الخميس 2024/09/19

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

لبنان فوضى معلومات ورعب بمواجهة "سلاح يوم القيامة"

الخميس 2024/09/19
لبنان فوضى معلومات ورعب بمواجهة "سلاح يوم القيامة"
أهالي جرحى التفجيرات الجديدة أمام مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت (المدن)
increase حجم الخط decrease
لعلها حالة الرعب الأسوأ التي يشهدها لبنان منذ بدء الحرب. رعب متواصل، دخل بيوت اللبنانيين جميعاً، وتحديداً القاطنين في مناطق يسكنها عناصر من "حزب الله"، بعد انفجارات الأجهزة اللاسلكية والتي خلّفت، خلال يومين، آلاف المصابين، وأكثر من 30 قتيلاً. رعب عام، مستمر، لا يستثني أحداً، ويزداد قسوة بتحليلات وتقديرات لا يُدرَك الصحيح منها أو المضلل.

منذ اللحظات الأولى للهجمات، غصّت شاشات التلفزة بالخبراء في الأمن السيبراني والتقنيات الحديثة والذكاء التوليدي، إلى جانب متخصصين آخرين في المجال التكنولوجي. تعدّدت الفرضيات وطُرحت سيناريوهات مختلفة لتحليل ما جرى. وكما هو الحال في كل حدث كبير، تدفقت المحتويات الرقمية من فيديوهات تحليلية وتقارير أمنية وتقنية، تحاول تفسير ما حدث. وكل هذه التفسيرات سبقت البيان الرسمي لـ"حزب الله"، الجهة المستهدفة في هذه العمليات، وهو في هذه الحالة، الوحيد الذي يفترض أن يمتلك المعلومة، أو على الأقل التقدير لما حصل، وما زال متكتماً، ما يعني أنه أيضاً في طور التقديرات.

في هذه الحالة، غياب الرواية الرسمية حول ما حدث ويحدث، يبدو أمراً متوقعاً، في ظل الإمكانات الضئيلة للأجهزة الأمنية اللبنانية، والأهم تعقيد الهجوم وطبيعته غير المألوفة، إذ أنه ربما يكون الأول من نوعه على مستوى العالم. وبالتالي، تحليل ما جرى من قبل الجهات المختصة وتقديم تقرير تقني، حتى ولو أوّلي، يعدّ مهمةً صعبة، فمثل هذه القضايا يتطلب أنظمة متقدّمة وكوادر وخبرات متخصّصة.


على أن التحليلات التي اجتاحت الشاشات والمنصات الرقمية، يبدو أن معظمها لم يقدم الإرشاد المطلوب بقدر ما ساهم في تعزيز حالة الذعر بين اللبنانيين. فقد بدأت الشائعات تتحدث عن احتمالات انفجار ألواح الطاقة الشمسية، أو حتى الهواتف الذكية في أيدي المستخدمين. وبالتزامن مع هذه المخاوف، استمر انتشار المعلومات الزائفة والمضللة، حيث تم تداول مقاطع فيديو لحوادث انفجارات هواتف أو أجهزة لابتوب لم تقع في لبنان أصلاً. هذه المواد المغلوطة لم تؤدِ إلا إلى تعميق الأزمة وزيادة حالة الرعب بين المواطنين.


تضاف إلى ذلك، الحرب النفسية التي يقودها الإعلام العبري، الذي تنتشر منشوراته بين اللبنانيين، وتتحدث عن امتلاك دولة الاحتلال أسلحة تكنولوجية نوعية، وأن ما تم استخدامه في المواجهات هو جزء من هذه الأسلحة، وسُمّيت "أسلحة يوم القيامة"... فتفاقم الذعر والقلق.


في مقابلة أجرتها "المدن" مع متحدث بإسم منظمة "سميكس" للحقوق الرقمية، أفادت المنظمة بأن تفاصيل الحادثة المتعلقة بانفجار أجهزة النداء ما زالت غير واضحة، وذلك في ظل غياب أي بيان رسمي. وأوضحت "سميكس" أنها قامت بتحليل الواقعة من منظور تقني وسيبراني، وقدمت ثلاث نظريات لتفسير ما جرى.

النظرية الأولى تشير إلى احتمال العبث بالأجهزة أثناء الشحن وزرع عبوات متفجرة صغيرة يتم تفعيلها من بُعد أو بجهاز توقيت. النظرية الثانية تقترح ضلوع الاستخبارات الإسرائيلية، عبر استغلال ثغرة تكنولوجية أدت إلى ارتفاع حرارة البطاريات وانفجارها. أما النظرية الثالثة فتفترض أن الهجوم تم عبر التلاعب بسلسلة توريد الأجهزة، مع تفعيل لاحق بواسطة موجات راديو من محطة أرضية أو جهاز استخباراتي. وشددت "سميكس" على ضرورة إصدار توضيحات رسمية لفهم الحادثة بشكل دقيق، نظراً لغياب تفاصيل واضحة.


وفي حديثه لـ"المدن"، أشار الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، مصطفى أسعد، إلى أننا أمام نوع جديد من الهجمات يصعب فهمه بشكل كامل. وقال "إن التوصل إلى رواية واضحة ومفصّلة حول ما جرى، وكيفية حدوثه، والتقنيات المستخدمة، يعدّ أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن شبه مستحيل". وأضاف أسعد أن التحليل الكامل للحادثة يتطلب دراسة معمقة لكل الجوانب المرتبطة بالانفجار، بما في ذلك آلية التفجير، وما هو الشيء الذي انفجر، وكيف تم الانفجار، ومن كان وراء الاختراق. واعتبر أن ما حدث اليوم في أجهزة الاتصالات اللاسلكية أمر معقّد للغاية، ولا يمكن توفير إحاطة شاملة عنه بشكل فوري ومباشر.

وأكد أسعد أن مخاوف الناس مبرّرة تماماً، لا سيما في ظل غياب المعلومات الدقيقة. وأضاف: "نحن أمام تطور جديد في مجال الهجمات قد يتخطى مستوى الهجمات السيبرانية المعتادة. ولا يمكن حصر المسألة في نطاق الشركة التايوانية أو الهنغارية فقط، فهناك أبعاد أوسع وأكبر بكثير ستتضح مع مرور الوقت من خلال الدراسات والتحليلات المتخصصة".

وفي ظل هذه الظروف الحرجة التي تعيشها البلاد، والتي ترقى إلى حالة حرب حقيقية، تبرز أهمية التحلي بالمسؤولية في كل كلمة تُقال أو تحليل يُقدَّم. فلكل تحليل أو تقدير أو بيان، أثر بالغ في تشكيل الرأي العام وتوجيه الأحداث. لذلك، فإن كل مؤسسة إعلامية، وكل صحافي، ناشط، أو خبير، يتحمل مسؤولية اجتماعية كبيرة تتطلب دقة ووعيًا بالتداعيات التي قد تترتب على كلماته وتحليلاته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها