أسرت مجموعة شباب من آل مزهر في السويداء، ليل الأحد/الإثنين، قائد مليشيا "جمعية البستان" أنور الكريدي، وأحد مرافقيه، بعدما طوقت مكان إقامته في بيت الإعلامي فيصل القاسم، الذي سبق وصادرته مليشيا "البستان". واستمر إطلاق النار في أرجاء متفرقة من السويداء، حتى صباح الاثنين، من دون ورود أنباء عن وقوع إصابات.
اعتقال الكريدي، جاء على خلفية اختطاف الشابة كاترين مزهر، أواخر آب/أغسطس، وتضارب الأنباء حول مصيرها. آل مزهر كانوا قد ألقوا القبض على ثلاثة شبان اشتبهوا بوقوفهم خلف العملية؛ وسام أبو حمدان، وإحسان نصر، وهشام أبو دقة. وبعد التحقيق معهم تبيّن ضلوعهم في حادثة الاختطاف. واعترف أبو حمدان، باستدراج الفتاة إلى مستودع للأدوية تابع للمدعو إحسان نصر، وشريكته نغم سراي الدين. واعترف أبو حمدان عبر شريط مصور نشر في مواقع التواصل الاجتماعي بتسلمه مليوني ليرة سورية لقاء ذلك. كما نُشرت اعترافات مماثلة للمتهمين الآخرين.
وتبيّن من خلال الاعترافات ضلوع قائد مليشيا "البستان" في السويداء أنور الكريدي، وكذلك مدير مكتب رئيس فرع "الأمن العسكري" العميد وفيق ناصر؛ نسيم شاهين، ورئيس فرع "أمن الدولة" العميد غسان إسماعيل، بهذه الحادثة الغامضة.
وفي مطلع أيلول/سبتمبر، وجدت جُثَثُ الشبان الثلاثة المتهمين؛ أبو حمدان ونصر، وأبو دقة، ملقاة بالقرب من ساحة المشنقة وسط مدينة السويداء، مرفقة بكتابة تشير إلى أن آل مزهر هم من نفذوا حكم الإعدام، وأن هذا "جزاء كل من يتجرأ على خيانة العرض" حسب تعبيرهم.
وصاحب مليشيا "البستان" هو رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، وقد كانت قُبيل الثورة السورية "جمعية خيرية" ما لبثت أن أسست وموّلت مليشيا عسكرية شاركت في أعمال التشبيح والقتل ضد المتظاهرين، قبل أن تتحول لاحقاً إلى قوات شبه نظامية تشارك في القتال ضد المعارضة، ولها فروع في معظم المحافظات. ومليشيا "البستان" معروفة باحتكارها طرق تهريب رئيسية، ومسؤولة عن نشر توزيع المخدرات في عموم مناطق النظام، بسبب تشاركها السيطرة على مستودعات يعفور في دمشق، مع مليشيا "حزب الله".
أنور الكريدي، قائد "جمعية البستان" في السويداء، ينحدر من منطقة صلخد، متزوج من امرأة من آل اسماعيل من الساحل السوري، وهي شقيقة زوجة مدير مكتب "الأمن الوطني" اللواء علي مملوك.
ودخلت "جمعية البستان" إلى السويداء كجمعية خيرية وكانت تشرف على أعمالها زوجة العميد في "الحرس الجمهوري" عصام زهر الدين، هند، وابنهما يعرب. وعمدت بدايةً إلى شراء الولاءات ومن ثم تأسيس نواة تشبيحية لقمع الاحتجاجات المناهضة للنظام آنذاك، إلا أنها سرعان ما تحوّلت إلى مليشيا مسلحة تقوم بأعمال الخطف والتهريب والقتل والتنكيل، تحت قيادة الكريدي الذي يحظى بشبكة علاقات واسعة مع متنفذين في أجهزة الدولة. وتعتبر هذه المليشيا من أخطر المليشيات في محافظة السويداء بسبب تمويلها الكبير وتسليحها النوعي، وقدرتها على منح الرواتب بشكل منتظم لعناصرها، وهي على تنسيق عال مع فرع الأمن العسكري، وفي الفترة الأخيرة تعاظم شأنها حيث أصبحت رقماً صعباً في معادلة موازين القوى على الأرض.
اعترافات المُتهمين، قبل قتلهم، أثارت شكوكاً لدى متابعي الملف؛ فالفتاة لا تزال مجهولة المصير، إضافة إلى أن والد الفتاة هيسم، ينتمي بدوره إلى "جمعية البستان"، وهو مقرب من قائدها، والشبان الذين أعدموا هم أصدقاؤه. وهو ما حدا بالبعض لاعتبار الحادثة كتصفية حسابات بين المليشيات، وصراعاً على النفوذ، ومحاولة لإخفاء ملفات قد تكون أخطر. كما أن الزج بهذا الكم الكبير من الأسماء الأمنية والمليشياوية في هذه الحادثة، قد يُشير إلى احتمال نيّة حرق تلك الأسماء، من قبل متنفذين آخرين.
بينما تنحو بعض الآراء، وهي السائدة الآن في المحافظة، إلى ضرورة محاسبة هذه المليشيات، ولاسيّما زعمائها بعدما تكشف جزء من جرائمهم، وتدعو إلى مؤازرة "آل مزهر" لتكوين رأي عام في المحافظة رافض لهذه المليشيات. وليس هذا فحسب، بل تدعو إلى تشكيل قوة أهلية تكون بديلة عن الدولة التي تخلت عن حماية المجتمع.
ويرى آخرون أن محاسبة هؤلاء يجب أن تكون عن طريق القضاء، وأن الحلول العشائرية قد تؤدي إلى تطاحن بين عائلات السويداء، ما يفتح الباب لخرق السلم الأهلي في المحافظة، ويكون المستفيد الأول من هذا كلّه سلطة النظام التي تسعى إلى تفتيت المجتمع.
ويسود محافظة السويداء جوٌّ من الترقب الحذر، ولاسيّما بعد أن نشر والد كاترين، هيسم، في صفحته الشخصية في "فايسبوك" شريطاً مصوراً، أكد خلاله أسر الكريدي، وتورط وفيق ناصر بعملية اختطاف ابنته. وشرح هيسم مزهر خطة مسبقة كان قد بيتها؛ طمأن خلالها الكريدي، بعدما زاره في مكتبه قبل أيام، في محاولة لتبديد مخاوفه وليضمن بقاءه في السويداء وعدم هروبه إلى أي مكان آخر، ريثما يُحضّر آل مزهر، مجموعاتهم المسلحة لإلقاء القبض عليه. وانتشرت الثلاثاء اشاعات عن مقتل الكريدي.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها