الانتفاضة السورية على تركيا... لا تُصرف في لبنان

نور الهاشم
الثلاثاء   2024/07/02
إحراق شاحنة تركية خلال الاحتجاجات المناهضة لتركيا في مدينة الباب شمالي سوريا (غيتي)
الاستثمار في "انتفاضة" السوريين في الشمال على الوجود التركي، للتخويف من الوجود السوري في لبنان، ينطوي على خبث سياسي. البلدان ليسا متشابهَين في الدور، والسوريون في المنطقتين لا يتشابهون في التحرك، ومسببات "الانتفاضة" الأخيرة، لا يمكنها أن تكون في أي حال من الأحوال، سبباً لتحرك عنيف في لبنان، لانتفاء الذرائع والموجبات. 

ورغم الضغوط السياسية والإعلامية على السوريين في لبنان، إلا أن السيستم ما زال قادراً على توفير الحد الأدنى من الخدمات والضمانات والحمايات. هو ضغط من جانب واحد، ديموغرافي واقتصادي، دفع لضغط مقابل، سياسي وإعلامي، ولم يمسّ بالالتزام الانساني الذي قدمه اللبنانيون على مدى 13 عاماً، وتالياً، لم يفقد السوريون الأمان، رغم حوادث استثنائية حصلت في فترات متفاوتة، ولم تغير شيئاً في واقع "حسن الضيافة"، حسبما يقول الدبلوماسيون الأجانب خلال زياراتهم الى بيروت.

على النقيض من ذلك، تتواجد تركيا في الأراضي السورية في الشمال كقوة عسكرية وأمنية، وتضطلع بمهام الإدارة المدنية. خلق الوجود العسكري دينامية غير مريحة للسوريين الذين هربوا من سطوة الأسد، فيما أعطت الهيبة الأمنية التركية الموجودة في الشمال، الموظفين الأتراك، أو السوريين العاملين في مؤسسات مسيطر عليها من قبل تركيا، شعوراً بفائض القوة. 


هذا الشعور، دفع السوريين للشكوى من "تكبر" و"تعجرف" بعض الموظفين، خصوصاً العاملين في مكاتب صرف الأموال والرواتب BTT، ويتحدث السوريون عن "انتهاكات" تقوم بها قوى مسلحة محسوبة على تركيا، أو حتى بعض العناصر التركية غير المنضبطة، لدرجة بات هناك سؤال متكرر في أوساط السوريين: "مَن يحاسب العناصر والمجموعات والنافذين المتورطين في الانتهاكات؟"

بات سكان الشمال السوري منقسمين الى شقين، فريق تكيّف مع الواقع، على قاعدة أن الخيار الآخر (أي الأسد) "لن يرحم".. وفريق آخر ما زال يمتلك حساً ثورياً، يرفض الهروب من سطوة سلاح وتفلت، الى سلاح وتفلت آخر.. يرى هؤلاء أنهم يقيمون في أرضهم، ويرفضون انتزاع حريتهم تحت أي مسمى.. وازدادوا توجساً جراء أنباء اعلامية عن نية تركية بتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وطي صفحة الماضي، ما يعني أن مصير السوريين بات على المحك، وخاضع لأي تسوية لاحقة. ويُضاف ذلك الى امتيازات تتخوف فصائل من أن تُحرم منها، جراء مشاريع تركية لتنظيم المنطقة، بينها فتح معبر ابو الزندين الذي يوصل الباب بمنطقة الراعي، ما يعني أنه سيحيل معبر أعزاز الى التهميش، وهو أمر من شأنه أن ينهي نفوذ بعض الفصائل الثورية. 


هذه الوقائع، دفعت كثيرين للخروج في انتفاضة على الوجود التركي، أشعلتها عنصرية تركية تغذت من خطابات المعارضة، حسبما يرى حزب "العدالة التنمية"، ودفعت الأتراك إلى ارتكاب انتهاكات بحق السوريين في تركيا. 

ليس تفصيلاً أن يطلق السوريون في الشمال، انتفاضة، يرى البعض إنها "ميني ثورة"، وأن يزيلوا كل مظاهر الوجود التركي، بما فيها الأعلام، ويهاجموا مقر الوالي في عفرين. هاجم سوريون الأتراك، وأحرقوا سيارات شحن، في رد على استهداف متاجر وممتلكات لسوريين في قيصري بوسط تركيا، مساء الأحد، بعد اعتقال سوري للاشتباه في تحرشه بقاصر. الحدث كبير، بالنظر الى أن تركيا، دعمت على مدى 10 سنوات على الأقل، انتفاضة السوريين ضد النظام، واستضافت الملايين من النازحين، واختارها السوريون واعتبروها منقذاً من بطش النظام. 

دخلت المنطقة في موجة من العنف، ورسمت ملامح أزمة كبيرة انفجرت جراء حدث موضعي، حصل مثله الكثير على مدار السنوات الخمس الماضية. يتفرج النظام السوري على الحدث، ويروج أنصاره بأن ما يحصل هو ثورة على تركيا. 

تلك الظروف والوقائع، لا تشبه الوقائع اللبنانية، ولا طبيعة الوجود السوري في لبنان، ما يجعل الاستثمار في الواقعة للتخويف من السوريين، ضرباً من الدجل.