لكي لا ينسى أحدٌ أن تفجيرًا قد وقع قبل ما يزيد عن السنتين في التليل-عكار وأودى بحياة 33 شخصًا وعشرات الجرحى، نتيجة انفجار صهريج وقود، فإنّ القرار الأخير للمجلس العدلي الذي صدر يوم الجمعة وجاء لصالح الإفراج عن أهم متهمَين في القضية، هما جورج إبراهيم وعلي الفرج، مقابل كفالة مالية قدرها 500 مليار ليرة لكل منهما، قد جاء ليذكّر الجميع بأن هناك عدالة مؤجلة وقضية لا يزال الرأي العام ينتظر البت فيها، كما ينتظر الأهالي أن تنتهي محاكماتها ليتم إنصافهم.
حتى ولو نسي الجميع، إلا أن هناك أهالٍ لن ينسوا أبناءهم وخسارتهم بهم. لكنّ قرار المجلس العدلي الأخير الصادر أمس، جاء على عكس ما يشتهي أهالي الضحايا، في القضية التي خضعت على ما يبدو للكثير من التسييس والقليل من العدالة، وتخللها الكثير من الكلام والاتهامات قبل وأثناء سلوكها مسارها القضائي.
المعلوم أن القرار الاتهامي بالقضية صدر عن القاضي علي عراجي في تموز من العام الماضي، واتّهم فيه 8 أشخاص. وطلب القرار الاتهامي محاكمتهم أمام المجلس العدلي، وبينهم صاحب المبنى والخزانات المدعو جورج إبراهيم.
حسب أهالي الضحايا وذويهم، كانت الجلسات أمام المجلس العدلي تخضع للكثير من الإبطاء، سواء في تحديد مواعيد الجلسات، ومن ثم التأجيل عند كل جلسة. وكانوا يتخوّفون من أن يكون ذلك سببًا وراء السعي إلى مزيد من إسقاط الحق في هذه القضية (20 من أصل 69 أسقطوا حقهم، أغلبهم سوريون)، وذلك لإجبار من لم يُسقط حقه بعد على توقيع إسقاطات الحق، مقابل تعويضات مادية، يقول من أقدم عليها إنه اضطر عليها لأن الدولة لم تعوّض على الضحايا ولم تداوِ الجرحى.
طيلة السنتين الماضيتين نشط محامو المتهمين على خط التسويات لتحقيق أكبر قدر من إسقاطات الحق. نجحوا مع البعض وفشلوا مع البعض الآخر. الأكثرية رفضت التوقيع على إسقاط الحق، لكنهم كانوا دائماً بحالة خوف من أن يصدر مثل هذا القرار الذي صدر أمس. كانت الضغوط كبيرة على الأهالي من كل اتجاه. فلدى حدوث الانفجار قبل عامين قيل إن صاحب الخزانات هو من المقرّبين من النائب في تكتل لبنان القوي أسعد درغام. وهذا ما أشار إليه الأهالي في اعتصامهم اليوم. فحسب الأهالي، استعمل درغام علاقاته السياسية من أجل الوصول إلى هذا القرار ولإنهاء الملف بهذا الشكل، بعدما تم تناول اسمه في آخر جلسة محاكمة.. وهم يرون أن القرار قد صدر سريعًا على هذا النحو خوفًا من أن يتم جلب النائب المذكور إلى جلسة استجواب للشهادة بعد ذكر إسمه.
وقفة احتجاجية
لم يعد أمام الأهالي إلا التظاهر للتعبير عن غضبهم، في مكان وقوع التفجير في التليل اليوم السبت. اعتصموا وقطعوا الطريق العام لبعض الوقت، استنكاراً لقرار المجلس العدلي، الذي يرون فيه تمييعاً للقضية واستجابة للضغوط السياسية من تيار سياسي معروف. استنكروا عدم مشاركة البلديات والمخاتير والفاعليات والسياسيين لهم في قضيتهم المحقّة، وأكدوا أنهم تلقّوا في السابق وعوداً من القاضي سهيل عبود بإنصافهم وإنصاف أبنائهم وتجريم المجرم، إلا أنه وبهذا القرار يكوم القاضي عبود قد خضع للتسييس، وفق قولهم. ولذلك فإنهم لن يسكتوا وسوف يعتمدون التصعيد في الشارع. بالمقابل، فإن محامية الأهالي ستقدّم مذكرة اعتراض على "القرار الجائر" كما وصفوه.
بالمحصلة فإن المتوقع أن يطلق سراح كل من إبراهيم والفرج في الأيام المقبلة، لتفتح هذه القضية على مسارات جديدة غير واضحة المعالم، يخشى فيها أهالي الضحايا أن تضيع حقوق أبنائهم في مهب التسويات، ويكون القضاء مقبرة العدالة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها