قُصفت مدينة السويداء، صباح الثلاثاء، بقذائف الهاون، وطال القصف أحياء مكتظة بالمدنيين، ومنها القلعة والنهضة والخزانات، واقتصرت الأضرار على المادية منها، من دون وقوع إصابات بشرية.
وبعد سقوط القذائف مباشرةً سارعت الماكينة الإعلامية للنظام، عبر شبكاتها الإخبارية في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى اتهام فصائل المعارضة المسلحة التي وصفتها بـ"الجماعات الإرهابية"، بإطلاق تلك القذائف على المدينة.
وقالت مصادر خاصة من مدينة السويداء لـ"المدن" إنّ القصف مصدره أراضي السويداء، ومنها موقع عسكري تابع لقوّات النظام غربي السويداء. ولا يسمح مدى القذائف لها بالوصول من ريف درعا الشمالي الشرقي إلى مدينة السويداء، ما دفع بعض الناشطين في المحافظة إلى التندر ووصف القذائف بـ"الهاون العابر للقارات"، محمّلين المسؤولية للأجهزة الأمنية وعملائها من أبناء المحافظة.
وبالتزامن مع انطلاق أي معركة في محافظة درعا، غالباً ما يعمد النظام إلى تحشيد أبناء السويداء عبر اختلاق حدث ما يهدد أمنهم، ثم تسارع ماكينة النظام الأمنية الإعلامية إلى تحميل "الجماعات المسلحة الإرهابية" المسؤولية عن تهديد أمن المحافظة. وذلك ما حصل مع إطلاق القذائف على مدينة السويداء في حزيران/يونيو 2015، بالتزامن مع معركة مطار الثعلة. ويومها سارعت الصفحات الإعلامية المدارة من الأجهزة الأمنيّة في المحافظة إلى إلصاق التهمة بالبدو من سكان المحافظة، فاستنفرت "حركة رجال الكرامة" لمسح وتمشيط الحرش شرقيّ مدينة السويداء، ورصدت مصادر قذائف الهاون التي استهدفت المدينة، وتبيّن أنّ القصف مصدره مواقع مقرّ "الفوج 44" التابع لـ"القوّات الخاصّة" المتموضع مقابل "نادي الرماية" على طريق قنوات. كما تمّ رصد مصدر آخر من أرض الضمنة التي يتواجد فيها بدو ينتمون إلى مجموعة "جامل البلعاس" الذي يتبع إلى رئيس فرع "الأمن العسكري" السابق وفيق ناصر. وبعدها قامت مليشيا محليّة تابعة للأجهزة الأمنيّة باعتقال ثلاثة من البدو من حي المشورب، وتعذيبهم حتى الموت، لإشعال نار الفتنة بين البدو والدروز، إلّا أنّها فشلت في ذلك حينها.
من جهة أخرى، رآى ناشطون أنّ هذه القذائف كانت عقابية، بهدف معاقبة "رجال الكرامة" في قرية المزرعة. فقد سبق القصف، الإثنين، دخول أرتال عسكريّة لقوات النظام وصفت بـ"الضخمة"، من دمشق إلى الريف الغربي والشمالي الغربي في محافظة السويداء، تمهيداً لفتح الجبهة الغربية في معركة درعا. وبحسب شهود من المنطقة، فإن الأرتال كانت تُقلُ آليات ثقيلة من دبابات ومصفحات وناقلات جند، ومدافع 12.5 و14.5 و23، وقوة عسكرية كبيرة مزودة بأسلحة خفيفة. معظم آليات الأرتال كان مكتوباً عليها "قوّات النمر". ودخلت هذه الأرتال قرى داما ولبين وجرين والدور ودويرة والطيرة وحران، وتوجه أحدها إلى قرية المزرعة المعقل الرئيس لقوّات "الكرامة"، فقامت مجموعة من "رجال الكرامة" باعتراض طريق الرتل ومنعته من المرور والتمركز على أطراف البلدة. وعلى الرغم من عدم حدوث مواجهات عسكرية بين الطرفين، إلّا أنّ الرتل العسكري غيّر وجهته وعاد إلى مطار الثعلة العسكري.
وبعد ذلك، اندلعت اشتباكات بين فصائل المعارضة وقوّات النظام في "كتيبة حران"، قتل فيها ضاهر السويلم المدلجي من "تجمع ألوية العمري" المعارض، وسميح شاهر خيزران من قوات النظام، بالتزامن مع قصف بالمدفعية على قرى ريف محافظة درعا الشرقي، من نقاط تل حديد ونبع عرى و"كتيبة حران" ومطار الثعلة في السويداء، وردّت قوات المعارضة في درعا بقصف مصادر النيران.
وشهدت قرى ريف السويداء الغربي؛ داما والدور والدويرة والطيرة وحران وجرين ولبين والمجيمر، موجة نزوح، تخوفاً من الأعمال الحربية والقصف؛ ونزح البعض إلى بلدة عريقة، وقسم منهم اتجه إلى البلدات المجاورة الأكثر أماناً، وإلى مدينة السويداء. وذكر مصدر من قرية حران لـ"المدن"، أنهم أخرجوا النساء والأطفال من القرية ولم يبقَ فيها سوى الرجال. بينما أغلقت قوّات النظام منافذ قرية صما الهنيدات، ومنعت خروج ودخول إي شخص إليها، في خطوة استهجنها معظم أهالي السويداء. فمنهم من رأى فيها عقاباً لشيخ البلدة وعميد عائلة آل هنيدي أبو معين جمال هنيدي، لما يربطه من علاقات طيبة مع أهالي القرى المجاورة في درعا، ومنهم من رأى فيها خطوة لاتخاذ أهالي البلدة دروعاً بشرية في المواجهات المرتقبة. وآخرون وجدوا فيها تمهيداً لقطع الإمداد عن محافظة درعا ومحاصرتها.
وحدث هذا النزوح على الرغم من رسائل الطمأنة التي بعثتها فصائل الجيش الحر إلى أبناء محافظة السويداء؛ إذ أصدرت فصائل الجيش الحر التابعة لـ"الجبهة الجنوبية"، الثلاثاء، بياناً وجّهته إلى أهالي السويداء، جاء فيه: "انطلاقاً من حرصنا على وحدة المصير في سوريا الموحدة بأبنائها، فإننا في حوران عسكريين ومدنيين نهيب بأهلنا في السويداء بألا يكونوا طعماً لتحقيق أهداف النظام والمليشيات الطائفية التي تحاول احتلال الأرض وتفريق الأهل، الذين طالما كانوا الهدف الصعب ضد قوات الاحتلال عبر سنوات التعايش السلمي". وأكد البيان على "تجديد الوفاء للأرض السورية من الجنوب إلى الشمال وصولاً إلى الدولة المدنية التي تحترم الحقوق والحريات وتؤسس للعدالة، لافتاً إلى أن أحرار حوران إذ يقومون بالتصدي لعدوان إيران ومليشياتها، فهذا يأتي في سياق الدفاع عن الثورة". ودعا البيان أهالي السويداء لأن "يتنبهوا لاستخدام أبنائهم وقوداً لمشروع إيران العابث بمصير البلاد، مشيراً إلى أنهم على علم بحرص أبناء جبل العرب على الحفاظ على أبنائهم وتاريخهم الناصع بالبطولات".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها