التفجيرات في لبنان بدل الحرب الشاملة؟

بسام مقداد
الأحد   2024/09/22
أعرب الكرملين عن مخاوفه من أن يتكرر في روسيا تفجير وسائل الاتصال كما حدث في لبنان (علي علوش)

زخرت الأيام الماضية التي تلت التفجيرات في لبنان بفيض من التفاصيل والتحليلات والتوقعات، التي تناولت الحدث. ولم يقتصر الأمر على وسائل الإعلام في لبنان والمنطقة، بل تصدر الخبر اللبناني عناوين كبريات المنابر الإعلامية في العالم. ومنذ سنوات، وهذا الخبر لا يثير اهتمام الإعلام والقارىء الأجنبي، إلا حين يقترن بواحد من استعصاءات الشرق الأوسط أبدية التناسل.

معظم الإعلام الروسي والناطق بالروسية الذي توقف عند الحدث اللبناني الأخير، استعرض التفاصيل المتعلقة بكيفية تمكن الأجهزة الإسرائيلية من اختراق سلسلة نقل شحنات البايجر وأجهزة اللاسلكي التي تفجرت، وآليات التفجير التي استخدمت. والقليل منها أرفق ما نشره بتحليلات الخبراء وآرائهم بما حدث وأهدافه، وما يمكن أن يليه من تأثير على واقع حزب الله ومستقبل علاقته بإيران، وعلى احتمال توسع الحرب لتشمل المنطقة باسرها.  

صحيفة الأعمال الروسية الاتحادية Vedomosty ناقشت في 18 الجاري التطورات المحتملة بعد تفجيرات أجهزة حزب الله. وفي سياق عرضها لتفاصيل الحدث في مقدمة النص، توقفت الصحيفة عند إشارة صحيفة نيويورك تايمز إلى وقوف إسرائيل وراء التفجيرات. وذكرت أنه قبل التفجير بدقائق، أجرى وزير الدفاع الإسرائيلي اتصالاً هاتفياً بنظيره الأميركي وأطلعه على بدء عملية إسرائيلية، من دون الإشارة إلى أي تفاصيل. ونقلت عن الخبير الروسي Leo Sokolshchik العامل في أحد معاهد "مدرسة الاقتصاد العليا" الروسية قوله بأنه لا يستبعد بأن بنيامين نتنياهو أبقى الولايات المتحدة طويلاً بعيدة عن خططه. ورأى الخبير أن الولايات المتحدة، وعلى الرغم من المشاكل الراهنة في المنطقة، تخطط لتقليص تواجدها في الشرق الأوسط.، ولذا بوسع اللاعبين الكبار في المنطقة، مثل إسرائيل، أن يتصرفوا باستقلالية أكبر.

ونقلت الصحيفة عن الناطق بإسم الكرملين دمتري بيسكوف تعليقه على الانفجارات في لبنان بالقول إنها ترفع مستوى التوتر في المنطقة التي يسودها وضع متفجر في الأصل. ورأت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن التفجيرات في لبنان هي "إرهاب وحرب هجينة"، وأدانت الهجوم غير المسبوق على "لبنان الصديق"، وخرق سيادته. وقالت بأن هدف منظمي الهجوم إشعال صراع مسلح، من دون أن تسمي االطرف المعني بمثل هذا الصراع. وأشارت إلى أن أردوغان كان بين زعماء الدول القلائل الذين ربطوا بين إسرائيل والتفجيرات في لبنان. كما أشارت إلى إدانة رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي للانفجارات ورفضه توسيع رقعة الحرب، وقالت بأنه لم يحدد منظميها والمستفيدين منها.

نقلت الصحيفة عن الباحثة في معهد بريماكوف للاقتصاد العالمي والسياسة الدولية Ludmila Samarskaya قولها بأن إسرائيل اضطرت إلى اتخاذ القرار بالتفجيرات (بسبب ما زُعم عن شكوك حامت لدى عناصر من حزب حول أجهزة البايجر) لا يلغي هدف إسرائيل من التفجيرات: تخفيض القدرات العسكرية لحزب الله. وافترضت الباحثة أن العملية قد تكون في المرحلة الراهنة البديل عن الحرب الشاملة في المنطقة.

لكن الأستاذ في إحدى كليات الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية Igor Matveev يرى أن الحرب بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن تشتعل. غير أنه في حال نشوبها، يستبعد الأستاذ الجامعي أن تمتد إلى كل المنطقة بمشاركة مباشرة من إيران.

وتعود الصحيفة إلى الخبير Sokolshchik لتنقل عنه قوله إن الولايات المتحدة اتخذت قراراً بالنأي حالياً عن مثل هذه الحرب، وذلك لانشغالها في الانتخابات الرئاسية، وليست بحاجة إلى التصعيد الجدّي في الشرق الأوسط. وقال بأن الوضع في المنطقة يسبب مصاعب لواشنطن، واحتمال استفزاز إيران والمجموعات الحليفة المؤيدة لها يعقد الوضع أيضاً.

الخبير الروسي المتخصص بالشؤون الإيرانية Oleg Akulinichev قال للصحيفة إن إيران لن تتخذ قرارات متسرعة. وستستمر في تقديم المساعدات الإنسانية للبنان، وستدعمه بالتصريحات المتعاطفة العلنية. ويؤكد الخبير أن إدارة الرئيس بيزيشكيان عازمة على العمل للحد تدريجياً من ضغط عقوبات الولايات المتحدة على بلاده، والتصعيد الحاد في العلاقات مع إسرائيل قد يعرقل هذا المسعى.  

الكرملين أعرب عن مخاوفه من أن يتكرر في روسيا تفجير وسائل الاتصال، وطلب من الاختصاصيين الروس دراسة تفاصيل التفجيرات التي وقعت في لبنان، ومعرفة من يقف وراءها، لتفاديها في روسيا. فقد نقل موقع apa الأذري في 18 الجاري عن الناطق بإسم الكرملين قوله إن الاختصاصيين الروس سيدرسون بعناية فائقة أسباب التفجير الجماعي لأنظمة بايجر في لبنان، من أجل الحؤول دون تكرار العملية في روسيا وأماكن أخرى.

بدورها صحيفة MK الروسية الاتحادية المخضرمة، وفي نص نشرته في 18 الجاري، نقلت في عنوانه عن لسان خبير روسي تساؤله ما إن كانت كييف يمكن أن تكرر "عمل بايجر الإرهابي" اللبناني في روسيا. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تحددها قولها إن إسرائيل نفذت التفجيرات في لبنان لكي ترفع المجابهة مع حزب الله إلى مستوى أرفع، مع السعي في الوقت عينه إلى تجنب تصعيد الصراع إلى حرب شاملة. وهدف العملية الأساسي يقوم على تقويض الثقة بحزب الله، وخلق الشعور وسط أعضاء المجموعة بأنهم مراقبون من عملاء كثيرين.

وقالت الصحيفة أن خبراء عسكريين روس يفترضون أن أوكرانيا بوسعها أن تستفيد من تجربة أجهزة المخابرات الإسرائيلية، لتقدم على عمل إرهابي بتفجير وسائل الاتصال الفردية في روسيا. ورأت أن نظام كييف لا يأنف من إستخدام الوسائل الإرهابية ولا يلتفت إلى الضحايا المدنيين. ونقلت عن الخبير الروسي في حقل الاتصالات اللاسلكية Evgeniy Balabas افتراضه بأن أوكرانيا بوسعها التسلل إلى هواتف الروس. لكنه رفض إمكانية تفخيخ وسائل اتصال العسكريين الروس، لأنها عملية مركزية تتم عبر وزارة الدفاع، وكذلك الهواتف المدنية لأنها موثقة جميعها من الجمارك الروسية، والقليل منها معرض لأنه يصل إلى المواطنيين بطرق تتجنب الجمارك.

تستعرض الصحيفة رأي أحد أعضاء مجلس مدينة لوغانسك في إقليم الدونباس الأوكراني المحتل. رأى الرجل أن "طغمة كييف" تتحرق شوقاً لتكرار عملية تفجيرات وسائل اتصالات حزب الله في الهواتف الروسية.

موقع vesty الأذري رأى في نص نشره في 18 الجاري أن إسرائيل نظمت عملية أجهزة البايجر 11 أيلول/سبتمبر لحزب الله. ونقل عن مصادر لم يحددها أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي يدرس ثلاثة خيارات لما على إسرائيل أن تقوم به إثر التفجيرات في لبنان.

الخيار الأول: يقتضي دخول إسرائيل الحرب مع حزب الله وتفجير وسائل اتصالاته وفق المخطط الأساسي.

الخيار الثاني: تفجير وسائل الاتصالات على الفور قبل الحرب، وإلحاق أكبر الخسائر الممكنة بحزب الله.

الخيار الثالث: تعريض الخطة لخطر الانكشاف وتجاهل مخاطر عثور عناصر حزب الله على المتفجرات.

ويقول هؤلاء الخبراء أن الخيار الثاني تم تنفيذه عملياً في العملية الأخيرة في لبنان.

موقع الخدمة الروسية في الراديو والتلفزيون التركي TRT رأى في نص نشره في 18 الجاري أن أجهزة البايجر هي سلاح جديد للإرهاب.

ونقل الموقع عن الخبير التركي في الأمن السيبراني Ersin Çahmutoğlu قوله أن العملية الإسرائيلية تضمنت ثلاثة عناصر: النشاط الإستخباري، التدخل السيبراني والتدخل الفيزيائي. ويؤكد على دور الموساد في العملية، لكن الدور الأكبر فيها لعبته الوحدة 8200 في المخابرات العسكرية.

يختتم الموقع نصه بالقول إن العملية الإسرائيلية سيكون لها آثار بعيدة المدى على الأمن الدولي، وقد تغير مقاربات استخدام التكنولوجيا في مناطق الصراعات.