الأربعاء 2016/04/06

آخر تحديث: 14:14 (بيروت)

موسم هجرة المؤسسات الإعلامية من لبنان

الأربعاء 2016/04/06
موسم هجرة المؤسسات الإعلامية من لبنان
صحافة البلد مقياس ديمقراطيته (تصور: علي علوش)
increase حجم الخط decrease
إذا أردت أن تطلع على مقياس الديمقراطية في بلد ما أنظر إلى صحافته، وإذا أردت أن تطلع على مقياس الحرية فيه أنظر إلى وسائل الإعلام الأجنبية التي توجد فيه والبيئة التي تعمل فيها.

هذان المقياسان هما أكثر ما ميز لبنان على مدى عقود من الزمن وكانت نسبة الديمقراطية التي يتمتع بها تميزه عن غيره من دول المنطقة، وكانت صحافته مركز استقطاب مئات الصحافيين العرب، مثلما كان قبلة للإعلام العربي والعالمي في اتخاذه مركزاً لتغطية كل ما يمر من أحداث في المنطقة.

وفي حقبة من تاريخ لبنان الحديث ومع اشتداد أزماته الأمنية وبالتالي الاقتصادية شهد هذا البلد هجرة عدد كبير من صحافييه إلى الخارج، ولكنه بقي منارة الصحافة العربية وقاومت صحافته كل الصعوبات والأزمات التي واجهتها في أحلك الظروف وظلت هذه الصحافة تخرج أجيالاً من الصحافيين الذين لعبوا دوراً مهماً في عالم الإعلام وسط ظروف صعبة على مستويات عديدة ومختلفة.

إلا أن اللافت وما يدعو إلى التوقف عنده هو ما بدأ يحصل في السنوات القليلة الماضية، أي منذ اندلاع ما يسمى الربيع العربي وتداعياته، خصوصاً على الصعيد الإعلامي والمواقف المتضاربة لأحزابه وسياسييه وطوائفه من هذه الأحداث، والتي تركت أثراً سلبياً على وجه لبنان الصحافي والإعلامي.

بدأت مؤسسات إعلامية عريقة من صحافية وتلفزيونية بإقفال مكاتبها في بيروت لأسباب تتعلق بالأوضاع الأمنية والسياسية، وكان آخرها إقفال مكاتب قناة "العربية" و"العربية- الحدث" وصرف موظفيها لأسباب وصفتها القناة بأنها أمنية. وسبق ذلك منذ شهور قليلة نقل مكاتب مؤسسة "عرب سات" من لبنان إلى الأردن لأسباب سياسية. وقبلها أقفلت صحف عربية وتحديداً خليجية مكاتبها في بيروت واكتفت بمراسلين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد إما لأسباب مالية أو أمنية أو سياسية.

وتعرض بعض المكاتب الصحافية العربية والأجنبية لمضايقات أجبر العديد من المكاتب على الإقفال والإنتقال من لبنان إلى عواصم عربية أو أجنبية قريبة مثل القاهرة ودبي وقبرص والإكتفاء بإرسال مراسلين ميدانيين عند الضرورة أو في حال حدوث تطورات أمنية كبيرة وهو ما حصل مع محطات تلفزيونية أجنبية مثل "سي. إن. إن." أو "سي. بي. إس." وغيرها.

ويبدو أن التطورات السياسية المتعلقة بما يجري في المنطقة حالياً زادت الخشية من استمرار إقفال المكاتب الصحفية والتلفزيونية.

والسؤال الملح حالياً هو: هل يواجه بلد الصحافة والإعلام عملية تفريغ من المؤسسات الإعلامية العربية والإعلامية ومن المسؤول عن ذلك؟

لا شك في أن العقد السياسية التي نشأت بين دول الخليج ولبنان على خلفية أحداث المنطقة ليست وليدة الأمس، وهي عبارة عن تراكمات جمعتها الأحداث الأمنية والسياسية واصطدام المواقف منها منذ الربيع العربي وتداعياته على العالمين العربي والإسلامي، وهي التطورات التي كانت لها تأثيرات مباشرة على لبنان الرسمي والسياسي والشعبي وبالتالي على مكانة لبنان كمركز إعلامي عربي ودولي.

لعل غياب الدولة عن هذا الواقع يسهم بشكل مباشر في ما يتعرض له الجسم الإعلامي في لبنان، وأثبتت الدولة أنها فاشلة في حماية المؤسسات الإعلامية وخصوصاً غير اللبنانية ولم تعد هناك ضمانات كافية لهذ المؤسسات لتستمر في عملها.

لا يمكن اعتبار تفريغ لبنان من المؤسسات الإعلامية العربية والدولية، إلا عملية تجعل من لبنان دولة تشبه الدول القائمة على القمع والتعتيم والديكتاتورية وتخشى الإعلام وتمنع وجود مكاتب إعلامية على أراضيها وتكتفي بإعلامها الرسمي المدجن أو الموجه ويرعبها أي إعلام حر أو خاص أو غير خاضع للرقابة.

هناك قوانين لعمل المؤسسات الإعلامية تحكم بينها وبين أي دولة تعمل فيها وهي قوانين من المفترض أن تراعي بعض شروط الحرية الإعلامية، ولكن أن يتحول هذا التحكيم إلى فلتان واعتداءات وقمع وتضييق وتحريض الشارع معناه التحول إلى دولة بوليسية وتحول الأحزاب والقوى السياسية إلى أدوات قمع تجعل البلد في سواد تام بلا أي وجه إعلامي حقيقي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها