الخميس 2016/05/19

آخر تحديث: 13:58 (بيروت)

جنرال النوايا

الخميس 2016/05/19
جنرال النوايا
يستند الجنرال في تحديد خياراته وتحالفاته على قاعدة أنه الزعيم المسيحي الأقوى (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
يكاد العماد ميشال عون الزعيم السياسي الوحيد الذي يقضي عمره السياسي وهو يختبر النوايا، وهو بنى مواقفه وعلاقاته وتحالفاته، منذ عودته من المنفى، على هذه النوايا التي وضعته في مواقع لا هي محايدة ولا هي منحازة بالكامل ولا هي حاسمة بالفعل، وبقي صراخه في وادٍ لا رجع له للصدى.

رهن الرجل مستقبله السياسي في موقع واحد، رئاسة الجمهورية، وصرف طاقته في سبيل الوصول إلى هذا المبتغى ودفع من رصيده كثيراً، وأصبح كمن وضع لوحة على حائط  يرمي سهامه عليها من دون أن يصيب الدائرة في قلبها ويناوله الحلفاء السهام الملتوية التي لا تصيب هدفاً. وظلوا يتفرّجون عليه وهم على يقين أنه لن يصيب الهدف.

يستند الجنرال في تحديد خياراته وتحالفاته على قاعدة أنه الزعيم المسيحي الأقوى ولديه الأكثرية المسيحية، وأنه الأجدر من غيره في تمثيل المسيحيين والأنسب لتولي رئاسة الجمهورية. وهو خاض أول اختبار للنوايا مع "حزب الله" من خلال وثيقة التفاهم التي أعطت الحزب ما أراد الحصول عليه، فأمنت له غطاء مسيحياً وجعلته يخترق الجدار الذي كان يسد عليه دخول المناطق المسيحية، كما خلقت له توازناً جديداً يتحكم بالسلطة، خصوصاً بعدما تمرد الشريك السني إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ونشوء قوى 14 آذار وخروج الجيش السوري من لبنان.

لكن النوايا التي أراد عون اختبارها بالوثيقة ظلت نوايا، ولم يأخذ الجنرال من الوثيقة ما أراده رغم أنه بهذه الوثيقة مع الحزب غامر بحساباته الرئاسية وبالمزاج المسيحي العام، وبالمواقف الإقليمية والدولية منه. وقضى الرجل سنواتٍ وهو يدافع عن الوثيقة تحت مظلة شعارات أبرزها إنهاء تهميش المسيحيين وعودة الدور المسيحي الفاعل بعد إقصاء دام أكثر من 15 سنة من دون أن يجاهر بالهدف الرئيسي والمضمر، أي كرسي بعبدا، حتى أخذ خطابه السياسي يتراجع ويتغير من مسألة سلاح المقاومة وأصبح أحد المدافعين عن معادلة "حزب الله": الجيش والشعب والمقاومة.

وظل "حزب الله" منذ إعلان ورقة التفاهم في 2006، يعزف على وتر حلم عون بالرئاسة، مع أن الحزب وبعد اندلاع الأحداث في سوريا، تغير مزاجه السياسي الداخلي واختلفت توجهاته الداخلية والإقليمية عن توجهات عون الذي يحصر مواقفه بالوضع الداخلي وبالانتخابات النيابية وقانونها والتعيينات الإدارية والتمثيل المسيحي، وهي قضايا تعيق انشغال "حزب الله" بالحرب في سوريا ولم تعد تحتل الأولوية لديه. ما أدى في كثير من الأحيان إلى اختلافات بين توجهات عون والحزب وشكلت في كثير من الأحيان حرجاً للحزب حيثما كانت الأمور تتطلب مواقف معينة.

لكن فاتورة الجنرال عند الحزب لا يمكن صرفها من خزنة تدفع كل مدخراتها في الساحة السورية. لذلك فإن معارك الجنرال سواء في الرئاسة أم في التعيينات الإدارية والعسكرية لم تؤت انتصاراً ولم ترض عون، بينما شاح الحزب عنها النظر، إضافة إلى أن الحزب انصرف عن حل الخلافات بين حليفيه نبيه بري وميشال عون وبقيت النوايا نوايا.

ودخل لبنان عامه الثاني في الفراغ الرئاسي ولم يستطع المجلس النيابي بعد 39 جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، وظل عون مرشحاً دائماً من دون أن يعزز حلفاؤه فرصه بانتخابه رئيساً، بل ازداد الأمر تعقيداً مع دخول الحليف سليمان فرنجية مرشحاً قوياً بترشيح من رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري.

ودس رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع ورقة نوايا جديدة في جيب الجنرال ورشحه في انتخابات الرئاسة، وهذه المرة دفع الجنرال من رصيده الـ14 آذاري من دون أن تترجم نوايا القوات إلى حقيقة، ومن دون أن يدفع جعجع من حسابه باعتبار أنه رشح الجنرال رداً على خطوة ترشيح حليفه الحريري لفرنجية في انتخابات الرئاسة.

واختلط  حابل الجنرال بنابل الانتخابات البلدية وبدا عون مرتبكاً في تحالفاته تارة مع قوى "14 آذار" حسب توزعها الجغرافي والمناطقي، وتارة مع "القوات" و"المستقبل". لكن هذه التحالفات لم تعط جنرال الرابية ما أراده، فتعرضت لوائحه الانتخابية إما إلى اختراقات أو فشل أو انتصارت هزيلة وغير كاملة أو انتصارات مطلقة في بعض المناطق، لكن ذلك لا يدعم شعاره الأساسي وهو أنه الزعيم المسيحي الأقوى والممثل الأوحد للمسيحيين.

كان لا بد للجنرال أن يمتحن موقعه الانتخابي قبل الانتخابات البلدية، فحشد قوته وطاقاته وحول الانتخابات من إنمائية إلى سياسية، حاملاً معه أوراق النوايا من هذا الطرف أو ذاك لتوظيفها في الوصول إلى الهدف الأساسي والاوحد: انتخابات رئاسة الجمهورية. وهو ما لم يستطع حسمه كغيرها من المعارك التي خاضها في حربه على كل الجبهات الداخلية.

يبدو أنه كُتب على الجنرال أن يظل محكوماً بالنوايا وأن يتأرجح في مواقفه متكئاً على عصا النوايا التي تعطى له كلما انكسرت عصاه وهو ما زال يبني مواقفه على أساسها ويدفع من رصيده المتبقي في حين أن طريق بعبدا لم تُعبد بعد.

لكن النوايا عندما يتقدم بها العمر وتبقى نوايا فهي تصبح باطلة بفعل الزمن مثلها مثل القضايا الجنائية التي تسقط مع الزمن.. وأطال الله عمر الجنرال.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها