أطلقت فصائل تابعة للمعارضة المسلحة في ريف حلب الشمالي الشرقي، ضمن مناطق "درع الفرات" سابقاً، حملة أمنية قالت إنها لتطهير المنطقة من المفسدين وقطاع الطرق والمجموعات المسلحة التي لها صلات بـ"هيئة تحرير الشام" عامة و"حركة نور الدين الزنكي" بشكل خاص. و"الزنكي" أحد مكونات "هيئة تحرير الشام"، وتتمركز في إدلب وضواحي حلب الغربية والشمالية والجنوبية.
الحملة نفذتها القوة الأمنية المشتركة لخمسة فصائل على الأقل من بينها "الجبهة الشامية" و"فرقة السلطان مراد" و"فرقة الحمزة"، الثلاثاء والأربعاء، واعتقلت أكثر من 20 مقاتلاً من "لواء الفرسان" بينهم قياديون. وذلك بعد ساعات من اشتباك مباشر بين الطرفين، أثناء مداهمة القوة المشتركة لمقرات "لواء الفرسان" في القرى والبلدات بين مدينتي الراعي شرقاً وإعزاز غرباً، ومن بينها كفرغان والشيخ ريح. وقتل وجرح من الطرفين 10 عناصر على الأقل. العدد الأكبر من عناصر "لواء فرسان الثورة"، الذي يتجاوز عدد مقاتليه 300 عنصر، انسحبوا من المقرات واعتزلوا القتال.
قائد "فرقة السلطان مراد" العقيد أحمد العثمان، قال لـ"المدن": إن "لواء فرسان الثورة هو مجموعة مسلحة كانت تابعة لحركة نور الدين الزنكي، وبعد اندماج الحركة مع هيئة تحرير الشام إنشقت هذه المجموعة بحسب ما أعلنت، وإنضمت إلى فيلق الشام. ولكن في الفترة الأخيرة زادت مشاكلها، خاصة عمليات التهريب والسلب وغيرها من المفاسد. ما تطلب أن تقوم فصائل الثوار بهذه الحملة التي شاركت فيها أغلب فصائل الشمال المتمركزة في مناطق درع الفرات في ريفي حلب الشمالي والشرقي".
مصدر في المعارضة أكد أن الحملة بدأت ضد "لواء فرسان الثورة" بعدما شنّ الأخير هجوماً على حاجز قرية حميرة التابعة لمدينة جرابلس، ما أسفر عن مقتل مقاتلين وأسر ثلاثة آخرين من "فرقة السلطان مراد". وتطور الخلاف بين الطرفين، وتدخلت فصائل أخرى تابعة للمعارضة، وعملت على إنهاء اللواء والسيطرة على مقراته.
قائد عسكري في "فرقة الحمزة" قال لـ"المدن": "تم إطلاق الحملة الأمنية التي كانت فرقة الحمزة فاعلة فيها لاستئصال المفسدين من مناطق ريف حلب. والحملة تركزت على لواء فرسان الثورة لأنه وبالدلائل لا يزال يمتلك صلات وثيقة مع حركة نور الدين الزنكي وهيئة تحرير الشام". وأضاف القائد: "بكل تأكيد لا نريد لفكر مختلف في مناطق ريف حلب، والحملة ستطال كل من يعمل على نشر أفكار الهيئة في المنطقة".
القوة الأمنية المشتركة للفصائل نشرت عدداً من المقاطع المصورة، خلال اليومين الماضيين، تضمنت شهادات لأشخاص كانوا معتقلين في سجون "لواء فرسان الثورة" المنتشرة في بلدات ريف حلب. الشهادات تحدثت عن عمليات سرقة وابتزاز وقطع طرق، قامت بها حواجز "اللواء". وأظهرت المقاطع المصورة السجون التي كانت تستخدمها المفرزة الأمنية التابعة لـ"لواء فرسان الثورة".
مدير المكتب الإعلامي في "حركة نور الدين الزنكي" أحمد حماحر، قال لـ"المدن"، إن قاطع الشمال الذي كان تابعاً لـ"الحركة" أنهى علاقته معها منذ أن أعلن انضمامه إلى صفوف "فيلق الشام" نهاية كانون الثاني/يناير 2017. ولم يعد يربط هذا التشكيل أي صلة بـ"حركة الزنكي" بعد ذلك التاريخ.
وتناقل ناشطون، الخميس، مقطع فيديو لامرأة تدعى أم حسن، زوجة أحد عناصر "لواء فرسان الثورة"، تشتكي من سوء المعاملة التي لاقتها من عناصر الحملة الأمنية التي طالت مقرات وبيوت عناصر "فرسان الثورة". وقالت أم حسن، إن عناصر الحملة هددوها ونساء قريبات لها، بالسبي، وناشدت المعارضة رفع الظلم عنهم.
"الجبهة الشامية" وفصائل مشاركة في الحملة أكدوا أنهم يرفضون أي تصرف يسيء لعوائل المقاتلين في "لواء فرسان الثورة"، أو أي جهة مسلحة أخرى تشملها الحملة الأمنية. ودعت المعارضة أي شخص لديه مظلمة أن يسارع إلى تقديم شكوى لدى قواها الأمنية المنشرة في ريف حلب، وتعهدت بمحاسبة المسيئين من عناصرها في حال حصلت تجاوزات ضد المدنيين. كما وجهت المؤسسة الأمنية في جرابلس، والتابعة لـ"فيلق الشام" دعوة لأم حسن، كي تقدم شكوى لديها للتأكد من صحة ادعائها، وذلك خلال مدة اقصاها نهاية الجمعة، وإذا لم تستجب فالأمر سيندرج حينها في إطار الاساءة للمعارضة، بحسب "فيلق الشام".
وعلق ناشطون على المقطع المصور لأم حسن، بأنه فيديو ترويجي يشابه إلى حد ما الفيديوهات التي أطلقها تنظيم "الدولة الإسلامية" إبان طرده من مدينة تل رفعت منتصف العام 2014، بعدما اتهم التنظيم فصائل المعارضة بالتعدي على زوجات العناصر الأجانب التابعين له في تل رفعت. وقال نشطاء إن هدف "داعش" من نشر تلك المقاطع المصورة حينها، كان لبث الحماسة في نفوس مقاتليه وتحريضهم على المشاركة في القتال ضد المعارضة. ودعا ناشطون أم حسن للكشف عن هويتها، وتقديم شكوى واضحة إذا كانت صاحبة مظلمة فعلاً، وإلا فالفيديو هو في إطار بث الشائعات والتحريض.
ولا يمر يوم في مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب من دون اقتتال، ونزاع داخلي بين الفصائل. وفي كثير من الحالات تتم التهدئة بعد موجة اشتباكات، وقليلاً ما يتطور الأمر ليصبح حملة شاملة ضد فصيل بعينه. وتسود في مناطق المعارضة المنضوية سابقاً في عمليات "درع الفرات"، حالة من التنافس. وكل فصيل يحاول البقاء بكامل قوته، ويرغب في السيطرة والتوسع على أكبر مساحة من الجغرافية المحاصرة بطبيعة الحال. وتجاهد فصائل المعارضة للاحتفاظ بموارد دخلها التي أصبحت قليلة بعد انتهاء العمليات العسكرية التي كانت المورد الرئيس للدعم المالي والحربي. والكثير من الفصائل يعتمد على ممرات التهريب مع مليشيات "قوات سوريا الديموقراطية" لتغطية نفقاتها، لكن المعارضة في الوقت ذاته، تنتظر فتح جبهات قتال جديدة وتؤكد أنها الحل الأفضل لتخفيف التوتر في ما بينها.
ربما جاءت الحملة الأخيرة للمعارضة ضد من أسمتهم المفسدين، وأصحاب الفكر المختلف منطقية بحسب مجموعة الأدلة التي روجت لها، وأكدت تورط "فرسان الثورة" بقضايا متعددة أساءت إلى المدنيين، بغض النظر عن الاتهامات الموجهة لـ"اللواء" بعمالته أو حفاظه على علاقته بـ"حركة نور الدين الزنكي" التي انشق عنها قبل فترة. لكن المعارضة بشكل عام في ريف حلب مطالبة بتحسين أدائها الأمني، وتبييض سجونها قبل إلغائها بشكل كامل، وتسليم هذا الملف الشائك الذي تثار حوله الكثير من الأسئلة المحقة إلى الشرطة الوطنية والأمن العام، الذي أبدى جهوزية لاستلام هذا الملف وفق القوانين المفترض أن يعمل بها بعد توحيد العمل بالقانون القضائي في المناطق التي تتمتع بالنفوذ التركي. وبذلك يمكن تحقيق الاستقرار النسبي في المنطقة، وكف يد المعارضة المسلحة عن التدخل بالشأن العام وإدارة المنطقة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها