يحمل الصيادون همومهم الكثيرة مع انتصاف الليل وينطلقون بمراكبهم نحو البحر حتى ساعات الصباح الأولى حالمين بغلّة وافرة يحملونها إلى السوق من أجل بيعها.
أسئلة يومية كثيرة وهواجس أكثر تجول جميعها في خواطر الصيادين، تتكرر ولا تنتهي. يتساءلون عن حجم الغلّة وعن امكانية بيعها بأسعار مناسبة تغطي مصاريفهم الاساسية. يتخوفون من الطقس والعواصف التي قد تمنعهم من النزول إلى البحر ومن وفرة الصيد في بعض المواسم. إلا أن هواجسهم المستجدّة تتمثل في الملاحقات وتوقيفات لعدد من المراكب على خلفية الشبهة في المشاركة في الهجرة غير الشرعية.
بين المخاوف المعتادة والمستجدّة
في محافظة عكار مرفأين للصيد: العريضة والعبدة. ويعدّ الأخير المرفأ الأكبر في الشمال، وهو يستخدم لصيد الأسماك؛ حيث تشير التقديرات إلى وجود قرابة الـ 500 عائلة واكثر من بلدة ببنين ، تعتاش من المرفأ. ويشتهر معظم أهالي البلدة بانهم صيادون يعتاشون من الصيد البحري.
عوامل عدة تجعل الصياد يعيش في دوامة الخوف. عندما يقترب فصل الشتاء تحلّ معه العواصف التي تؤدي إلى توقّف العمل في مرافئ الصيد، وهو ما يخيف الصيادين في كل مرة.
وتزداد مخاوفهم لعدم وجود تعاونية تعنى بشؤون الصيادين وتساعدهم وتقدم لهم أي نوع من أنواع الدعم أوتطالب لهم بالتعويضات عند تعطل أعمالهم وتكبّدهم الخسائر. اما إهمال الدولة اللبنانية ووزاراتها المعنية بقطاع الصيد البحري والعاملين فيه فمزمن ولا يبدو أن هناك نية في تغيير هذه السلوكيات.
يقول الصياد منذر عيد لـ"المدن": "مشاكلنا كثيرة فنحن معشر الصيادين إذا عملنا أكلنا وإذا مرّ علينا يوم بلا عمل لا نأكل.. المدارس رفعت أقساطها ودولرتها ونحن أشخاص في الأصل نعمل بأبخس الأثمان.. لم يعد في استطاعتنا تأمين الطبابة لنا ولعوائلنا، ونحن نتعب ونجهد بالصيد لنبيع الكيلو ب 100 و 200 ألف للتاجر والأخير يبيعه ب 500 ألف، ناهيك عن أسعار المازوت المرتفعة وأسعار قطع الغيار كلها على الدولار".
الجيش يحجز المراكب
إضافة إلى معاناة الصيادين "المعتادة" استجدت أزمة اضافية تمثلت بحجز عدد من المراكب لدى الجيش اللبناني منذ بداية الصيف. وقد جاء إحتجاز الجيش للمراكب على خلفية تورط بعض مراكب الصيد أو أصحابها بعمليات تهريب الأشخاص عبر البحر بطرق غير شرعية.
بهمس، يتحدث صيادون عن هذه الظاهرة، ويشيرون إلى أن أغلب من يقوم برحلات التهجير هم أشخاص لا علاقة لهم بالبحر وبمهنة الصيد، هؤلاء تجار ومهرّبون لديهم من يغطيهم، ولا ينكرون أن الفقر والحاجة دفع بقلّة من الصيادين إلى بيع مراكبهم لهؤلاء المهرّبين. مختار ببنين محمد البستاني (المتابع لأوضاع صيادي مرفأ العبدة) يؤكد لـ"المدن"، بأن "بعض الصيادين طالهم توقيف مراكبهم مع أنهم غير متورّطين بأعمال التهريب أو ببيع مراكب للمهرّبين".
ويضيف: نحن نطلب من قيادة الجيش اللبناني القبول بتوقيع الصياد على تعهّد أنه في حال ثبت تورّطه بأعمال تهريب أن تتخذ في حقه كل الإجراءات القانونية التي تراها القيادة مناسبة، ولكن ثمة مراكب محتجزة من بداية الصيف وجاء الشتاء يعني أن هذا الصياد قد خسر موسمه بالكامل ويجب مراعاة ظروف الناس".
ويذكّر البستاني بأنّ "أوضاع الصيادين يرثى لها، فلا تعاونية تعمل ولا دولة تهتم وتساعد، والناس على أبواب مدارس، والأوضاع كارثية".
مرفأ العريضة:تحت خط الفقر
ومن مرفأ العبدة إلى مرفأ العريضة الحدودي مع سوريا تتشابه أحوال الصيادين. فلا المرفأ تم "تعزيله" وتحضيره ولا أثر لاهتمام الدولة بامر الصيادين ومعاناتهم. يتخوّفون من موسم العواصف المقبل لأن أيّ يوم يمر على عائلات الصيادين بدون عمل، سيحرم العشرات منها من تأمين مستلزماتها، علماً أن هذه العائلات هي في الأصل تعيش تحت خطّ الفقر.
تجدر الإشارة إلى أن ما بين مرفأي العبدة والعريضة هناك أكثر من 600 عائلة تعتاش من مهنة الصيد، أوضاع هؤلاء كارثية وهي مرشّحة لتكون أكثر سوءاً مع دخول لبنان موسم الشتاء، وسط تداعيات أزمة اقتصادية واجتماعية متواصلة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها