الفقر يحرم الحوامل في عكار من المتابعة الطبية

أيامٌ صعبة وثقيلة تمرّ على المرضى في عكار وبالأخص على النساء الحوامل وعلى الأطفال الحديثي الولادة، الذين يفتقدون منذ سنوات إلى الكثير شروط الرعاية والمتابعة الصحية المنتظمة والضرورية.

لا جهات ضامنة ولا قدرة على دخول المستشفيات التي تسعّر بالدولار. فالعائلات دخلها محدود جداً. وليس بإمكان من كان دخله الشهري لا يتجاوز المئة دولار أو المئتين، هذا إن كان له دخل شهري في الأصل، إرسال زوجته الحامل إلى عيادة نسائية  بشكل دوري ومستمر.

مراكز الرعاية
في عكار 35 مركزاً للرعاية الأولية بحسب موقع وزارة الصحة العامة. هي ملجأ النساء الحوامل في عكار لأنها تعالج مرضاها بمبالغ زهيدة لا تتخطى العشرة آلاف ليرة. تخصص بعض هذه المراكز يوماً للحوامل يتضمن فحوصات وإرشادات وبعض الأدوية. لكنّها - وهي التي تعتمد على دعم المنظمات الدولية المانحة وتتقيّد ببرامجها- تبقى قاصرة عن إعطاء الأم الحامل كل ما تحتاجه سواء من أدوية وفيتامينات لها ولجنينها، او من دعم نفسي، لأنها محدودة الامكانيات. 

شهادات حوامل: الرعاية تراجعت
فاطمة الزهراء تبلغ من العمر 23 سنة وهي حامل بشهرها الرابع. هو الحمل الثالث لها. تقول لـ"المدن": "أحزن لأنني لا أعرف جنس المولود بعد. فلأسباب مادية لم أتمكّن من إجراء الصور والفحوصات اللازمة لذلك". وتضيف "هذا الطفل لم يحصل على الرعاية كأخويه اللذين ولدا قبل الأزمة. كنت في حملي الأول أزور الطبيب شهريا فيتابع صحتي وصحة الجنين. كان ذلك من ضمن قدراتنا. لكن الظروف اليوم مختلفة ونعاني، كما كل الناس، من أجل تأمين الأكل والشرب للبيت".

وتشير فاطمة إلى أنها ذهبت قبل مدة إلى أحد المراكز الصحية في موعد مع الطبيب النسائي  "ذهبت مشياً على الأقدام لأن سيارة الأجرة تكلّف 200 ألف ليرة. وصلت متعبة ووجدت زحمة كبيرة، عدت إلى بيتي ولم أقابل الطبيب". تؤكد أنها تشعر بالعديد من الأوجاع مثل "صداع في الرأس وألم في الأسنان وتعب شديد في الجسم". ويشغل بالها "يوم الولادة لأن لا إمكانية لزوجي لتأمين ما تطلبه المستشفيات، حتى الحكومية، فكلفة الولادة لا تقل عن 300 دولار أميركي". 

بدورها، تتحدث سلمى عن هواجسها كحامل. هي من قرية في منطقة دريب عكار، عمرها 22 سنة، وهذا حملها الأول. تسكن بالقرب من مركز للرعاية الأولية مما يسمح لها بزيارته مرة كل شهر أو شهرين، حسب توفّر المواعيد، لتتابع حملها وتحصل على بعض الإرشادات من الطبيبة المناوبة، لكنها لا تجد ذلك يفي بحاجتها. وتتمنى لو أن لها القدرة أن تزور عيادة الطبيب النسائي في طرابلس لمرّة، فلديها أسئلة كثيرة واستفسارات ومخاوف، لكنها تعرف من جارتها أن بدل المعاينة في العيادة 40 دولار أميركي. 

مخاطر على الأم والجنين
غياب الرعاية والإهتمام بالأم وبجنينها يؤدّي إلى مضاعفات وأمراض خطيرة على الإثنين معاً. تشدد الاختصاصية في الجراحة النسائية والتوليد الدكتورة ميرا دندشلي ملحم لـ"المدن" إلى "أهمية حصول المرأة الحامل على العناية المركّزة والكاملة خلال فترة حملها وبعد الولادة أيضاً". وتؤكد على أن "قسماً كبيراً من النساء الحوامل اللواتي لا ينلن الرعاية الصحية اللازمة يعانين في فترة الحمل من أمراض فقر الدم والطلق المبكر، وتسمم الحمل وارتفاع في ضغط الدم، وقد يولد الجنين وهو يعاني من نقص في التغذية". 

وما ينطبق على الحوامل اللبنانيات في عكار ينطبق على السوريات أيضاً اللواتي يحملن وينجبن في ظروف تفتقد أحياناً لأبسط شروط العناية والمتابعة الصحية الضرورية في حدّها الأدنى المفروض لكل امرأة حامل.

إضافة إلى ذلك، ليس في مراكز الرعاية الأولية أقسام مخصصة تؤمّن للمرأة الحامل العناية بها وبطفلها في مرحلة ما بعد الولادة وتقدم لها الدعم النفسي. فهذا الجانب يعتبر "ترفاً" لا يحظى باهتمام الدولة اللبنانية ووزارة الصحة.