطالب الجهات التي تحتجزهم بالإفراج عن دروز مخطوفين في درعا. علماً أن "المخابرات العسكرية" تقف بشكل مباشر وراء عمليات الخطف المتبادلة، بإيعاز من العميد لؤي العلي، لتصبح المنطقة على حافة اقتتال بين الجيران قد يندلع في أي لحظة في ظل الأحداث المتكررة، وتنافس العصابات على الجانبين في تعذيب المخطوفين بطرق وحشية.
وتجددت موجة التصفيات في السويداء، بعدما طالت فداء سليم، أحد أبرز قادة العصابات والمسؤولين عن عمليات الخطف، وهو عنصر سابق في "المخابرات الجوية". وعلمت "المدن" إن مجهولين استدرجوا سليم إلى مدخل مدينة السويداء الشمالي عبر فتاة، وعند وصوله فتح أحدهم عليه النار ما أدى لمصرعه على الفور. وتشير المعلومات إلى أن المسلح كان برفقة مجموعة ملثمين يستقلون ذات السيارة التي خطفت أحد متزعمي عصابة مجادل، وتمت تصفيته بعدها. ويؤكد ذلك أن عمليات التصفية تحدث بشكل منظم. وبعد ساعات من مقتل فداء سليم، نجا أحد متزعمي عصابة عريقة من محاولة اغتيال قرب بلدته.
وتزامنت موجة الاغتيالات الجديدة مع إصدار مشيخة عقل الطائفة الدرزية في السويداء بياناً من الشيخين يوسف جربوع وحمود الحناوي، يحمل دعوة صريحة لإهدار دم من وصفهم بالمخالفين والمجرمين، وتسليمهم للنظام، مضيفاً أنه لا يحق لعائلاتهم المطالبة بالحق القانوني والعشائري، ولا يقام لهم مأتم في حال مقتلهم ولا صلاة "استناداً إلى العرف العشائري". كما دعا البيان من وصفهم بالجهات المعنية و"مؤسسات الدولة"، لتحمل مسؤولياتهم ومهامهم واتخاذ الإجراءات الضرورية لتطبيق القانون وردع المجرمين، كما حدد الجرائم التي تلحق العار بمرتكبها ويشملها البيان وهي القتل والخطف والسرقة والاعتداء على الأعراض والاتجار بالممنوعات وخصوصاً المخدرات وزراعتها.
هذا كله، ويعاني أهالي محافظة السويداء من أزمة معيشية خانقة نتيجة عجز النظام عن توفير الخدمات الأساسية خصوصاً الوقود والغاز، وباتت طوابير السيارات والمواطنين مشهداً يومياً وسط ازدياد حالة الاستياء الشعبي. لكن حالة الفوضى تشكل الهاجس الأكبر، حيث بدأت تحركات شعبية للمطالبة بضبط الأوضاع الأمنية، تمثلت في مظاهرة شارك بها حوالي 100 شخص في بلدة الكفر، واعتصامين للكوادر الطبية تنديداً بخطف طبيبين أحدهما مدير مشفى صلخد. وسط دعوات من ناشطين لتنظيم احتجاجات وسط المدينة، تنديداً بالحالة الأمنية المتردية، التي يمتص النظام من خلالها الاستياء من الأزمة المعيشية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها