الأربعاء 2016/03/23

آخر تحديث: 09:20 (بيروت)

صحافيون على شفير التشرد... أي نقابة تحميهم؟

الأربعاء 2016/03/23
صحافيون على شفير التشرد... أي نقابة تحميهم؟
لم تتخذ "نقابة المحررين" يوماً موقفاً حاسماً من مشكلات الصرف التعسفي للصحافيين
increase حجم الخط decrease

انتشرت في الأيام الماضية أخبار ومعلومات تفيد بأن بعض الصحف العريقة في لبنان تعدّ العدة لوقف صدورها ورقياً والتحول إلى صحف إلكترونية، نتيجة الأوضاع المادية الصعبة التي تمر بها والتي لم تعد قادرة على مواجهتها، وهو الأمر الذي يهدد في حال حصوله مئات الصحافيين بالتوقف عن العمل بانقطاع مورد رزقهم الوحيد.

 

تعددت التحليلات والتوقعات في هذا الأمر. البعض رأى في المعلومات مجرد تهويل من بعض أصحاب الصحف كتمهيد لعملية صرف جماعي لعدد كبير من الصحافيين، أو للإلتفاف على مطالباتهم بزيادة الرواتب المتدنية أصلاً. وهناك من ذهب إلى القول إنَّ بعض الصحف أطلق بالون اختبار تحذيراً إلى بعض الممولين لزيادة دعمها في ظل الشح المالي للمطبوعات الورقية وارتفاع التكاليف التي كادت الصحف الإلكترونية تقضي عليها وخصوصاً في ظل هبوط المورد الإعلاني إلى نسب تتخطى حدود الستين في المئة عما كانت عليه.

 

بصرف النظر عن الدوافع وراء إطلاق هذه الأخبار وإذا ما كانت هذه الصحف ستتوقف عن الصدور قريباً أم لا، إلا أنها كشفت عن معضلة كبيرة يعيشها العاملون في هذه الصحف المهددون بالتوقف عن العمل في أي وقت، وهم الذين لا مهنة بديلة لديهم.

 

لا بد من الاعتراف بأن الصحف الورقية تعيش أزمة مالية خانقة بسبب ضعف المورد المالي مع انتشار الصحافة الإلكترونية والفضائيات التلفزيونية التي باتت تستحوذ على النسبة الأكبر من المورد الإعلاني، وكذلك بسبب وقف الدعم المالي الذي كانت تقدمه بعض الدول والجهات لهذه الصحف كنتيجة حتمية لانكفاء دورها وضعف إقبال القرّاء عليها، لكن مع ذلك فإن الأزمة الكبرى التي ستطال الصحافيين ناتجة من غياب الأطر النقابية التي كان من المفترض أن تضع منذ زمن طويل في اعتبارها أن يأتي يوم ويواجه فيه الصحافيون مشكلة في سوق العمل، وخصوصاً في الصحف الورقية.

 

ففي لبنان هناك نقابتان للعمل الصحافي، الأولى "نقابة الصحافة" وهي نقابة أصحاب الصحف، والثانية "نقابة المحررين" التي تهتم بشؤون الصحافيين العاملين في الصحف. ونكاد نجزم بأن "نقابة المحررين" لم تحقق أي مكسب للصحافيين منذ نشأتها عام 1942. وليس هناك أي شاهد عملي على أن هذه النقابة حققت مكاسب ملموسة للجسم الصحافي.

 

بعد توارد الأنباء عن نية بعض الصحف الورقية التوقف عن الصدور استفاقت "نقابة المحررين" وعقدت اجتماعاً للبحث في هذه المشكلة ومصير مئات الصحافيين المهددين بالتوقف عن العمل، لكنها لم تتخذ أي مواقف حاسمة ومسؤولة، وكل ما فعلته هو أنَّها ستعقد اجتماعات مع "نقابة الصحافة" لتنسيق المواقف، ومع بعض المسؤولين الرسميين للبحث في مشكلة التمويل المالي للصحف. أي أنه رد فعل آني.

لكن السؤال هو: ماذا لدى "نقابة المحررين" من خطط لحماية الصحافيين أمام هذه المشكلة الكبرى، وما هي البدائل، وماذا لديها لتقدم للصحافيين المهددين بالصرف؟

 

قبل اعلان نية بعض الصحف عن توقف محتمل لصدورها وعندما كانت الصحف الورقية في عز انتشارها وصعودها كانت "نقابة المحررين" غائبة عن تحقيق مكتسبات مشروعة للصحافيين ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

 

مشكلة الإنتساب إلى النقابة. وهذه المشكلة مستمرّة حتى اليوم، إذ إن الإنتساب لها عملية استنسابية حُرم منها مئات الصحافيين العاملين في المهنة ووُضعت شروط تعجيزية للإنتساب، وبينها الضمان الاجتماعي المسبق وشهادات العمل لأكثر من خمس سنوات وشهادة التخرج الجامعية. وعندما كان الصحافي يستوفي هذه الشروط توضع أمامه شروط أخرى، مع أن هناك عشرات المنتسبين الذين لا يمتلكون هذه الشروط ولا يعملون أساساً في المهنة، وهم مسجلون في النقابة.

 

منذ قيام النقابة حتى اليوم لم تتمكن من وضع مشروع حقيقي لضمان الشيخوخة للصحافي يضمن فيه حقوقه بالإستشفاء والطبابة ويموت الصحافي وليس لديه معاش تقاعدي.

 

ومنذ أيام فقط اجتمع مجلس النقابة وأطلق ما سماه الضمان الصحي المتدرج للمحررين، ويتضمن إنشاء صندوق تعاضد صحي مع مؤسسات خاصة بشروط "ميسرة" يستفيد منه المنتسبون إلى النقابة، أي أن الصحافي سيظل يتحمل تكاليف الاستشفاء مع بعض الحسم من هذه التكاليف. وهو مشروع مبهم لا يعني بالمطلق انه مشروع استشفائي متكامل.

 

ولم تضع النقابة أي مشروع إسكاني تتعاون فيه مع الدولة وبعض المؤسسات لتأمين سكن للصحافيين، حتى ولو تحملوا هم جزءاً من تكاليفه، حتى بات يوفر نصف راتبه لاستئجار سكن.

 

ومن المضحك المبكي أن بعض المكتسبات المتواضعة التي تحققت للصحافي عادت وسُحبت منه، مثل مرسوم أقر عام 1963 وينص على استفادة الصحافي من حسم بنسبة خمسين في المئة من تكاليف المكالمات الهاتفية، ثم سحب هذا المرسوم بقرار من وزير المال فؤاد السنيورة عام 1988.

 

كذلك إعفاء الصحافي من دفع الرسوم البلدية عن مسكنه ومقر إقامته لا يُعمل به، على الرغم من أن النقابة طلبت من الصحافيين عدم دفع هذه الرسوم، لكنها تراكمت عليهم ودفعوا معها رسوماً عقابية إضافية عن عدم الدفع في الأوقات المحددة.

 

ولم تتخذ النقابة يوماً موقفاً حاسماً من مشكلات الصرف التعسفي للصحافيين، وكانت بعض الصحف تعمد إلى هذا الصرف الذي لم تواجهه النقابة إلا بالبيانات. وينسحب هذا الأمر على محاكمات الصحافيين.

 

في ظل وجود نقابة شكلية انتُخبت وفق معايير سياسية وحزبية وجاءت بديلاً من نقابة ظل فيها النقيب نقيباً عشرات السنين يبرز السؤال الملح: في حال توقفت صحف ورقية عن الصدور ماذا سيكون مصير مئات الصحافيين الذين لم تحقق لهم نقابتهم أدنى شروط العيش الكريم؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها