حققت مليشيات النظام تقدماً جديداً في الأطراف الشمالية الشرقية لأحياء حلب الشرقية المُحاصرة. وسيطرت المليشيات على العويجة وتلتها وبستان البياضين والبريج والمياسات وتلتها، وتل الأصفر وتل بكرنايا، والمناشر ومنطقة المجبل، وأجزاء من حي الأرض الحمرة "العشوائيات"، ومواقع ومعامل في محيط دوار بعيدين. وهي مناطق طرفية تقع بين المنطقة الصناعية ومستشفى الكندي شمالاً، وبين أحياء مساكن هنانو وبعيدين والحيدرية جنوباً. واشتبكت المليشيات مع المعارضة في حي السكن الشبابي ومحيط مساكن هنانو.
القائد العسكري في "تجمع فاستقم كما أمرت" العقيد أحمد كردي، أكد لـ"المدن" أن تأخير انطلاق معركة حلب سيكون كارثياً على الوضع الميداني في حلب، فالتطورات الأخيرة غير مطمئنة وهي حتماً ستؤثر على المشهد العسكري عامة في الأحياء المحاصرة، وعلى أداء المعارضة داخل المدينة، الذي بدا متماسكاً منذ بدء الهجمات البرية والإعلان عن اجتياح المدينة.
وأوضح العقيد كردي، أن المعارضة لم تتوقف عن التحضيرات للمعركة، وهناك عدد كبير من القوات الرديفة التي تم تدريبها وتجهيزها خلال الفترة الماضية، وأصبحت مستعدة الآن للدخول في المعركة. وأكد أن معركة كسر الحصار لن تتوقف عند حد معين من الأهداف، وستكون الأحياء الغربية الخاضعة لسيطرة النظام من ضمنها.
وجاء التقدم الكبير بعد هجوم بري واسع اشتركت فيه مليشيات عراقية وأفغانية ومليشيات "حزب الله" و"لواء القدس" و"قوات خاصة" روسية. ومهدت المليشيات لتقدمها بقصف مدفعي وصاروخي مكثف استهدف مواقع المعارضة المتقدمة وخطوط امدادها، بالصواريخ الحرارية، التي أطلقت من التلال المشرفة على مناطق واسعة تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة.
واستفادت المليشيات من الدعم الجوي الروسي الذي قصف المواقع المستهدفة بالعملية البرية بأكثر من 100 غارة جوية بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية والارتجاجية. وتركز القصف الجوي بشكل كبير على خطوط المعارضة الأولى في أطراف الأحياء الشمالية الشرقية المحاصرة في الحيدرية وبعيدين ومساكن هنانو والسكن الشبابي.
وبذلك، تكون المليشيات قد أنهت تواجد المعارضة بالقرب من المدينة الصناعية في الشيخ نجار شمالاً، ووصلت فعلياً إلى مشارف الأحياء الشمالية الشرقية، وبدأت تهدد المعارضة المتمركزة في الأحياء الشرقية بعدما سيطرت على أجزاء من حيي الأرض الحمرة والسكن الشبابي، اللذين شهدا معارك طاحنة وحرب شوارع تفوقت فيها المليشيات التي تمتلك ترسانة من الأسلحة الثقيلة التي حولت المساكن العشوائية إلى مناطق مدمرة.
والعشوائيات هي مساكن مبنية في العادة من طبقة واحدة أو طبقتين ك"منازل عربية" ولا توفر لمقاتلي المعارضة الحماية المطلوبة من الغارات الجوية، وقذائف الصواريخ والمدفعية.
ويأتي التصعيد العسكري من قبل النظام وحلفائه في الشمال الشرقي من المدينة المحاصرة، بعدما فشلوا في إحراز تقدم بري في حي الشيخ سعيد في المناطق الجنوبية الغربية من الأحياء المحاصرة. والعمل العسكري في المحورين الشمالي والجنوبي يهدف إلى وصل المناطق الغربية التي تسيطر عليها المليشيات في حلب الغربية، مع مطاري حلب الدولي والنيرب العسكري.
والخيار الأول المتمثل في السيطرة على حي الشيخ سعيد يحقق للمليشيات السيطرة على المحلق الجنوبي الشرقي الواصل بين حلب الغربية والراموسة مع منطقة المطار، الأمر الذي فشل حتى الآن، في حين أن التقدم الأخير للمليشيات في أطراف حلب الشمالية الشرقية يُمكنها من إحكام الطوق على المعارضة المحاصرة، وفتح جبهات جديدة معها ضمن المدينة.
وتعتبر الجبهات الشمالية الشرقية هشة للغاية ولا تتمتع بالتحصينات التي تمتاز بها جبهات الداخل وقلب المدينة أو الجبهات الجنوبية الغربية، في الشيخ سعيد والعامرية وصلاح الدين وغيرها، فالأخيرة، هي جبهات ومحاور قتالية تقليدية كانت منذ سنوات خطوط تماس مع المليشيات، ما يفسر قوة تحصيناتها والفشل في اجتياحها رغم الهجمات المستمرة والتمهيد الناري العنيف.
أما المحاور التي وصلت قوات النظام إليها حديثاً؛ بعيدين ومساكن هنانو والحيدرية وعين التل ومنطقة المحالج، فلم تكن يوماً خطوط تماس، وهي تفتقد لأي تحصينات هندسية تُمكِّن المعارضة من المقاومة فيها، الأمر الذي بات مصدر قلق وتخوف بالنسبة للمعارضة التي بدت عاجزة عن تغطية جبهات جديدة في أطراف الأحياء المحاصرة.
وتتزامن التطورات الأخيرة مع استقدام المليشيات الشيعية تعزيزات عسكرية جديدة في المحاور الجنوبية والشرقية، من المتوقع أن تستهدف عملياتها أحياء كرم الطراب وكرم حومد ومنطقة الكروم القريبة من أطراف الأحياء المحاصرة جهتي الجنوب والشرق. وتهدف التعزيزات في تلك المحاور إلى إبعاد المعارضة عن المحلق الجنوبي، ودفعها نحو الداخل وتضييق الخناق عليها. وإذا تحقق ذلك فعلاً تصبح كامل الجبهات داخل وخارج الأحياء الشرقية المحاصرة مشتعلة ومن الممكن أن تتقدم فيها المليشيات.
ويفرض الواقع الميداني المتغير أخيراً تحدياً كبيراً على المعارضة في حلب، ومن المحتمل أن يهدد صمودها، ويشتت جهودها العسكرية في أكثر من جبهة ومحور قتال. ومن المحتمل أن تحقق المليشيات تقدماً جديداً في الأحياء الشمالية الشرقية، خاصة في حي مساكن هنانو، في ظل الدعم الجوي الروسي والقصف المدفعي والصاروخي الذي يستهدف المنطقة.
وما تزال الغارات الجوية الروسية تحصد أرواح المدنيين في حلب المحاصرة، مستمرة في استهداف البنى التحتية والمرافق العامة من المشافي والمخابز ومراكز الدفاع المدني. وشهدت أحياء الفردوس والمشهد والصالحين وكرم حومد ومساكن هنانو وباب النيرب والمرجة وبستان القصر والصاخور والمعادي والشيخ سعيد والعامرية وجسر الحج وطريق الباب وحلب القديمة، غارات جوية بالصواريخ الفراغية والقنابل الارتجاجية والعنقودية. وذلك بالتزامن مع قصف مدفعي وصاروخي طال ذات الأحياء، مخلفاً أكثر من عشرين قتيلاً وعشرات الجرحى في صفوف المدنيين، الجمعة والسبت.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها