سيناريوهات المقبل من التصعيد وأسئلته

بسام مقداد
الثلاثاء   2024/09/24
حزب الله في أسوأ حالاته منذ حرب العام 2006؟ (Getty)

فيض من الأسئلة- الهواجس يقض مضاجع اللبناني هذه الأيام، ولا أجوبة، ولا من يجيب عليها. ومن كان ينتظر منهم الأجوبة حين كانوا يطلون عليه من شاشات التلفزة، باتوا ينافسونه في طرح أسئلة بلا أجوبة،  وتضاعف هلعه من الآتي. وعادت تترسخ قناعة اللبناني التي تراخت لمدة، والتي نشأ عليها، بأن كلمة المسؤول في بلاده خاوية من دلالاتها، بل هي رديفة الكذب وعدو الصدق والحقيقة. كما عادت لتترسخ لديه حقيقة ترعرع عليها، في أن يداً لا تمتد لعونه في زمن الضيق والهلع، ولا يسمع كلمة تواسيه. مع أن حتى الكلمة لم تعد تتسع للغصة والقهر والهلع والغضب المحتبس في صدره، وهو يرى إلى أي درك يتهاوى. فقد شاع في الأيام الأخيرة على شبكات تواصل اللبنانيين بعد تفجيرات وسائل إتصال حزب الله، رسم بسيط لكأسين من البلاستيك يربط بين قعريهما خيط، وتذيل الرسم عبارة: "هذا رقمي الجديد لمن يريد الاتصال بي". فكل ما زخرت به الأيام الماضية على التفجيرات من تفاصيل وتحليلات وتوقعات، يمر بمحاذاة كل ما تعتمر به النفوس، من دون أن يلامسه. لقد تخطى اليأس والموت والدمار كل ما قيل وما يمكن أن يقال، تخطى الدموع على الآتي منه، ولم تعد سوى أبسط الأشكال والكلمات تعبر عن الكامن في الأعماق.

لا يتجرأ الكثير من اللبنانيين على أنفسهم ليسائلوا أحداً ويلومونه على ما هم فيه وما ينتظرهم. فهم يفيضون بمشاعر الندم وجلد التفس الذي يستحقونه بجدارة على فعلتهم، حين عهِدوا بحياتهم لمن يقتلها، وسلموا مفاتيح منازلهم لمن ساهم في تدميرها، وأوكلوا بمستقبلهم لمن ينتزع أطفالهم من أحضانهم، وجيروا إرادتهم لمن يضرب بها حطام آمالهم.

هكذا تقريباً يصف المراسلون الأجانب حال اللبنانيين هذه الأيام. فهم يمشون في الشوارع مثل "المضروبين على رؤسهم"، كما يقال. وفي أحاديثهم عن وضعهم الراهن ينتتظرون ما يقوله الإعلام الأجنبي لتلمس سيناريوهات الآتي عليهم، ويقارنوه بما يرشح عن القوى المحلية من  سيناريوهات تطور الحرب التي دخلت في مرحلتها الجديدة "معركة الحساب المفتوح"، كما نقلت صحيفة الإزفستيا الروسية في 22 الجاري عن نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم.

ونقلت عنه الصحيفة وصفه عمليات تفجير إسرائيل وسائل اتصال الحزب واغتيال مجموعة من قيادات الصف الأول العسكرية بأنها ثلاثة جرائم حرب "تسببت لنا بالألم"، وتمثل أرفع مستويات القسوة التي "لم نشهدها من قبل".

يرى البعض أن تكثيف العمليات الإسرائيلية وشمولها معظم الأراضي اللبنانية، قد يكون الصيغة البديلة عن توسع الحرب لتشمل المنطقة بأسرها. ومن المتوقع أن يتسلح نتنياهو بصيغة الحرب هذه في زيارته القريبة إلى الولايات المتحدة لمرافعته في دحض اتهامه من قبل الأميركيين بتجاهل رغبتهم في عدم توسيع رقعة الحرب إلى المنطقة.

موقع الخدمة الروسية في BBC نشر في 20 الجاري نصاً تحدث فيه عن احتمالات التصعيد في الصراع بين إسرائيل وحزب الله بعد التفجيرات الأخيرة. وبعد أن تساءل الموقع ما إن كانت الحرب ستتطور إلى حرب شاملة أم إلى هدنة هشة، قال بأن اللبنانيين في شوارع بيروت يستخدمون الهواتف الجوالة وسواها من وسائل الاتصال، والخوف يعتريهم من خطر تفجير جديد. لكن خطر الحرب الشاملة بين إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران، أكبر بما لا يقاس. 

في استعراضه لسيناريوهات تطور الحرب بين إسرائيل وحزب الله، توقف الموقع عند السيناريو المرتبط بكل من الطرفين.

في السيناريو المرتبط بإسرائيل، قال الموقع بأن تل أبيب تمكنت من إضعاف حزب الله، وتكثف هجماتها على أمل تحقيق "نصر حاسم". ويشير إلى تصريح وزير الصحة اللبناني الذي أشار فيه إلى أن هجمات إسرائيل الأخيرة تقول بأن إسرائيل ليست عازمة على البحث عن حل دبلوماسي.

نقل الموقع عن من يصفه بالمخضرم في السياسة العربية، الإسرائيلي إيهود يعاري، قوله إن الهجمات منحت إسرائيل "فرصة نادرة" للعمليات الحاسمة ضد حزب الله ومخزوناته الكبيرة من الصواريخ الدقيقة. فأجهزة اتصالات الحزب تعطلت، وعدد كبير من قادته الميدانيين أصيب بجروح، وبعضهم في حالة خطرة. ويرى أن الوضع الراهن لن يتكرر في الفترة القريبة، وحزب الله في أسوأ حالاته منذ الحرب اللبنانية الثانية في العام 2006.

ونقل الموقع عن مراسل BBC لشؤون الدفاع Paul Adams قوله بأن إهتمام العسكريين الإسرائيليين انتقل إلى الشمال، مع العلم أن الحرب في غزة تستمر. لكن ليس من الواضح بعد كيف تنوي إسرائيل استغلال هذه "الفرصة النادرة"، وما إن كان هناك صراع أكبر يلوح في الأفق.

وبشأن السيناريو المتعلق بحزب الله، رأى الموقع أن بوسع الحزب الآن الهجوم على إسرائيل، ويمكن لإسرائيل أن ترد بغزو برّي للبنان. ورد زعيم حزب الله حسن نصرالله على هجمات الخميس بالقول أن إسرائيل تجاوزت "كل الحدود والقواعد والخطوط الحمراء". واعترف بأن التفجيرات شكلت ضربة غير مسبوقة للتنظيم، لكن قدرته على السيطرة والتواصل ظلت سليمة. وقد تم فتح تحقيق في الحادث. وأضاف بأنه يمكنك أن تسميها جرائم حرب أو إعلان حرب، ومهما تسميها، "فهي (...) تناسب الوصف". ووعد "بالعقاب العادل"، لكن ليس من المستغرب أنه لم يذكر كيف سيكون عليه هذا الرد. وأشار إلى أن الهجمات على إسرائيل ستستمر حتى إنتهاء العملية العسكرية في غزة.

ونقل الموقع عن الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في Chatham House أمجد عراقي، قوله إن إسرائيل أرسلت بهذه الهجمات "إشارات استفزازية" لحزب الله قد تزيد من احتمالات تصعيد الصراع الإقليمي. وأضاف بأن حزب الله الآن قد وُضع في موقف يتعرض فيه لضغوط لتكثيف أنشطته، وهو ما قد يمنح الجيش الإسرائيلي بعض الذريعة للغزو البري المزعوم. ورأى أن إسرائيل قد فشلت في تحقيق أهدافها الأساسية في غزة"، مما أدى إلى وضع تعتقد فيه الحكومة الإسرائيلية أن عليها إعادة تأكيد مفهوم الردع على الجبهة الشمالية للحرب مع حزب الله.

السيناريو الثالث الذي تحدث عنه الموقع يقول بأنه يمكن للهجمات أن تضعف حزب الله، وجعل الصراع أقل احتمالاً.

السيناريو الرابع يقول بأن الهجمات على أجهزة بايجر في لبنان لم تكن جزءاً من إستراتيجية أوسع.

موقع قناة التلفزة الروسية RTVI نقل في 21 الجاري عن مستشرق روسي وصفه لسيناريو لما يسميه "الصراع الجديد" بين إسرائيل وحزب الله. رأى المستشرق  Kirill Semenov أن حزب الله، وفي الرد على تفجير وسائل اتصالاته عن بعد، قد يعمد إلى توسيع رقعة قصفه للأراضي الإسرائيلية. فحتى الآن كان الحزب يحاول أن يقتصر القصف على شمال إسرائيل، مع العلم أن بوسع صواريخه بلوغ كافة أراضي إسرائيل. لكن للحزب مروحة مصالح في لبنان تتجاوز الحرب مع إسرائيل، ويراعي القوى الأخرى في البلاد ولن يلجأ إلى التصعيد.

أما فيما يتعلق بالإجراءات الإسرائيلية المحتملة، فليس من الواضح ما إن كان قد اتخذ قراراً بعملية برية واسعة تعارضها الولايات المتحدة بشكل قاطع. وبعد أن يشير المستشرق إلى تحصينات "جدية" لحزب الله في أودية سلسلة جبال لبنان الشرقية اكتوت بنيرانها إسرائيل العام 2006، يقول بأن من المستبعد أن تكون عمليات إسرائيل في الصراع الجديد كما كانت في ذلك العام، وعلى الأرجح سيكون هجوماً تدريجياً على تحصينات حزب الله المجاورة للحدود.