انتشرت مؤخّراً دوريّات أمنيّة مشتركة، تؤازرها مليشيات محليّة، على الطرق الرئيسة والفرعيّة المهمّة وفي الساحات، في مدينة السويداء، وعلى طريق دمشق-السويداء. وبدا حضور تلك الدوريات لافتاً، بعدما خبا منذ العام 2014، بسبب وجود مبادرات أهليّة رافضة لهذا الانتشار، ومنها حركة "رجال الكرامة" التي ساندت المطلوبين للخدمة العسكريّة والمتخلّفين والفارّين من الجيش، في أكثر من مرّة، وحالت دون سحبهم للخدمة الإلزامية والاحتياطية عنوةً.
وعلى الرغم من ادّعاءات الجهات الأمنيّة في المحافظة أن مهمة هذه الدوريّات تنحصر في ضبط الأمن ومكافحة الجريمة والمجرمين، إلّا أنّ أغلب أهالي المحافظة ينظرون إليها بعين الريبة والشكّ وعدم الارتياح، خاصة بعدما صار جليًّا للكثيرين من أبناء المحافظة مسؤوليّة الأجهزة الأمنيّة عمّا وصلت إليه المحافظة من فوضى وفساد وجريمة، رغم محاولة الأجهزة الأمنيّة تلميع صورتها؛ ابتداءً من نقل رئيس فرع "الأمن العسكريّ" وفيق ناصر، سيئ الصيت، من السويداء إلى حماة، وتنصيب العميد لؤي علي، خلفاً له، وليس انتهاءً باعتقال عدد من عناصر فرع "الأمن العسكريّ" على خلفيّة قضايا فساد وإتجار في الممنوعات و"تشكيل عصابات أشرار".
وقد تعرّضت هذه الدوريّات لإطلاق نار من مجهولين عند مفرق "كناكر"، كما تمّ تكسير إحدى سيارات الأمن وسط المدينة عند تطاول عناصر الدوريّة على أحد المارّة في محاولة لابتزازه.
وتشير أنباء إلى انطلاق "المرحلة الثانية" من الانتشار الأمني، السبت، بـ"التوازي مع استمرار مكافحة حالات تزوير وتشويه لوحات السيارات وملاحقة المطلوبين بجرائم السرقة".
ومن جهة أخرى، يرى ناشطون في المحافظة أنّ هذا الانتشار الأمنيّ هو خطوة في طريق استرداد النظام سيطرته الكاملة على المحافظة، في سياق إستراتيجيتها الهادفة إلى السيطرة على كامل الأراضي السوريّة، واستعادة ما كانت قد خسرته في السنوات السابقة. كما تهدف من خلال هذه الخطوة إلى التمهيد لسحب أكثر من أربعين ألف مطلوب للخدمة العسكرية في قوات النظام عنوةً. وهذا هو هاجس النظام منذ اليوم الأوّل للاحتجاجات التي اندلعت في آذار/مارس 2011، بوضع السوريّين في مواجهة بعضهم، والزجّ بأبناء الأقليّات ليكونوا وقوداً لحربه على السوريّين مدّعياً حمايتهم.
ومع حلول العام 2018 أطلقت قيادة "الفرقة الرابعة" من قوات النظام، في مدينة السويداء، ممثلة بضابط أمنها يعرب زهرالدين، نجل العميد عصام زهرالدين، الذي قتل في ديرالزور، مبادرة لـ"تسوية أوضاع الفارّين والمتخلّفين" من أبناء المحافظة عن الخدمة في صفوف قوّات النظام. وعيّن بشار الأسد، يعرب زهرالدين، في 9 كانون الثاني/يناير، مسؤولاً عن "المكتب الأمنيّ" لـ"الفرقة الرابعة" في محافظة السويداء، مستثمراً في الشعبية الواسعة لأبيه في المحافظة كـ"شهيد في مواجهة إرهاب داعش". وبحسب أحد الأشخاص من الذين قابلتهم "المدن"، فإنّ عدد المسجّلين في التشكيل الحديث، بلغ 1700 شخص إلى الآن، إلّا أنّهم لم يلتحقوا بصفوف "الفرقة الرابعة"، بسبب رفضهم الخروج من حدود المحافظة، إضافة إلى أنّ عدداً كبيراً منهم سجّل اسمه، طمعاً في "تسوية أوضاعه" أو بالراتب الشهريّ البالغ 40 ألف ليرة سوريّة (أقل من 100 دولار)، أو للحصول على سلاح مجانيّ. ويرى مراقبون لهذا الملفّ أنّ هذه المحاولة لن تكون أفضل من سابقاتها، وهو ما دفع رئيس "الاستخبارات العسكريّة" في دمشق اللواء محمد محلا، إلى زيارة محافظة السويداء في 26 شباط/فبراير؛ ليلتقي شيخ العقل يوسف جربوع، في "دار الطائفة" المعروف باسم "مقام عين الزمان".
وبحسب مصادر "المدن"، فقد بحث محلا الوضع الأمنيّ المتردّي في المحافظة، ونسبه إلى عدم تعاون الأهالي مع الجهات المختصّة، وأكّد على وجوب وقوف أبناء المحافظة إلى جانب الأجهزة الأمنيّة والجيش لضبط الأمن وردع الجريمة. وذلك في خطاب شبيه بما تروّجه ماكينة النظام الأمنيّة، عبر شبكاتها الإعلاميّة، بأنّ من يريد للفوضى أن تنتهي، فعليه مؤازرة "الدولة" والالتحاق بالجيش والتعاون مع القوى الأمنيّة. وهو ما أكّد عليه شيخ العقل "جربوع" أثناء الزيارة، والذي بارك الخطوات الأخيرة التي قامت بها الأجهزة الأمنيّة لضبط الوضع الأمنيّ في السويداء، بحسب قوله. علماً أنّ المؤسّسة الدينيّة الرسميّة "مشيخة العقل" كانت قد طالبت بدخول "الجيش" إلى السويداء لضبط الأمن فيها، خلال زيارة رسميّة قام بها "مشايخ العقل" إلى دمشق، والتقوا فيها وزير الدفاع السابق فهد جاسم الفريج، في تشرين الأوّل/أكتوبر 2017.
وتزامنت هذه الأحداث مع عودة تنظيم "الدولة الإسلاميّة" إلى واجهة الحدث في السويداء، ففي بداية آذار/مارس، بعدما خطف التنظيم ثلاثة مواطنين في الريف الشرقيّ للمحافظة، مع العلم أنّ التنظيم كان قد انسحب من تلك المنطقة ليعود مجدّداً في هذا التوقيت وليهدّد المحافظة بـ"الإرهاب". وترافق ذلك مع إشاعات أمنيّة مفادها أنّ التنظيم سيقوم بعمليّات إرهابيّة في المحافظة. وللتعرّف أكثر على ما يجري في الريف الشرقيّ للمحافظة، التقت "المدن" أحد أبناء قرية طربا، شرقي السويداء، فقال: "داعش تظهر وتختفي بحسب الطلب الأمنيّ؛ فغالباً ما كانت تُظهر عدوانيّتها في الأوقات التي تشهد فيها المحافظة حراكاً مدنيّاً أو تسبق مخطّطاً أمنيّاً يحاك في المحافظة. أمّا باقي الأوقات فالتجارة بين مليشيات النظام وبين التنظيم على قدم وساق وعلى مرأى من الجميع".
أولى محاولات سحب المطلوبين للخدمة من قبل النظام، كانت قد بدأت في العام 2013، بعد صدور "العفو" الشكليّ عن الممتنعين عن الالتحاق بها. وألقت حواجز "الشبيحة"، حينها، القبض على 470 شاباً نقلوا إلى "ثكنة سدّ العين" العسكرية في منطقة صلخد، ليقوم رجال دين بتحريرهم عنوة. الأمر الذي اعتبره النظام تحدّياً صارخاً له. وأطلقت "تنسيقيّة محافظة السويداء"، حينها، على أولئك المشايخ، اسم "الشيوخ الأصلاء"، وتبيّن في ما بعد أنّ بعضهم كان خلف تشكيل نواة حركة "رجال الكرامة". واستمرّت محاولات النظام الحثيثة لسحب أبناء المحافظة للخدمة في قواته، ومنها تشكيل مليشيا "درع الوطن" في أيار/مايو 2015، بقيادة اللواء نايف العاقل، إذ استثمر النظام بمكانة العاقل، لدى أبناء المحافظة، باعتباره من أبطال حرب تشرين 1973. وسرعان ما انفرط عقد "درع الوطن"، ولم يحقّق الغاية المرجوة منه ولم يبقَ منه سوى صفحة "فيسبوكيّة".
انتشار أمنيّ جديد، سبقه تشكيل عسكريّ بقيادة شخصيّة محليّة للاستثمار، ثمّ يتبعه رفع منسوب الفوضى والجريمة والإرهاب، فدخول قوات النظام، فاقتحامات ومداهمات للمنازل، ومن بعدها يصل النظام إلى مبتغاه: سحب أكثر من أربعين ألف مطلوب للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، وسحب سلاح القوى الأهليّة الخارجة عن تحكم النظام والعاملة على تشكيل حاضنة للشباب المطلوبين للخدمة العسكرية. وهذا ما يتخوّف منه الأهالي في محافظة السويداء.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها