تبالغ المعارضة في الترويج لاندماج فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" بصفوف "الجيش الوطني" التابع لوزارة الدفاع في "الحكومة المؤقتة". وتقول إن الاندماج "خطوة تاريخية مهمة" من المفترض أن تُحدِثَ تغييراً في مسارات العمل السياسي والعسكري لصالح المعارضة. في حين يشكك معارضون بقدرة الفصائل على الاندماج بشكل عملي، ومدى قابليتها للانصهار تحت مسمى جامع ومنظم، بعدما فشلت في ذلك خلال السنوات الماضية.
لا تفاصيل رسمية حتى الآن عن الأهداف وآليات الاندماج وتوزع فصائل "الجبهة الوطنية" على الفيالق الأربعة، ولم تذكر وزارة الدفاع في "المؤقتة"، كم سيستغرق ذوبان الفصائل ضمن الفيالق، وتخليها عن مسمياتها لصالح التمكين الفعلي للوزارة في الإدارة والتنظيم العسكري، والولاء لها لوحدها بدلاً من الولاءات القديمة للقادة التقليديين. الثابت أن هذه الخطوة تحقق مصالح مشتركة للمعارضة وتركيا.
لماذا أورفا؟
قبل يوم واحد من إعلان "المؤقتة" في اورفا التركية عن اندماج فصائل "الجبهة الوطنية" في صفوف "الجيش الوطني"، كان رئيس "المؤقتة" عبدالرحمن مصطفى، ووزير الدفاع سليم ادريس، في جولة مطولة على مناطق في ريف حلب، رافقهم فيها عدد كبير من الضباط الذين ظهروا في بيان أورفا. ورغم ذلك، لم تعلن "المؤقتة" عن الاندماج في مقرها قرب بلدة الراعي بريف حلب الشمالي، بل اختارت لذلك مدينة أورفا جنوبي تركيا، والتي تقع قبالة مناطق سيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية في الجانب السوري، شرقي الفرات.
وبدا اختيار أورفا لإعلان بيان "المؤقتة" مقصوداً، ويحمل دلالات عديدة، أهمها، التلميح باقتراب المعركة ضد "وحدات الحماية" شرقي الفرات. وهي خطوة تشبه إلى حد ما الخطوات التي تم اتخاذها قبل معركة "غصن الزيتون" في ريف حلب، والتي سبقها بأشهر تشكيل "الجيش الوطني" بدعم تركي في كانون الأول 2017. ويحقق الاندماج لوزارة الدفاع في "المؤقتة" ثقلاً سياسياً وعسكرياً، وربما اعترافاً جزئياً يمكن لتركيا الاستفادة منه ضد "قوات سوريا الديموقراطية".
مصدر عسكري معارض، أكد لـ"المدن"، أن معركة "الجيش الوطني" المقبلة والأهم، ستكون شرقي الفرات ضد "قسد"، وأن الإعلان عن اندماج هذا العدد الكبير من مقاتلي الفصائل المعتدلة بالقرب من مركز العمليات المشتركة التركي-الأميركي في أورفا جنوبي تركيا، هو تهديد مباشر باقتراب موعد شنّ معركة برية جُهّزَت لها أعداد ضخمة من المقاتلين تفوق قدرات "وحدات الحماية".
للمعارضة مصلحة؟
يحقق الاندماج في صفوف "الجيش الوطني" مصالح عديدة لفصائل "الجبهة الوطنية"، حتى وإن بقي شكلياً ولم ينتقل سريعاً إلى المراحل العملية. ومن المفترض أن تحصل الفصائل على دعم مالي تركي منظم بعد الاندماج، وتغطية رواتب لأكثر من 30 ألف مقاتل في صفوفها، يعانون من الصرف المتقطع لرواتبهم الشهرية التي لا تتجاوز 10 آلاف ليرة سورية في بعض الشهور. وتتوقع المعارضة المزيد من الدعم التركي في معاركها ضد مليشيات النظام الروسية في ادلب خلال الفترة اللاحقة.
الاندماج مصلحة كبيرة للفصائل الإسلامية في "أحرار الشام" و"جيش الأحرار" و"صقور الشام" و"تجمع دمشق"، ما ينقذها من خطر التصنيف الروسي بـ"الإرهاب"، وينهي أي علاقة لها مع "هيئة تحرير الشام". ويفرض الاندماج الكبير المزيد من الضغوط على "تحرير الشام"، ويزيد من عزلتها إلى جانب فصيلين صغيرين قد يلتحقا قريباً بالفصائل المندمجة، هما "جيش العزة" و"كتائب الفتح"، أو يواجها مصيراً كمصيرها.
ومن المبكر الحديث عن مواجهة مع "تحرير الشام". إذ أن تفعيل وزارة الدفاع في "المؤقتة" وتحقيق الاندماج والتنظيم الفعلي للفصائل تحت مظلتها يحتاج لزمن طويل، وخلال ذلك من المفترض أن تركز مساعي المعارضة وتركيا على إيجاد حل سلمي مع "تحرير الشام"، وإقناعها بحل نفسها وضم مقاتليها إلى صفوف فيالق "الجيش الوطني"، وحل "حكومة الإنقاذ" التابعة لها لصالح توسيع "الحكومة المؤقتة". وإن لم تستجب "تحرير الشام" فالمواجهة بين الطرفين حتمية.
الجيش الوطني
لم تذكر وزارة الدفاع التابعة لـ"المؤقتة" الأعداد الحقيقية لمقاتلي "الجيش الوطني" بعد اندماج فصائل "الجبهة الوطنية"، ويقول قادة في المعارضة إن العدد يصل إلى 100 ألف مقاتل سيتوزعون على سبعة فيالق. وهذا العدد مبالغ فيه، ولكن يمكن أن يصل إلى 150 ألف مقاتل في وقت قياسي في حال دعمت تركيا وزارة الدفاع بصرف الرواتب، إذ توجد أعداد كبيرة من الشبان العاطلين عن العمل يرغبون بالعمل المسلح في صفوف "الجيش الوطني" في حال توافرت رواتب مغرية ومنتظمة.
الناطق باسم "الجبهة الوطنية" النقيب ناجي مصطفى، أكد لـ"المدن"، أن الاندماج تحت مظلة وزارة الدفاع في "المؤقتة" خطوة هامة في إطار التنظيم العسكري لفصائل المعارضة، وسينعكس ايجاباً على الفصائل وينقلها من حالة الفصائلية إلى العمل الجماعي ويدعم موقفها السياسي والعسكري. وبحسب مصطفى، ستتم عمليات دمج الفصائل وتوزيعها على الفيالق الأربعة، خلال المباحثات المستمرة في وزارة الدفاع، وستكون عملية الدمج على مراحل متعددة.
مصادر في المعارضة أكدت لـ"المدن"، أنه من المفترض توزيع الفصائل على الفيالق الأربعة كالتالي: "فيلق الشام" سيأخذ اسم الفيلق الرابع، والفصائل الإسلامية في "أحرار الشام" و"صقور الشام" و"تجمع دمشق" و"جيش الأحرار" ستكوّن الفيلق الخامس، وبقية فصائل "الجبهة الوطنية" سيجري توزيعها على الفيلقين السادس والسابع.
لا تبدو مهمة اندماج الفصائل في "الجيش الوطني" سهلة، فالجيش المشكل منذ كانون الأول 2017، ما يزال شكلياً حتى الآن، ومسميات الفيالق فيه لم تلغِ مسميات الفصائل وتبعيتها الحقيقية لقادة الفصائل التقليديين ومجالس الشورى فيها. وعندما يحين تسليم الرواتب يتم تسليمها لقادة الفصائل دون الرجوع لوزارة الدفاع، التي ظلت وزارة بلا عمل طيلة السنوات الماضية.
تنقسم الفصائل في "الجيش الوطني" إلى نوعين؛ الفصائل ذات المرجعية الواحدة، أي القائد المؤسس، حيث يكون الفصيل أشبه بملكية خاصة، تعود ملكية العتاد الحربي والمقار والمركبات لقائده، الذي من الصعب أن يتنازل عن منصبه لحساب ضابط منشق ترسله وزارة الدفاع في "المؤقتة". أما النوع الثاني، فهو الفصائل الإسلامية، وتكون فيها تبعية الفصيل لمجموعة من الأشخاص بينهم القائد العام، وهؤلاء يشكلون "مجلس الشورى"، وهنا مسألة القبول بالاندماج الكلي تحت مظلة وزارة الدفاع تبدو أعقد من النوع الأول من الفصائل.
موقف "تحرير الشام"
لم تعلق "تحرير الشام" بشكل رسمي على الاندماج في "الجيش الوطني"، ولكن قادة وشرعيين بارزين فيها عبروا عن خيبة أملهم من انضمام فصائل "الجبهة الوطنية" مع الفصائل التي أسموها بـ"المرتزقة والتابعة"، وقالوا إن الخطوة لن تؤثر على "تحرير الشام" التي "ستستمر في جهادها" من دون أن تتبع لأي جهة دولية. وبهذا، تكون "تحرير الشام" قد خسرت فرصة الاندماج مع "الجبهة الوطنية"، وهي الأن أمام ضغوط أكبر ربما تتضح في الفترة المقبلة ميدانياً.
بدت "تحرير الشام" على المستوى الرسمي مطمئنة، وبدا أنها تدرك بأن الاندماج لن يكون موجهاً ضدها في الوقت الحالي على الأقل، وسيكون التركيز على مناطق شرق الفرات، وسيخدم بالدرجة الأولى المساعي التركية على الجبهتين، مع روسيا والولايات المتحدة الأميركية. وخلال هذه الفترة لدى "تحرير الشام" فرصة للتحرك بخطوات جديدة قد تعيد لها ثقلها الذي سرقه اندماج المعارضة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها