تزايدت عمليات التهريب من سوريا إلى الأردن خلال السنوات الماضية، عبر المناطق الصحراوية، جراء تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا وانتشار شبكات تهريب منظمة في البلدين. وتنتشر على جانبي الحدود السورية الأردنية عشائر من البدو، يتولى بعض أفرادها إدخال المواد المهربة، ويرتبطون بأطراف مختلفة تتقاطع مصالحها، ومن بينها تنظيم "الدولة الإسلامية" وقوات النظام ومليشيا "حزب الله" اللبنانية.
حزب الله
مصادر "المدن" قالت إن أكثر بضائع التهريب رواجاً هي الحشيش والمخدرات، وبعض أصناف السلاح كالبنادق الآلية والذخيرة الروسية الحارقة "خطاط"، فضلاً عن تهريب المواشي. وتزايد تهريب المواشي بشكل ملحوظ خلال سنوات الحرب إذ يصل سعر رأس الغنم في سوريا إلى 200 دولار، في حين يتجاوز 350 دولاراً في الأردن. ويستغل المهربون تساهل السلطات الأردنية مع تهريب الماشية أحياناً، لإدخال المخدرات مخفية في صوف الغنم، كما يتسلل المهربون أحياناً بين قطعان الماشية العابرة للحدود.
وتؤكد مصادر "المدن" أن "حزب الله" هو المصدر الرئيسي للمخدرات التي تعبر من الأراضي السورية إلى الأردن، من خلال شبكات مترابطة يديرها قياديون في الحزب وضباط من قوات النظام يتولون إدخالها من لبنان إلى الجنوب السوري. وبعد ذلك يتم تسليم المخدرات لمليشيا "أمن الفرقة الرابعة" في السويداء، أو وسطاء من عشائر بدو السويداء، تكون مهمتهم نقل شحنة المخدرات إلى مهربين سوريين من البادية يقع على عاتقهم تأمين وصولها إلى الأردن بالتنسيق مع مهربين أردنيين. وعند نجاح العملية يجري تحويل ثمن الشحنة من الطرف الأردني إلى المصدر في لبنان عبر حسابات بنكية، وفي حال فشلت العملية يتم تحويل نسبة 15% من ثمن الشحنة فقط، ويتحمل تجار "حزب الله" الجزء الأكبر من الخسارة. الوسطاء السوريون، من ضباط أو مهربين، يحصلون عند انتهاء مهمتهم مباشرة على نسب لا تتجاوز 5% من ثمن الشحنة.
وليست الأردن الوجهة الوحيدة للمخدرات، بل تنتقل منها إلى دول الخليج ومصر والعراق.
أحد مهربي عشائر بدو السويداء المرتبطين بمليشيا "حزب الله" تعرّض للخطف قبل أيام، وطالب الخاطفون للافراج عنه بدفع فدية 200 ألف دولار. وقد تدخل على إثر الحادثة قياديون لبنانيون من الحزب، وتمّ إنشاء قناتي اتصال؛ الأولى مع مليشيات موالية للنظام تحاول البحث عن المخطوف وإطلاق سراحه بالقوة، والثانية للتفاوض مع الخاطفين بشكل مباشر لخفض المبلغ.
وكان الحاج "أبو ياسين"، العراب السابق للتهريب لدى "حزب الله" بين سوريا والأردن، قد قتل في العام 2018 على يد "قوات شيخ الكرامة" في السويداء، بعد سنوات من مقتل أحد أبنائه على يد السلطات الأردنية أثناء عملية تهريب.
داعش
شكلّت "داعش" شبكة مهربين من بدو بادية السويداء منذ سيطرتها على المنطقة في العام 2014، عملت على تهريب المحروقات والسلاح. وبعد خسارة التنظيم لآبار النفط شرقي سوريا، تركز عمل شبكة التنظيم على تهريب المخدرات والذخيرة بين سوريا والأردن والعراق. وتعود أرباح التهريب لتمويل خلايا "داعش" المنتشرة في البادية السورية. كما أن الدواعش يستهلكون الكبتاغون والترامدول بشكل كبير.
طرق التهريب
يعتمد المهربون على 3 طرق للتهريب من سوريا إلى الأردن؛ والطريقة الأكثر شيوعاً وخطورة منها معروفة باسم "الجو"، وهي تشير للأجواء السديمية المغبرة، خاصة في فصل الشتاء، والتي يستغلها المُهربون لعبور الحدود والتخفي عن نقاط حرس الحدود الأردني. ويُقتلُ سنوياً ما لا يقل عن 15 مهرباً سورياً وأردنياً، أثناء تسللهم بين الحدود، على يد حرس الحدود الأردني.
الطريقة الثانية تسمى "الفتوح"، وتدل على دفع مجموعة تجار مبالغ مالية باهظة لنقطة حدودية من الجانب السوري، في حال وجودها مقابل نقطة من الجانب الأردني، للتغاضي عن مرور المهربين لفترة زمنية محدودة لا تتجاوز 48 ساعة، تعبر خلالها شحنات كبيرة من المخدرات.
مُهرّبٌ من البادية، قال لـ"المدن"، إن "الفتوح" تعتبر الطريقة الأكثر ضماناً لسلامة المهربين وشحناتهم، لكنها تتم مرتين على الأكثر سنوياً نظراً للرقابة الشديدة من الجانب الأردني.
ويحاول بعض المهربين إدخال المخدرات بطريقة كلاسيكية عبر إخفائها في شاحنات النقل بالعبور، التي تنقل البضائع بين سوريا والأردن، من المعابر الرسمية. ونادراً ما تستخدم هذه الطريقة نتيجة وسائل التفتيش المتطورة في معبر "جابر" الأردني الحدودي، رغم تفنن المهربين بأساليب أخفائها.
أحد المهربين كشف لـ"المدن"، عن مناطق حدودية بين سوريا والأردن يحاول المهربون العبور منها، أبرزها الفراغات الصحراوية في بادية الحماد بين منطقة التنف وبادية السويداء، التي انسحبت منها فصائل المعارضة في العام 2017 إلى مخيم الركبان. ولم تتمكن قوات النظام من الانتشار في تلك الفراغات نتيجة تعرضها للقصف من قوات "التحالف الدولي". وتمتد الفراغات من المخفر الحدودي رقم 200 أقصى جنوب شرق بادية السويداء، أخر نقاط انتشار قوات النظام، إلى منطقة 55 الواقعة تحت نفوذ "التحالف الدولي". هذا بالإضافة إلى منطقة حدودية تقع جنوب شرقي قرى الشعاب وملح والعانات في بادية السويداء، بتسهيل من ضباط تابعين لـ"الفرقة 15".
كما تنشط مجموعات تهريب في مخيم الركبان، الذي يعاني قاطنوه من حصار خانق تفرضه قوات النظام لمنع دخول المواد الغذائية والطبية للمخيم. قوات النظام تتساهل مع تهريب الأسلحة والمخدرات، إلى الركبان. وقال مصدر في المخيم لـ"المدن" بوجود شبكات منظمة من المهربين داخله، ترتبط بـ"داعش" وقوات النظام والمليشيات الإيرانية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها