عبر شبكة زبائنية من الأقرباء والموالين، وعلاقات متينة مع الأجهزة الأمنية، سيطر مفتي الجمهورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون، على المؤسسة الدينية الرسمية في حلب، بشكل كامل، حتى باتت نسخة على شكله ومثاله.
والتقى مفتي النظام، خلال الأسبوعين الماضيين، معظم مشايخ وأئمة وخطباء المساجد والجوامع في حلب، كما التقى مدير الأوقاف في المدينة الشيخ محمد رامي العبيد، والموظفين والمسؤولين في المديرية. جولة حسون شملت أيضاً الإفتاء التي يترأسها الشيخ محمود عكام. واستقبل حسون في جامع أسامة بن زيد مدرسي وأساتذة كلية الشريعة في جامعة حلب ومدرسي المدرسة الكلتاوية "النبهانية" في حي باب الحديد وسط حلب القديمة.
وكان المفتي حسون قد زار حلب أكثر من مرة خلال العامين الماضيين بعدما سيطرت مليشيات النظام على أحيائها الشرقية أواخر العام 2016. لكن تلك الزيارات كانت سريعة بهدف المشاركة في الفعاليات الرسمية التي أقامتها فروع الأجهزة الأمنية وفرع "حزب البعث" في المدينة. الزيارة السريعة الأخيرة لحسون إلى حلب كانت في احتفالات "عيد الجلاء"، في منتصف نيسان/أبريل، برفقة مستشارة بشار الأسد بثينة شعبان، ووزيري السياحة والثقافة.
وظهر حسون خلال زياراته القصيرة إلى حلب خلال الفترة الماضية إلى جانب ضباط مليشيات النظام، وقادة فروع "الأمن السياسي" و"الأمن العسكري" و"المخابرات الجوية"، وحرص على أن يخطب الجمعة في كل زيارة في مسجد الروضة في الأحياء الغربية. ويتولى الخطبة والإمامة في مسجد الروضة، بشكل دائم، أكبر أبناء حسون. خطب المفتي المعتادة حرصت على حشد التأييد للنظام في أوساط أثرياء حلب، وطمأنتهم على سلامة مصالحهم.
زيارة حسون الأخيرة كانت الأطول إلى حلب، وتوجهت بشكل خاص نحو المؤسسة الدينية في المدينة، التي لطالما عمل حسون على تطهيرها خلال السنوات الماضية من المعارضين للنظام، والمنافسين له، مستفيداً من علاقاته الوثيقة بقادة الأجهزة الأمنية. الأمر الذي سهل على المفتي مهمة القضاء على منافسيه وملاحقتهم واعتقالهم، كما حصل مع الشيخ يوسف محمد سعيد هنداوي، والشيخ إبراهيم محمود الخوجة، والشيخ محمود علاء الدين، والشيخ أحمد طلحة، أو دفعهم للهجرة خارج سوريا في أحسن الأحوال كما جرى مع مدير أوقاف حلب السابق الشيخ صهيب الشامي، والذي يعتبر في رأس قائمة منافسي حسون. الأمر ذاته تكرر مع المدير السابق للمدرسة الشرعية "الكلتاوية" الشيخ محمود حوت.
وعرف عن الشيخ صهيب الشامي، الذي ترجع أصوله إلى مدينة الباب، دفاعه عن مشايخ حلب أمام اعتداءات الأجهزة الأمنية، عندما كان فيها مديراً للأوقاف. ويعود إليه الفضل في حصول المدارس الشرعية في المدينة على هامش من الحرية والحصانة، وفي الحدّ من ظاهرة التشيّع. الشامي خسر جولة التنافس أمام حسون، وعلى إثر ذلك جمع حسون منصبي "مفتي حلب" و"مدير أوقاف حلب" خلفاً للشامي، قبل أن يصبح في العام 2005 مفتي الجمهورية العربية السورية.
واستفاد حسون من ولاء مجموعة كبيرة من المشايخ المقربين منه للإمساك بالمؤسسة الدينية في حلب، وهم في الغالب من آل حسون المنحدرين من قرية ياقد العدس، ويزيد عددهم عن 12 شيخاً، وهم أبناء وأحفاد الشيخ محمد أديب حسون، أحد مشايخ حلب البارزين. وكان الشيخ أديب، على عكس ابنه المفتي، لا يحب التقرب من السلطة، محبوباً في أوساط أهالي حلب وريفها، وتوفي في العام 2008.
حسون وزّع الأبناء والأحفاد المقربين منه على أهم مفاصل العمل الديني والشرعي في حلب؛ في مؤسستي "الإفتاء" و"الأوقاف". وفي الوقت ذاته، تسلم هؤلاء إدارة وخطابة وإمامة أهم وأكبر مساجد وجوامع المدينة في الأحياء الغربية، حيث الأموال الوفيرة التي كانوا يجمعونها من الزكاة من التجار والصناعيين هناك خلال سنوات الحرب الماضية.
وتولى المشايخ من آل حسون، مهمات أمنية إلى جانب عملهم الديني في المدينة، وكانوا على تواصل دوري مع قادة الأجهزة الأمنية منذ أواخر العام 2012 وحتى سيطرة النظام على الأحياء الشرقية نهاية العام 2016. وفي الوقت ذاته كان المفتي حسون، على اطلاع مباشر على أحوال مؤسستي "الإفتاء" و"الأوقاف" في حلب، وكامل المدارس الشرعية والجوامع، ويتم تزويده بتقارير شهرية، بالإضافة إلى الإشراف على ملف الزكاة القسرية التي كان يدفعها التجار في حلب لدعم المؤسسة الدينية الموالية للنظام واستمرار أنشطتها الأمنية بين الأهالي.
المهمات الأمنية التي كُلّفَ بها مشايخ آل حسون في حلب استمرت خلال العامين الماضيين بشكل أكبر من السابق، مع توليهم مسؤولية اختيار ومراقبة عمل المساجد والجوامع في الأحياء الشرقية، وانتداب مشايخ ثقاة على تواصل معهم لتزويدهم بتقارير أمنية من المناطق المُسيطرِ عليها حديثاً بعدما كانت خاضعة للمعارضة المسلحة.
ويتهم الشيخ صهيب الشامي، وعدد من مشايخ "المدرسة الكلتاوية" في حلب، المفتي حسون، بأنه دجال، ويوجهون له وللمقربين منه ولمفتي حلب الشيخ محمود عكام، اتهامات بتلقي الدعم من الإيرانيين، وبالمسؤولية عن انتشار التشيع في حلب، وتسهيل عمل الأنشطة التي تقوم بها المليشيات الشيعية بعد اجتياحها حلب الشرقية، وانشاء حسينيات في حي مساكن هنانو، وفي دير حافر، بعلم وإذن مديرية أوقاف حلب.
"المدرسة الكلتاوية" كانت قد افتتحت في العام 1964، ومؤسسها الشيخ محمد النبهان. و"كلتاوية" كلمة تركية تعني تل الزهور. المدرسة بنيت على أنقاض مدرسة شرعية كان قد أنشأها أحد أمراء العثمانيين في حي باب الحديد بحلب القديمة، سنة 767هجري، وطلابها ومعلموها من المذهب الحنفي. وتوقفت المدرسة القديمة في 1877 ميلادي، وأعيد بناؤها بشكلها الجديد على يد الشيخ النبهان، الذي أسس أيضاَ "دارِ نهضةِ العلومِ الشرعية" والتي تكفلت بتمويل المدرسة من خلال جمع التبرعات من تجار حلب. وكانت المدرسة تحت سيطرة المعارضة المسلحة منذ منتصف العام 2012 وحتى أواخر العام 2016، وتعرضت خلال الفترة ذاتها لاعتداء من قبل "جبهة أنصار الدين" التي نبشت قبور الشيخ النبهان وعائلته وأقربائه، باعتباره أحد أعلام الصوفية في حلب.
مقربون من مفتي النظام في حلب تداولوا خلال الأيام القليلة الماضية صوراً يتوسط فيها حسون جلسة مشايخ آل حسون، وصوراً له أثناء زيارته إلى المدرسة "الكلتاوية" في حي باب الحديد، حيث كان في استقباله هناك عدد كبير من المشايخ الذين تسلموا الإدارة الجديدة للمدرسة الشرعية التي يوجد فيها ضريح مؤسسها الشيخ محمد النبهان. المفتي زار ضريح النبهان الذي تم ترميمه مؤخراً، وتحدث في اليوم التالي، خلال لقائه مع فعاليات دينية إسلامية ومسيحية، عن وصايا الشيخ النبهان الذي يحبه أهالي حلب.
المفتي أراد إيصال رسالة لعدد كبير من مشايخ حلب المعارضين للنظام والذين تخرجوا من المدرسة "الكلتاوية": ها هي مدرستكم، وحلب بمشايخها وجوامعها، تحت عباءتي.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها