يهدفُ المخطط الجديد لـ"الأمن العسكري" في المنطقة الجنوبية، إلى تسليح عشائر البدو في السويداء وعلى أطرافها، وتأليبهم على الفصائل المحلية الدرزية، مستغلاً التوترات بين الطرفين خلال السنوات الماضية.
واجتمع قبل يومين، جامل البلعاس، أحد شيوخ عشيرة الجراح وأبرز عملاء "الأمن العسكري" في السويداء، مع وجهاء عشائر بدو السويداء. وزعم البلعاس، أنه التقى رئيس مكتب "الأمن الوطني" علي مملوك في حماة، وحصل منه على تكليف بالشروع في تشكيل مليشيات مسلحة من عشائر الجنوب تتبع لـ"الأمن العسكري"، بهدف تأمين المنطقة الجنوبية، وحماية ابناء العشائر من أي انتهاكات في مناطق انتشارهم. ومن ضمن مهام المليشيات البدوية، وفق رواية البلعاس، محاربة "المليشيات الدرزية الخارجة عن القانون"، ووضع حد لها.
وقد لاقى طرح البلعاس انقساماً لدى وجهاء العشائر بين مؤيد لها من وجهاء حي المقوس وعشائر الريف الغربي الذين تعرضوا لانتهاكات على يد بعض الفصائل المحلية، ورافض لها كالشيخ أبو بشار غالب الفهيد أبرز وجهاء عشائر حي الحروبي في المدينة.
وبحسب مصادر "المدن"، فأن جامل البلعاس شرع في تنظيم طلبات انتساب بعض شباب البدو لصالح "الأمن العسكري"، عن طريق شقيقيه جراح وجلال، اللذين يستغلان تواجدهما في قرية البستان باللجاة، لاستقطاب أبناء المنطقة من العشائر وإغرائهم بالمكاسب المادية. ويتزعم البلعاس مليشيا في المنطقة منذ سنوات، منذ أن كان مديراً لمكتب رئيس "الأمن العسكري" السابق وفيق ناصر، المسؤول عن إطلاق يده في المنطقة. ويعتمد البلعاس في تمويل المليشيا، على عمليات تهريب المخدرات بين سوريا والأردن منذ سنوات، وتربطه علاقة متينة بتجار مخدرات لبنانيين يعملون لصالح "حزب الله".
الشخص الأكثر فاعلية وتأثيراً في اللجاة حالياً، هو القيادي السابق في "ألوية العمري" فيصل الصبيح، الذراع اليمنى لرئيس فرع "الأمن العسكري" لؤي العلي. ونجح الصبيح باستقطاب مئات الشبان لصالح "الأمن العسكري" أيضاً، ممن خضعوا لدورات تدريبية بإشراف خبراء من "حزب الله". وتزامن نشاط البلعاس في المنطقة، مع تزايد نشاط الصبيح في الآونة الأخيرة، والسعي لضم أكبر عدد من المقاتلين للمليشيا التابعة له، في ظل سباق محموم بين "الأمن العسكري" المدعوم إيرانياً، و"الفيلق الخامس" المدعوم روسياً، على النفوذ الأكبر في اللجاة.
وأكدت مصادر "المدن" أن قادة من "الفيلق" زاروا مؤخراً وجهاء من عشائر اللجاة، وحذروهم من الانجرار للمشاريع الإيرانية، مؤكدين أن باب الانتساب للفيلق مفتوح لأبناء المنطقة. وكان الفيلق خلف لجم نفوذ البلعاس و"الأمن العسكري" من ورائه، في محيط بصرى الشام، وقرب الحدود الأردنية. وقد أغلق "الفيلق" مقرات للعسكري، ووصلت حدة التوتر بينهما لاعتقال الفيلق جامل البلعاس، وضربه واهانته، ثم إطلاق سراحه.
لكن "الفيلق الخامس" خسر ملف بادية السويداء، لصالح "الأمن العسكري"، بعدما كان الملف في مراحله الأخيرة. "الفيلق" كان قد جهّز قوائم بأسماء العناصر الذين كان سيرسلهم لتثبيت النقاط وإجراء عمليات التمشيط في مناطق نشاط خلايا "داعش" في الكراع والدياثة. لكن "اللجنة الأمنية" في السويداء، اشترطت بأن تكون عودة سكان قرى منطقة الأصفر شمال شرقي السويداء، وعشائر البادية من درعا إلى مناطقهم، مقرونة بعدم وجود أي نشاط لـ"الفيلق الخامس" في السويداء وباديتها. واستغل "الأمن العسكري" ذلك بفتح باب الانتساب لأبناء المنطقة الراغبين بالعودة. ولا تزال أعداد العائدين إلى المنطقة محدودة جداً، كون قراهم غير مؤهلة للسكن.
"الأمن العسكري" بدأ أيضاً بالتعامل بطريقة استفزازية في مدينة صلخد، بعدما تمّ تعيين رئيس جديد لمفرزة المدينة يُلقب بـ"أبو يوشع"، خلفاً لرئيس المفرزة السابق الذي نُقل على خلفية اتهامه بالضلوع في اغتيال القيادي في "قوات شيخ الكرامة" وسام العيد. وبعد أيام قليلة من تسلم أبو يوشع مهامه في صلخد، أطلقت المفرزة النار بالأسلحة الخفيفة والرشاشات المتوسطة، مدعية تعرضها لاعتداء من "مجهولين"، وزاعمة ورود معلومات عن نية مجموعات "إرهابية" من درعا، بالاشتراك مع مسلحين من صلخد، مهاجمة المفرزة وقتل عناصرها. شهود عيان أكدوا لـ"المدن" عدم مشاهدتهم لغرباء عند إطلاق النار، لا بل أن عناصر المفرزة أطلقوا النار بشكل عشوائي وأصابوا بعض البيوت.
وقال مصدر مقرب من "قوات شيخ الكرامة" لـ"المدن"، إن رئيس المفرزة الجديد يحاول استفزازهم، ويتهم أفراداً منهم بالمشاركة في "الاعتداء" على المفرزة، مدعياً أن عنصرين من المفرزة أصيبا جراء الاعتداء. وهو الأمر الذي نفته مصادر طبية في المحافظة، إذ لم تستقبل المستشفيات أي مصابين من "الأمن العسكري". وأضاف المصدر أن وجهاء صلخد اجتمعوا مع "أبو يوشع"، وطلبوا منه مغادرة صلخد مع عناصره، في حال استمر باستفزازهم، تفادياً لوقوع مواجهات "لا تحمد عقباها"، خاصة بعدما أبلغ عناصر من "قوات الكرامة" وجهاء المدينة، بأن أي استفزاز جديد سيواجه بالقوة.
في الوقت ذاته، عرض رئيس "الأمن العسكري" لؤي العلي، على "قوات الفهد" تسوية اشترط فيها تسليمها حواجز في منطقة اللجاة، في محيط قرية دير داما. ورفضت "الفهد" ذلك لأن تواجدها في اللجاة ستجعلها هدفاً سهلاً، في ظل توتر العلاقات بين البدو والدروز، خصوصاً بعد هجوم "داعش" على السويداء.
كل تلك المؤشرات تدل على أن "الأمن العسكري" يعمل على خلط الأوراق في السويداء، عبر تسليح البدو وفتح باب الانتساب لهم إلى مليشيات موالية لإيران، وتعزيز نفوذهم على أطراف السويداء. وذلك قد يكون مقدمة لفتنة واقتتال بين مليشيات البدو وفصائل الدروز المحلية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها