وجد الممثل حسن يوسف نفسه في مرمى نيران منتقديه حينما قرر العام 1990 اعتزال الفن والعمل فى التجارة تماثلاً بزوجته الممثلة شمس البارودي التي سبقته في قرار مماثل قبل ذلك بنحو سبع سنوات قادت على أثره تياراً كاسحاً لحجاب عدد لا يستهان به من الفنانات استمر ربّما حتى بداية الألفية الجديدة. وحينما خفتت سطوة هذا التيار، فوجئ الجميع بعودة حسن يوسف مرة أخرى إلى التمثيل، ووجد"الولد الشقي"، كما كانوا يلقبونه في شبابه، في مرمى أسئلة شائكة من جديد: لماذا اعتزل ولماذا عاد؟ وما هو الفن الذي يريد تقديمه؟ وما هو موقف زوجته الملتزمة دينياً من تلك العودة؟ وهل تنوى هي الأخرى العودة للأضواء؟
كان الرجل واضحاً في موقفه المعلن من هذا كله: أنا مسؤول فقط عن قراراتي، وشمس لها كامل الحرية في ما تعتقد وتنوي، وهي مستمرة في طريقها الجديد الذي اختارته، وأنا عائد لأقدم الفن الذي أحترمه ويحترمني. وبالفعل عاد الرجل العام 2002 بمسلسلي "ابن ماجة القزويني" و"إمام الدعاة" الذي يحكى سيرة الداعية الإسلامي الراحل محمد متولي الشعراوي، ثم استمر في تقديم مجموعة من المسلسلات الدينية والاجتماعية تخفف في بعضها من القيود الصارمة التي كان قد ألزم نفسه بها عند العودة للتمثيل على النحو الذي رأيناه في مسلسل "زهرة وأزواجها الخمسة" أمام الممثلة غادة عبد الرازق، ولذلك كانت دهشته كبيرة حينما تراجعت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن تكريمه في دورة العام 2007، وأذكر أن إدارة المهرجان كلفتني آنذاك بوضع كتاب تكريم لكل من الفنانين حسن يوسف وأحمد رمزي باعتبارهما رائدَي تيار سينما الشباب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وبدأتُ بالفعل في التواصل مع الممثلين الكبيرين، وفجأة أخطرتني إدارة المهرجان بأنها تراجعت عن تكريم حسن يوسف، ليقتصر الأمر على أحمد رمزي، من دون إبداء أسباب واضحة، وهو ما حدث بالفعل من خلال كتابي "أحمد رمزي.. أيامنا الحلوة".
يومها، جاءني صوت حسن يوسف عبر الهاتف حزيناً ومستاءً من هذا القرار، ومؤكداً أنه لم يحرِّم يوماً أو يجرِّم الفن، ولم يصدر عنه قط ما يشير إلى ذلك. وأشهد أن حسن يوسف الذي أعرفه منذ العام 1988 حينما كان يصوّر دوره في الجزء الثاني من مسلسل "ليالي الحلمية"، لم يتبرأ مرة من أدواره التي قدمها منذ ولوجه عالم التمثيل في فيلم "أنا حرة" سنة 1959 للمخرج صلاح ابو سيف، بدليل أنه سمح لابنه عمر باحتراف التمثييل منذ سنوات، وهو ما زال سائراً على طريق والده في التمثيل حتى الآن. لكن يبدو أن الرجل الذي رحل عن دنيانا بالأمس، ظل موصوماً في عقود عمره الأخيرة بالتزامه الفني، أو ربما بآراء زوجته شمس البارودي التي لطالما جاهرت بتبرؤها من مشوارها الفني كله.
وكان حسن يوسف المولود العام 1934 قد تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون في مصر قبل أن يظهر في شاشة السينما في أدوار مساعدة، كما في فيلميه الأولين "أنا حرة" و"سوق السلاح"، وبعدهما فيلمه المهم "في بيتنا رجل" من إخراج بركات وأمام عمر الشريف. ثم أتته بطولته الأولى على يد المخرج حسن الإمام في فيلم "التلميذة" سنة 1961 أمام شادية، ثمّ عاد حسن الإمام ليمنحه دوره اللافت في معية عبد الحليم حافظ في فيلم "الخطايا" العام التالي مباشرة، حيث رسم له الإمام أول ملامح شخصيته الفنية التي عرف بها لاحقاً، ذلك الشاب المرح المفعم بالحيوية من دون انحراف أو طيش. ومن ثم، أصبح مع أحمد رمزي، وأي ثالث لهما (يوسف فخر الدين أو محمد عوض أو رشدي أباظة أو عبد المنعم إبراهيم) جزءاً أصيلاً من توليفة أفلام المغامرات التي سادت سينما الستينيات، فبدا معادلاً ذكورياً لأنوثة سعاد حسني وحيويتها، وهذا ما يفسر لماذا اجتمع الإثنان معاً في اثني عشر فيلماً خلال تلك الفترة: للرجال فقط، الثلاثة يحبونها، الزواج على الطريقة الحديثة، فتاة الاستعراض، حكاية 3 بنات، وشيء من العذاب،...
ولوّن ثنائي حسن وسعاد الناجح، سنوات الستينيات، بنوعية معينة من أفلام المغامرات والشباب باتت سِمة المرحلة، ولم تكن نادية لطفي وزيزي البدراوي ثم ميرفت أمين ونجلاء فتحي بعيدات من هذه النوعية التي كان بطلها الأول حسن يوسف.
واستمر الولد الشقي يقدم النوعية ذاتها طوال النصف الأول من السبعينيات مع دخول أسماء أخرى من الممثلين كعادل إمام وسمير غانم، وأمام ممثلات أخريات مثل سهير رمزي ونبيلة عبيد وشمس البارودي التي تزوجها العام 1972 بعد قصة حب بدأت خيوطها في بيروت أثناء تصوير فيلم "رحلة حب" على أثر انفصاله عن زوجته الأولى لبلبة، وانفصال شمس عن زوجها الأمير خالد بن سعود وفشل خطبتها للمخرج حسام الدين مصطفى، فظهر يوسف في تلك الفترة في مجموعة من الأفلام مثل: الشياطين والكورة، الزواج السعيد، حب على شاطئ ميامي، الشياطين في أجازة، البنات والمرسيدس، وملوك الضحك.
لكن الرجل الذي كان قد تجاوز الأربعين من عمره آنذاك، أدرك أن للعمر مقتضياته، وأنه لن يستطيع الاستمرار على هذا النحو، فقرر منذ العام 1971 الجمع بين التمثيل والإخراج، بدءاً بفيلم ولد وبنت وشيطان، ووصل إلى قمة نضجه الإخراجي في فيلمَي الجبان والحب سنة 1975، وكفاني يا قلب العام 1977 من بطولة زوجته شمس البارودي وعن روايتين للكاتب الصحافي موسى صبري، قبل أن يودع عالم السينما نهائياً العام 1990 بطلا لفيلم "الشقيقتان" من إخراج زهير بكير، مكتفياً بإسهاماته في الدراما التلفزيونية، لا سيما الأعمال الدينية التي حقق فيها نجاحاً ملحوظاً.
وعندما اقترب حسن يوسف من عامه التسعين مع بدايات هذه السنة، تعرض لمحنة إنسانية قاسية حينما فقد ابنه الشاب الذي راح ضحية حادث غرق في أحد منتجعات الساحل الشمالي في مصر، ما أصابه بمتلازمة القلب المكسور وأدخله في شرنقة الاكتئاب، فأعلن اعتزاله الفن نهائيا، وبقي في عزلته حتى أعلنت أسرته وفاته.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها