تجددت المعارك بين "هيئة تحرير الشام" من جهة، و"جبهة تحرير سوريا" و"صقور الشام" من جهة أخرى، في مناطق مختلفة من إدلب، بعد إعلان شرعي "فيلق الشام" ووسيط لجنة التفاوض بين الأطراف المتنازعة الشيخ عمر حذيفة، فشل التوصل إلى اتفاق يرضي كافة الأطراف، للمرة الثانية على التوالي.
وتزامن إعلان فشل المفاوضات مع إصدار "هيئة تحرير الشام" بياناً أعلنت فيه استمرار العمليات العسكرية، وفشل المساعي الرامية للوصول إلى حل، في حين ردت "جبهة تحرير سوريا" و"صقور الشام" ببيانات تعهدت فيها بالدفاع عن مناطقها والقتال لاسترداد الحقوق التي سلبتها "هيئة تحرير الشام" ورفضت إرجاعها خلال المفاوضات.
وذكر شرعي "فيلق الشام" في "تليغرام"، أن الهدنة الثانية بين الفصائل، مرت بمرحلتين، بدأت في 16 أذار/مارس، باتفاق الفصائل على "وقف إطلاق النار" الى حين جلوس الطرفين وبحثهما الملفات العالقة، وإطلاق سراح جميع الموقوفين من دون قيد أو شرط، وفتح الطرقات وإزالة السواتر الترابية، ووقف الاعتقالات والمداهمات والملاحقات الأمنية، ووقف التجييش الإعلامي. وفي اللقاء الثاني، وفق حذيفة، عقدت اتفاق بين "تحرير الشام" و"الصقور" و"الأحرار"، من دون حضور ممثل عن "حركة نور الدين الزنكي"، وتضمن الاتفاق نقاطاً أربع؛ إنهاء القتال بين الطرفين، وتبادل الحقوق والمقرات وتشكيل لجنة متابعة لهذا الأمر، وإنشاء غرفة عمليات للقيام بعمل عسكري ضد النظام، وعقد جلسات دورية لمناقشة قضايا المنطقة. بند تبادل المقرات كان محل خلاف جديد بين الفصائل، لينتهي الاجتماع من دون التوصل إلى حل.
وقال حذيفة: "بعد فشل التوصل لاتفاق بشأن المقرات، وإصرار الهيئة على استعادة كافة المقرات التي خسرتها خلال الاقتتال أو حصولهم على مقرات في مناطق استراتيجية من إدلب، وتحفظ تحرير سوريا على هذا البند، وصلتني رسالة من تحرير الشام تقضي بانتهاء الهدنة وتجدد الأعمال القتالية" اعتباراً من الساعة 10 من ليل الخميس/الجمعة.
واتهمت "هيئة تحرير الشام" في بيان لها "الأحرار" و"الصقور" بعرقلة المفاوضات، ووضع خطوط حمراء تخص مناطق سيطرة الفصائل وقضية المعتقلين، وعلى رأسهم قائد "لواء المثنى" التابع لـ"أحرار الشام" الملقب بـ"أبو عزام سراقب"، والذي اعتقلته "الهيئة" منتصف العام 2017 في مقر "جبهة ثوار سراقب". واعتبرت "الهيئة" ذلك مماطلة ومحاولة العودة بالمفاوضات إلى نقطة الصفر، و"تخريب الطرف الآخر جهود الحل ونسف كل ما تم التوصل إليه"، لذلك فقد قررت "الهيئة" إبلاغ لجنة الوسطاء بـ"انتهاء فترة الهدنة والعودة للعمليات القتالية".
وأكدت "الهيئة" عبر البيان دعوتها في وقت سابق كافة الفصائل للانخراط في جسم عسكري لغرفة عمليات مشتركة، وآخر مدني لإدارة المناطق المحررة، لكن الفصائل رفضت توحيد القرار والمصير.
ورداً على "الهيئة"، أصدرت "جبهة تحرير سوريا" بياناً قالت فيه إنها سترد على "بغي عصابة الجولاني" بعد نقض الهدنة وهجومها على بلدات ريف حلب الغربي، من دون الاكتراث لما يحصل في الغوطة. واتهمت "الجبهة" الجولاني بعدم رد الحقوق والوفاء بالوعود و"محاولته فرض سلطانه على كامل المحرر".
الإعلامي عامر البكري، قال لـ"المدن": "اشترطت هيئة تحرير الشام دخول فصيل محايد لمناطق الزنكي في ريف حلب الشمالي، على الحدود مع المناطق الكردية ومناطق درع الفرات. واقترحت تحرير الشام أن ينص الاتفاق على إجراء تبادل أسرى، وإعادة عناصر هيئة تحرير الشام إلى مقراتهم في مدن أريحا ومعرة النعمان، في حين كانت رؤية تحرير سوريا وضع حل جذري للمناطق المحررة وذلك من خلال إلغاء حكومة الإنقاذ، وتوحيد قرار السلم والحرب ليكون بيد كافة الفصائل، والإبقاء على المناطق عسكريا كما هي خلال الهدنة، مع انسحاب هيئة تحرير الشام من مناطق الزنكي في ريف حلب الغربي".
ومع فشل الهدنة الثانية على التوالي، يبدو أن المنطقة ستعيش حالة تصعيد غير مسبوق بين الفصائل، واندلاع حرب شاملة تدخل فيها أطراف جديدة إلى ساحة المعركة، بعد محاولة "هيئة تحرير الشام" حشد "التركستان" و"جند الأقصى" لمساعدتها، ووقوف "جيش الأحرار" على الحياد.
قيادي في "جيش إدلب الحر"، قال لـ"المدن": "يحاول كل طرف حشد الفصائل القريبة من توجهه، فالجولاني طلب من أبو دياب قائد جند الأقصى في سرمين مساندته عسكرياً، الجند رفضوا المشاركة في المعركة رغم محاولة الجولاني إقناعهم بوحدة المصير، كذلك القيادي في جماعة الوعر التابعة لهيئة تحرير الشام، أبو موسى الشرعي، أعلن اعتزال القتال الدائر بين الفصائل وهو ما سيؤدي في وقت لاحق إلى تفكك هيئة تحرير الشام في حال استمرارها بخسارة الكثير من جنودها خلال محاولات اقتحام مناطق الفصائل الأخرى".
وأضاف القيادي: "جيش الأحرار بقيادة أبو صالح طحان غير مستعد لدخول المعركة بين خصمين سبق وانشق عنهما، وفي حال دخلت فصائل أخرى ساحة المواجهة وآزرت تحرير الشام، سيزج طحان بقواته في المعركة إلى جانب أحرار الشام والزنكي والصقور". وأشار إلى أن "تركيز تحرير الشام في المرحلة الحالية من المعارك سيكون منصبّاً على مناطق تواجد الزنكي، وفي حال نجحت الهيئة في التخلص من الزنكي، سيكون من السهل عليها قتال أحرار الشام وصقور الشام، أو إخضاعهما لاتفاق يضمن سيطرتها على كافة المناطق المحررة شمالي سوريا. لذلك تستخدم الهيئة كل مقدراتها العسكرية لقصف مناطق الزنكي، كالدبابات وصواريخ فيل، وقذائف هاون، فضلاً عن العمليات الانغماسية في مناطق تواجد خصومها كما حصل في ريف حلب الشمالي وبلدة دير سنبل قبل أيام من إعلان الهدنة الثانية".
وفي ظل فشل الحل السلمي وانسداد أفاق التهدئة، يبدو أن الحل الوحيد لوفق نزيف الدم في الشمال سيكون عبر تدخل تركي لفرض الحل على طرفي النزاع، أو بتغلّب طرف على الآخر، وبدء حقبة ظاهرها جديد لكنها ستكون تكراراً لمراحل سابقة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها