أطلق كلٌ من "معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية" و"سوا للتنمية والإغاثة" تقريرًا مشتركًا، حول قضية اللاجئين السوريين في لبنان، وإعادتهم إلى وطنهم، حمل عنوان "مسألة العودة: شروط وهواجس اللاجئين السوريين"، وذلك في ندوة عُقدت في قاعة محاضرات المعهد، في الجامعة الأميركية في بيروت، وحضرها العشرات من الباحثين والناشطين الحقوقيين والإعلاميين وطلاب الجامعة.
المخاطر الجسيمة
التقرير الذي استند إلى المرجعيات الدولية في قضايا اللاجئين، والتعامل مع الحالات الإنسانية الطارئة، وظروف الحرب، حذر من مخاطر جسيمة من إلزام اللاجئين السوريين في لبنان على العودة إلى بلدهم. الدكتور ناصر ياسين، مدير الأبحاث في معهد عصام فارس، لم يخفِ المخاوف من الأعباء الأمنية الكبيرة لقضية اللاجئين، لكنه دعا إلى "عكس هذه المخاوف، وتحويلها في سياق إيجاد حل مستدام وكريم وآمن للاجئين وإعادتهم طوعيًا".
بدورها قالت إيلينا هودجز، الباحثة في "جمعية سوا للتنمية والإغاثة"، إن التقرير الذي تم إصداره تحدث عن القضية بشكلها الفردي والمجتمعي. ودعت المعنيين في هذا الملف، والذين يرددون خطاب إعادة اللاجئين بشكل مستمر لـ"التراجع عن هذه الدعوات لأنها مازالت مبكرة جدًا".
ستيفان رويثليسبيرغر، سكرتير أول في السفارة السويسرية في لبنان، شارك في الندوة وتحدث بشكل مستفيض عن القانون الدولي في هذه القضية. وطالب، من خلال إجابته على أسئلة بعض المشاركين، بالتمسك بالقوانين الدولية في هذا الصدد، ورفض أي مبدأ للإعادة القسرية، ودعا إلى النظر إلى هذه القضية بشكل منفرد، لا جماعي. وقال: "لا يمكن اتخاذ قرار فيما إذا كانت عودة اللاجئين آمنة بالنسبة للجميع، هذا الأمر يجب أن يتم دراسته بشكل منفرد على كل لاجئ، لا على الجميع مرة واحدة".
البعد الأخلاقي
التوجه الحكومي الرسمي اللبناني، والذي تمثل بتخصيص وزارة معنية بإعادة اللاجئين السوريين، كان حاضرًا في نقاش الجلسة، ليطرح زياد الصايغ، الخبير في السياسات العامة وشؤون اللاجئين، السؤال "كيف يمكن للذي ساهم في تهجير اللاجئين السوريين إعادتهم؟" في إشارة لانخراط أطراف لبنانية مؤيدة للنظام السوري في الحرب الدائرة هناك، وأنها كانت طرفاً في تهجير السوريين من أرضهم، وتعمل اليوم على الضغط من أجل إعادتهم مجددًا. مؤكدًا، أن الملف دخل دائرة التجاذب السياسي، ولم يعد قضية إنسانية أو حقوقية أو اقتصادية، مضيفًا: "أين السياسة العامة للبنان في مجلس الوزراء، كي يُخرج هذه المأساة من الإستغلالات المسيّسة التي لا علاقة لها بجوهر القضية؟"، منتقدًا حالة "الانفصام" في تعامل الحكومة اللبنانية مع هذا الملف، وتدخل عديد الأطراف فيه لمصالح تبعياتها السياسية.
الصايغ انتقد المبادرة الروسية لإعادة اللاجئين السوريين، لافتقارها إلى أي ضمانات. وقال إنه توجه بالسؤال للسفير الروسي في لبنان، أكثر من مرة، حول طبيعة الضمانات الروسية لإعادة اللاجئين. وكان الجواب أنها تتعلق بـ"السيادة السورية". وطالب الصايغ بنقل المبادرة إلى مجلس الأمن للحصول على الضمانة الأممية عليها.
الصايغ أعاد التأكيد على جوهر مهم في القضية وهو "البعد الأخلاقي". وأكد أنه لا ينفصل أبدًا عن أساسيات القانون الدولي، منتقدًا تنازل البعض عن أهمية البعد الأخلاقي، في سياق تطبيعهم مع النظام السوري، باعتباره بات جزءاً من موازين القوة، مطالبًا بالتذكير دائمًا أن كل ما جرى في سوريا، بما في ذلك قضية اللاجئين، هي ليست قضايا إنسانية أو سياسية فقط، بل هي "قضايا أخلاقية في المقام الأول".
الوضع القانوني
ديانا سمعان، الباحثة في الشؤون السورية، من منظمة العفو الدولية، تطرقت إلى ما يعانيه اللاجئون السوريون في لبنان، من وضع قانوني معقد، وتهديد دائم بخطر الاعتقال، ما دفعهم للعيش في أماكن مؤقتة. تقول سمعان أن الأرقام تشير إلى أن 73 في المئة من اللاجئين السوريين لا يحملون أوراق إقامة، أو تأشيرات سارية المفعول، لأنهم ببساطة غير قادرين على دفع 200 دولار تكلفة تسجيلهم.
وحدها الحكومة اللبنانية من ترى أن الوقت قد حان لإعادة اللاجئين السوريين، من دون أي اكتراث للمصير الذي من الممكن أن يلاقوه عند عودتهم. وحدها الحكومة لا ترى ما تراه المنظمات الحقوقية ومراكز الدراسات حول المخاطر الكبيرة، من إلزام اللاجئين على العودة. وحدها الحكومة من ترحب حسب بيانها الوزاري بـ"المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم"، من دون أن يملك أي أحد تفسيرات أو شروحات لهذه المبادرة، ومضمونها وضماناتها. الحكومة التي قالت في بيانها أن "الحل الوحيد هو بعودة النازحين الآمنة إلى بلدهم"، أغلقت الباب على "أي شكل من أشكال اندماجهم أو إدماجهم أو توطينهم في المجتمعات المضيفة"، لتُعلن ربما بشكل غير مباشر أن ملف اللاجئين السوريين سيبقى معلقًا إلى أجل لا يبدو قريبًا.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها