الأربعاء 2016/03/30

آخر تحديث: 20:04 (بيروت)

الزعماء يسخرون من مواطنيهم

الأربعاء 2016/03/30
الزعماء يسخرون من مواطنيهم
هل هناك أكثر سخرية من الناس أن يمدد المجلس النيابي لنفسه تحت حجج ممجوجة؟ (المدن)
increase حجم الخط decrease

درجت العادة في كل بلد يعاني شعبه من فساد حكامه ومسؤوليه أن يلجأ الشعإ الى السخرية منهم والتنكيت عليهم كنوع من الرفض لواقع مرير فتنتشر الروايات الساخرة بسرعة البرق وتتناول كل القضايا الرئيسية والمآسي التي يعيشها الناس.

وسخرية الشعوب من الحكام والمسؤولين وتأليف النكات على قضايا أساسية ليس الهدف منها الضحك وحسب، إنما تدخل في إطار المضحك المبكي وإيصال رسائل إلى من يهمهم الأمر تتضمن نقمة عارمة على الأوضاع المزرية التي يعيش تحت وطأتها هؤلاء الناس في بلدانهم .


وتظل السخرية الممتدة منذ أمد طويل سمة عامة يلجأ إليها الناس كأضعف الايمان في مواجهة حكامهم وهو أمر بات مألوفاً وعادياً، لكن ما ليس من المألوف والعادي أن تنقلب الصورة.. أي أن يلجأ الحكام والمسؤولون إلى السخرية من شعوبهم والاستهتار بهم وحتى التنكيت عليهم.. وبمعنى آخر سحب السخرية من التداول في الشارع وجعلها بين أيدي الحكام والزعماء والمسؤولين.


في لبنان بلغت سخرية الزعماء والمسؤولين من الشعب اللبناني أقصى مداها في أطول مسرحية هزلية غير مضحكة يستمر عرضها من دون توقف وأصبحت على المكشوف وفي كل يوم وساعة وفي كل مناسبة حتى باتت "مسخرة" جماعية تتناول كل القضايا الرئيسية من سياسية واقتصادية ومعيشية وأمنية وتتعلق بمستقبل هذا البلد وشعبه .


كيف تتجلى سخرية زعماء الطوائف والأحزاب والمسؤولين الرسميين من الناس وفي العلن ومن دون تورية أو مواربة؟ سؤال تندرج تحته مجموعة أسئلة تحمل أجوبتها في طياتها ولا حاجة إلى شرحها أو التفصيل في أسبابها ونتائجها.


هل هناك أكثر سخرية من الناس أن يمدد ممثلو هؤلاء الناس في المجلس النيابي لأنفسهم تحت حجج أصبحت ممجوجة يبررها قادة وأحزاب ومسؤولو هذا البلد تحت مسميات الضرورة والحاجة وحفظ البلد؟


أليس سخرية أن يبقى البلد من دون انتخاب رئيس منذ ما يقارب السنتين ويصرح الجميع من دون استثناء ضرورة انتخاب رئيس، وأهمية انتخاب رئيس والإصرار على انتخاب رئيس؟


أليس من المضحك المبكي والإمعان في السخرية أن لا يحضر جلسات الانتخاب مرشحان أساسيان من فريق سياسي واحد، وكل منهما يصر على ترشحه ويعتبر نفسه المنقذ؟


أليست نكتة سمجة عندما يصرح أحد المرشحين للرئاسة بأن مجلس النواب غير شرعي ويواصل ترشحه ويقبل بان ينتخبه هذا المجلس الممدد له؟


أليس قمة في السخرية أن يعلن الزعماء وقادة الطوائف والوزراء أن البلد لم يعد يحتمل النفايات في شوارعه بينما يرفض كل منهم أن تطمر النفايات في المنطقة التي يمثلها أو تتبع ديموغرافياً لطائفته أو مذهبه ويلقي كل منهم المسؤولية على الآخر؟


أليس من السخرية والنفاق والدجل أن يعلن كل زعيم أو مسؤول أو وزير أو نائب أنه يقف مع مطالب الناس المحقة بل ويدعو بكل وقاحة الشعب إلى الإنتفاض والتمرد لتحقيق مطالبه الحياتية والمعيشية بل والمشاركة في بعض الأحيان في التحركات الشعبية كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته؟


أليست "مسخرة" أن يقول مشاركون في الحكومة أن من حق المواطنين النزول إلى الشارع والتمرد على الحكومة التي هم جزء أساسي منها ومساهم في عرقلة الحلول فيها؟


ألا يسخر بعض قادة وزعماء هذا البلد من الشعب عندما يعلن كل منهم انضمامه إلى محاور إقليمية متصارعة فيما يبرر كل واحد منهم أن ما يفعله هو لصالح لبنان وحمايته وصيانته بما يفرض ضرورة التحالفات والتورط في الصراعات التي تزيد من تمزق البلد وانقسام شعبه?


أليس من المهزلة أن يعتبر كل وزير نفسه رئيساً للجمهورية في غياب رئيس أصيل فيزداد الشرخ داخل الحكومة وتتعطل القرارات وتتعطل معها كل مرافق البلد ومؤسساته وكل وزير يعلن أنه يفعل ما يفعله لصالح البلد وشعبه المغلوب على أمره؟


هي أسئلة – أجوبة حولت البلد إلى "مسخرة" جماعية أصحابها أهل الحل والربط الذين باتوا يتصرفون بذكاء في سحب السخرية من الشعب على زعمائه بدلا من أن يكون العكس. إلا أنه لا بد من القول إن الشعب نفسه ساهم في السخرية منه ومن نفسه. فمن صنع هؤلاء الزعماء ومن انتخب نوابهم ومن يسير وراءهم ويدعمهم ويناصرهم ويعتبرهم قادة "معصومين"؟ ومن ينتصر لطائفته ومذهبه وحزبه ظالماً كان أو مظلوماً بدلاً من أن ينتصر لقضاياه وقضايا الوطن؟


من المعروف أن سخرية الناس من حكامهم من بين أهدافها ليس تنفيس غضبهم وتنفيس الإحتقان المتراكم وحسب وإنما التعبير عن رفضهم للواقع الذي يعيشون فيه، لكن سخرية الزعماء من شعبهم أصبحت بدعة تلقى مفعولها لتنفيس الغضب والإحتقان وسحب الأزمات من الشارع ومنعها من التداول تحت ذريعة أن الزعيم والمسؤول كفيل بالحديث عنها حتى لو بقيت بلا حلول بل ويقنع من يمثلهم أنه قائد الحملة ضد الفساد.. حتى بات الفساد يحارب الفساد ليكسب احد الفاسدين.


لو كان كل مسؤول رسمي صادقاً ولو لمرة واحدة وليس ساخراً من شعبه ولو كان له بقايا ضمير أما كان الأجدر به الإستقالة والمساهمة فعلياً مع من يمثلهم في محاربة الفساد وتأمين الحقوق بدل أن يساهم في حفلات البكاء واللطم وهو في موقع المسؤولية؟


في أحد الأيام أراد جحا أن يسرق دجاجة من أحد البيوت فأطلق إشاعة بين أهل القرية تقول أن هناك عرساً وأن أصحاب العرس يوزعون هدايا ثمينة على الذين يحضرون العرس فأخذ الناس يتراكضون إلى العرس المزعوم حتى لم يبق أحد في منزله ولما رأى جحا ذلك قال في نفسه "الكل ذهب وبقيت وحدي وقد يكون العرس صحيحاً" فصدق الإشاعة التي أطلقها هو ونسي الدجاجة وركض إلى العرس الذي اخترعه كي لا تفوته الهدية الثمينة.


متى يتوقف الناس عن لعب دور جحا ويوقفون هذه "المسخرة" المتمادية في سخرية زعمائهم منهم؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها