يسود الجدل بين أطياف المعارضة حول بنود وثيقة الاتفاق التركي-الروسي، والتوقف المفاجئ للعملية العسكرية "نبع السلام" قبل تحقيق أهدافها المفترضة. وتطالب المعارضة وزارة الدفاع في "الحكومة المؤقتة" وقيادة "الجيش الوطني" بتوضيح سبب القبول بالاتفاق الذي وصفوه بـ"الكارثي"، والذي يضمن لمليشيات النظام الروسية سيطرة واسعة، ويبدد آمال العودة لمئات الآلاف من المهجرين والنازحين إلى مناطقهم في منبج وتل رفعت والرقة وديرالزور والحسكة شرقي الفرات.
"الجيش الوطني" صامت
صدرت تصريحات قليلة من قبل قادة "الجيش الوطني" حول الاتفاق التركي-الروسي، ومعظم التصريحات الصادرة تدعو للتريث وعدم الاستعجال في إطلاق الأحكام السوداوية حول الاتفاق، والتوقف عن وصفه بـ"الخسارة المدوية" للمعارضة وإنه يصب كلياً في مصلحة النظام. وعلى الأغلب ليس لدى الفصائل ولا وزارة الدفاع في "الحكومة المؤقتة" تفسيرات واضحة للبنود الواردة في الوثيقة المعلنة، لذلك تفضل الصمت وتمتنع عن التصريح بشكل رسمي، وتبدو عاجزة بالفعل عن طمأنة أنصارها الغاضبين. وهي في انتظار انقضاء مهلة 150 ساعة التي حددها الاتفاق لتنكشف بنوده، وإمكانية تطبيقه من عدمها.
المعارضة: الفصائل تتحمل المسؤولية
دعا ناشطون سوريون لوقفات احتجاجية في ريف حلب، الخميس والجمعة، وسيشارك فيها مُهجّرون من منبج وتل رفعت، لمطالبة تركيا بإيضاحات حول بنود الاتفاق وتوقف العملية العسكرية، وتوضيح مصير المناطق الحدودية شرقي وغربي الشريط تل أبيض-رأس العين، والمناطق العربية التي كان من المفترض أن تشملها "نبع السلام".
ويبدو أن المعارضة هي الخاسر الأكبر من الاتفاق، ويبدو أنها صدمت بالفعل ببنوده، ولم تكن تتوقع أنها ستخسر الأمل الأخير في استعادة تل رفعت ومنبج بعد اعتراف الاتفاق بسيطرة مليشيات النظام الروسية عليها. وبسيطرة المليشيات على عين العرب لم يعد هناك إمكانية للاتصال البري بين مناطق سيطرة "نبع السلام" شرقي الفرات ومناطق ريف حلب.
وتُحمّلُ المعارضة الفصائل المشاركة في "نبع السلام" جزءاً كبيراً من المسؤولية لأنها كانت السبب في مكاسب النظام المفترضة. وتقول المعارضة إن الفصائل لا تتعلم من تجاربها السابقة، وكان من المفترض فتح محاور القتال في الداخل بالتزامن مع المحاور التي انطلقت من الجنوب التركي، لأن فرضية الانسحاب الأميركي المفاجئ واستغلال النظام لها كانت متوقعة، وكان من الممكن قطع الطريق على النظام. وقد تعرضت المعارضة للخديعة ذاتها في عملية "درع الفرات" عندما انسحب تنظيم "الدولة" أمام تقدم مليشيات النظام من المنطقة الصناعية شرقي المدينة ووصولها الى مشارف مدينة الباب ما أغلق الطريق على المعارضة ومنعها من التوغل جنوباً.
هل تبقى "الإدارة الذاتية"؟
من المفترض أن يضمن الاتفاق لتركيا انسحاب "وحدات حماية الشعب" الكردية من ريف حلب، ومن أهم معاقلها جنوبي عفرين وجنوب شرقي إعزاز ومن محيط مارع وصولاً إلى الأطراف الغربية من منطقة الباب. وستكون "الوحدات" بحسب الاتفاق مجبرة على سحب المظاهر المسلحة كاملة من 30 قرية وبلدة ومزرعة على الأقل، أكبرها في تل رفعت.
ويتوجب عليها الانسحاب من خطوط التماس مع المعارضة كاملة، والتي ستسلمها لمليشيات النظام الروسية. وسيبقى بامكان "الوحدات" الاحتفاظ بسلاحها في منطقة محدودة قرب مخيم الشهباء في فافيي وحاسين وتل قراح وتل شعير وتل جيجان وأطراف كلية المشاة.
وتطالب "الوحدات" بأن تبقى "الإدارات الذاتية" على وضعها الحالي في البلدات التي ستنسحب منها عسكرياً، تطبيقاً للاتفاق العسكري بين مليشيات النظام و"الوحدات" الذي يشمل مختلف مناطق سيطرة الأخيرة شرقي وغربي الفرات.
وترفض "الوحدات" الانسحاب من جبهات جنوبي عفرين وريف حلب عموماً، وتطالب باستثناء المنطقة من الاتفاق التركي-الروسي، وتطلب أن تبقى المنطقة خاضعة للاتفاق العسكري الذي شمل أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب والريف الشمالي بداية تشرين الأول/أكتوبر.
ومنذ صدور وثيقة الاتفاق صعّدت "الوحدات" عملياتها ضد المعارضة، ونفذت عمليات تسلل وقصف استهدف مواقع المعارضة والمدن والبلدات المدنية في ريف حلب، وقتلت 4 عناصر من "الجيش الوطني" في خطوط التماس الممتدة بين مارع واعزاز غرباً. واستهدفت المدفعية التركية مواقع "الوحدات" بعشرات القذائف المدفعية رداً على التصعيد.
ويشمل انسحاب "الوحدات" عسكرياً مناطق منبج غربي الفرات وعين العرب شرقه، وصولاً إلى أطراف مناطق سيطرة "نبع السلام" في تل أبيض، وإلى الشرق من رأس العين، وبعمق 32 كيلو متراً. وتطالب "الوحدات" أيضاً أن لا يشمل الانسحاب العسكري منبج لأنها تتخوف من تسليمها في مرحلة لاحقة لـ"الجيش الوطني". وينص الاتفاق العسكري بين مليشيات النظام و"الوحدات" على عدم إقامة مقرات عسكرية للنظام داخل المدن والبلدات التي تريدها خاضعة لـ"الإدارة الذاتية" ضمن منطقة 32 كيلومتر، وكذلك في الرقة والطبقة وغيرها من مناطق العمق جنوباً، شرقي الفرات.
لم تشر وثيقة الاتفاق التركي-الروسي إلى الجهة التي من المفترض أن تسيطر في مناطق الـ32 كيلومتر التي سيشملها الانسحاب العسكري لـ"الوحدات"، ولا في منبج وتل رفعت. ولن تسمح تركيا ببقاء المنطقة تحت سلطة "الإدارة الذاتية" ولا تريد كذلك الاعتراف بسيطرة النظام. كما أن مطلب الإبقاء على "الإدارة الذاتية" لا يمكن أن تتنازل عنه "الوحدات" في الوقت الحالي، وربما يدفعها إلى رفض الالتزام بالاتفاق. وهو ما تراه المعارضة فرصة للنجاة من الاتفاق الكارثة الذي يصب في صالح النظام باعتباره الرابح الأكبر من الاتفاق.
رفض تطبيق الاتفاق من جانب "الوحدات" بالشكل الذي يُرضي تركيا، قد يدفع باتجاه استئناف المعركة، ولكن هذه المرة نحو منبج وعين العرب وتل رفعت، التي تتيح السيطرة عليها وصل منطقة "نبع السلام" شرقي الفرات بـ"درع الفرات" غربه، وهو تحرك قد تدعمه روسيا مقابل مكاسب لها في أماكن وملفات أخرى.
ادلب والاتفاق التركي-الروسي
على الرغم من التصريحات الروسية المتضاربة بشأن بنود الاتفاق إلا أنها لا تعكس الرؤية المشتركة الروسية-التركية. ويبدو أن تطبيق الاتفاق بين الجانبين سيكون على مراحل، والأهم في المرحلة الأولى إبعاد سلاح "الوحدات" من منطقة الـ32 كيلومتراً، والانتقال للمراحل التالية؛ حل "الإدارة الذاتية"، وتأسيس مجالس مشتركة، ومن ثم انسحاب مليشيات النظام من منبج وعين العرب وتل رفعت ومناطق سيطرة "الوحدات" في أطراف عفرين. في المقابل، قد تتقدم مليشيات النظام الروسية وتسيطر على منطقة خفض التصعيد في محيط ادلب، وتسيطر على ما تبقى من الطريق الدولي بين حلب وخان شيخون.
فرضية المقايضة، بدت واقعية بعد زيارة رئيس النظام بشار الأسد، إلى بلدة الهبيط جنوبي ادلب، والتي تزامنت مع اجتماع الرئيسين التركي والروسي. وخلال الزيارة استمع الأسد لشرح مفصل من القادة العسكريين حول العملية المحدودة المفترض انطلاقها في أي لحظة للسيطرة على منطقة خفض التصعيد. وفي الخريطة تمت الإشارة الى "هيئة تحرير الشام" بأنها هي التي تسيطر على المنطقة المفترض استهدافها. ومناطق العمق بحسب خريطة النظام، تخضع لسيطرة وزارة الدفاع في "المؤقتة" و"الجيش الوطني". ومن المحتمل أن تكون المرحلة الأخيرة من التفاهم التركي-الروسي تنفيذ عملية عسكرية لـ"الجيش الوطني" في ادلب تستهدف "تحرير الشام".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها