شددت "هيئة تحرير الشام" قبضتها الأمنية في مناطق سيطرتها قرب الشريط الحدودي مع تركيا، وسحبت حواجزها الأمنية ومقراتها العسكرية ومراكز التدريب من القطاع الجنوبي في إدلب، وحلت مكانها قوات تابعة للجيش الوطني المدعوم من تركيا على جبهات القتال.
وعززت "تحرير الشام" حواجزها الأمنية من معبر "العزّاوية" في ريف حلب الغربي، الواصل بين مناطق سيطرة الهيئة غرب حلب والجيش الوطني في عفرين، مروراً بالمنطقة الحدودية مع تركيا في بلدة أطمة، وصولاُ إلى بلدة بداما بريف إدلب الغربي.
وداهمت أرتال عسكرية تابعة ل"هيئة تحرير الشام" مدينة سرمدا، وهي شريان الاقتصاد للمناطق المحررة في الشمال السوري ومركزه التجاري قرب معبر باب الهوى. واعتقلت شبان على خلفية شجار جرى قرب إحدى نقاط التفتيش عند مدخل البلدة.
وقال مصدر من أهالي سرمدا ل"المدن"، إن قرابة 3000 عنصراً من هيئة تحرير الشام داهموا البلدة وطوقوا مداخلها الرئيسية وأوقفوا الحركة التجارية.
وأضاف المصدر "جرت اشتباكات مع المدنيين في أحد أحياء المدينة. وسيطر الأهالي على حاجز للهيئة عند مدخل المدينة، لكن القوة الأمنية وسلامة المدنيين فرض على الأهالي الرضوخ للهيئة، بعد أن هددت باقتحام البلدة التي تحولت إلى مدينة نتيجة موجات النزوح المتكررة، ليصل عدد سكانها قرابة 225 ألف شخص".
وتسعى "تحرير الشام" لضمان استمرار تحكمها في المناطق الحدودية أمنياً وعسكرياً، بعد خسارة أهم مقراتها في جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي وسراقب، وفقدان مراكز تدريب مقاتليها في المناطق الجبلية الوعرة التي كانت تسيطر عليها، لكنها ما تزال تسيطر على كبرى مدن شمال غرب إدلب كسلقين وحارم وكفرتخاريم وجسر الشغور.
وكشف مصدر عسكري في "تحرير الشام" ل"المدن"، عن محاولة قيادات الهيئة كسب رضا تركيا بوقف حركة التهريب ومكافحة المهربين، وتشديد القبضة الأمنية على الحدود السورية التركية.
وأضاف المصدر أنه "صدر تعميم من قيادة الهيئة بتعزيز الحواجز الأمنية على طول الشريط الحدودي مع تركيا وفي الطرق المستخدمة لتهريب البشر في ريف إدلب الغربي، وبذلك تضمن الهيئة استمرارها وحماية مصالح تركيا بعدم دخول الهاربين من قصف قوات النظام إلى أراضيها، مقابل الحفاظ على الهيئة حتى إيجاد حل يرضي قيادتها، خاصة مع دخول قوات الجيش الوطني التي تشكل تهديداً لتحرير الشام، وتضم مقاتلين من فصائل تشاطرها العداء".
وخلال حملة النظام الأخيرة، فقدت "هيئة تحرير الشام" موارد اقتصادية جنوب إدلب وغرب حلب. إذ سيطر النظام على مناطق تقدر مساحتها بنحو بألفي كيلو متر مربع كانت تخضع إدارياً ل"حكومة الإنقاذ"، وهي ذراع "الهيئة" المدني والتنفيذي في المناطق المحررة.
وتعمل "هيئة تحرير الشام" على تعويض خسائرها الاقتصادية في المدن والبلدات بالسيطرة على مقومات موارد ما تبقى من المناطق المحررة. وهي تتحكم بتجارة المحروقات عبر شركة "وتد"، وتفرض شروطها على عمل المنظمات الإغاثية.
كما تسيطر على قطاع الصرافة ومكاتب التحويل في مدينة سرمدا وبلدة الدانا الحدوديتين، وتحمي التجارة فيهما مقابل مبالغ مادية تحصل عليها من التجار، كذلك سيطرت شركة "الإنقاذ" التابعة لوزارة الاتصالات في حكومة الإنقاذ على قطاع الاتصالات وشبكات الانترنت في المناطق المحررة، وأوقفت عمل شبكات الانترنت غير التابعة لها. كما تسيطر "الهيئة" على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا وحركة البضائع فيه واحتكار توريد المواد الأساسية عبر تجار محسوبين عليها، وتسيطر على معبر الغزاوية مع منطقة عفرين.
ولا تقل خسائر تحرير الشام على مستوى القبول الشعبي عن خسائرها الاقتصادية بعد تخاذلها في صد قوات النظام، في حين سيّرت أرتالها لقتال فصائل المعارضة واقتحام بلدات ريف إدلب بالدبابات والسلاح الثقيل في وقت سابق.
وتزامنا مع زيارة الوفد الأمريكي للحدود السورية التركية، دعت "الهيئة" عبر ناشطين مدنيين محسوبين عليها إلى اجتماع في "معبر باب الهوى" يضم فعاليات مدنية ومنظمات حقوقية وقادة محليين و"الهيئة السياسية في محافظة إدلب"، للقاء يجمعهم بوفد أممي لإيصال صوت السوريين العالقين على الحدود السورية والفارين من القصف. لكن الاجتماع كان مرتباً للقاء قائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني بالفعاليات المدنية، وطلبه تحسين صورة "تحرير الشام" أمام المدنيين مقابل تقديم خدمات في المناطق التي ما زالت تحت سيطرتها.
ونفى رئيس "الهيئة السياسية في إدلب" عاطف زريق ل"المدن"، علمهم المسبق بحضور الجولاني، مؤكداً حضور أحد أعضاء الهيئة للقاء دولي لإيجاد حل للمدنيين العالقين في إدلب.
وقال زريق، "الاجتماع كان خديعة من قيادة تحرير الشام، وتفاجأ الحضور بعد اكتمال العدد بحضور الجولاني إلى قاعة الاجتماع والحديث عن أهمية دور تحرير الشام في المرحلة الراهنة والمستقبل".
وأكد زريق أن الفصيل العسكري الأكبر في إدلب يحاول السيطرة على العمل المدني فيها بعد سيطرته على كافة موارد المحافظة، لكن محاولاته لن تنجح خاصة أن معظم الناشطين ممن حضروا الاجتماع كانوا من المستقلين.
وبالتزامن مع إعلان تركيا وروسيا التوصل لاتفاق حول الطريق الدولي M4، تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي أنباء عن تشكيلات عسكرية في المناطق المحررة تنصهر بموجبها "هيئة تحرير الشام" مع "الجيش الوطني"، لتكوين قوة قتالية تضمن التصدي لقوات النظام في حال خرقها وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد. لكن أسئلة عديدة تطرح حول قدرة الهيئة على الاندماج مع من حاربتهم سابقاً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها