استمرت لليوم الثاني على التوالي حركة التظاهرات المعارضة للنظام في محافظة درعا، على خلفية إعادة نصب تمثال لرئيس النظام السابق حافظ الأسد، حيث شهدت مدينة طفس في ريف درعا الغربي تظاهرة شارك فيها المئات.
تمدد "النفس الثوري" في جنوب سوريا، يحدث بشكل أسرع مما كان يتوقع أكثر المتفائلين بالحراك الشعبي، فالتظاهرة التي انطلقت في درعا البلد، الأحد 10 آذار/مارس، لاقت ردود فعل واسعة على المستويين السوري المؤيد والمعارض للنظام على حد سواء، وكذلك على المستوى الإعلامي الدولي، حيث تناقلت معظم وسائل الإعلام حول العالم المقاطع والصور المتداولة من درعا البلد، تمامًا كما تداولت التظاهرات التي اندلعت من المكان ذاته قبل ثمانية أعوام.
هذا الاهتمام "غير المتوقع"، أعطى المتظاهرين الكثير من التفاؤل لمواصلة التظاهرات وتوسيع نطاقها، لتشهد مدينة طفس تظاهرة شارك فيها المئات، بدا واضحًا أنها كانت أكثر تنظيمًا وتجهيزًا من نظيرتها في درعا البلد، بالتزامن مع حملات لرفع اللافتات وكتابة الشعارات على الجدران في معظم المدن والبلدات، بالتزامن مع الحملة الإعلامية المستمرة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم "رح يقع".
التظاهرات وجهت شعارات التضامن إلى محافظة إدلب التي تتعرض للقصف في شمال سوريا، ما دفع بالمُهجّرين من أبناء جنوب سوريا بالإضافة للناشطين في مناطق سيطرة فصائل المعارضة في محافظتي إدلب وحلب لتنظيم تظاهرات التضامن والتأييد للحراك الشعبي في درعا، الثورة السورية استعادت جزءًا مهمًا من ذاكرتها، عندما كانت المدن على امتداد الجغرافية السورية ترفع شعارات التضامن مع بعضها.
صحيح أن الحراك بدأ بالتوسع، وصحيح أيضًا أن النشاط السلمي المعارض للنظام جنوب سوريا استعاد زمام المبادرة من جديد، لكن التفاؤل المفرط الذي يبديه العديد من الناشطين ومسؤولي المعارضة السياسيين قد يُحمّل المتظاهرين أكثر مما يستطيعون، فالتظاهرات مازالت محدودة داخل مناطق "التسوية" التي تخضع لإشراف الشرطة العسكرية الروسية فقط.
"اتفاقية التسوية" التي أبرمتها المعارضة في تموز/يوليو من العام الماضي، سمحت لما تبقى من فصائل المعارضة بالحفاظ على سيطرة غير مباشرة على بعض المناطق، كدرعا البلد والمزيريب واليادودة وطفس وبعض البلدات في منطقة الجيدور، على أن تُسلّم المعارضة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة ويُمنع النظام بشكله العسكري والأمني من دخولها، بينما تتولى الشرطة العسكرية الروسية ضمان عدم وقوع أي اشتباكات والعمل على تسليم ما تبقى من الأسلحة الخفيفة وعودة النظام تدريجيًا.
هذا الشرط ضمن الاتفاقية، هو ما منح المتظاهرين القدرة على الحراك وتنظيم اللافتات والشعارات وتغطيتها إعلاميًا دون قدرة أفرع النظام على التصدي لهم أو شنّ عمليات اعتقال ضدهم، لكن الدعوات لحشد التظاهرات في ذكرى الثورة السورية في 18 آذار/مارس، والتي يبدو أنها تجد صدى حقيقياً على الأرض قد تنقل هذا الحراك لمنطقة أخرى غير التي يتواجد فيها حاليًا.
قبل ثمانية أعوام، وتحديدًا في 18 آذار/مارس 2011، خرجت تظاهرة في درعا البلد في مدينة درعا، التي لُقبت لاحقًا بـ "مهد الثورة"، توجهت التظاهرة حينها باتجاه درعا المحطة حيث الدوائر الحكومية الرسمية وأفرع النظام الأمنية، لتواجهها ميليشيات النظام بالرصاص الحي ويسقط حينها أول ضحايا الثورة السورية.
في الموعد نفسه من كل عام، تعيش درعا البلد بالتحديد حالة من الترقب لإحياء هذه الذكرى، رغم تنوع نشاط المعارضة طوال هذه الفترة بين الحراك السلمي وذلك المسلح، إلا أن هذا العام يبدو مختلفًا تمامًا، الكثير من الأصوات من داخل درعا تدعو إلى "إعادة عقارب الساعة" إلى عام 2011 من جديد، ومحاولة إحياء الذكرى بتظاهرة مماثلة تمامًا لتلك التي شهدتها المدينة قبل ثمانية أعوام، ما يعني محاولة تجاوز حدود "منطقة التسوية" والوصول إلى مناطق تواجد أفرع النظام الأمنية، حينها لا يمكن توقع ما سيحدث ولا يمكن الجزم بموقف الشرطة العسكرية الروسية.
الداعون إلى تجديد التظاهرات وتوسعتها في 18 آذار/مارس، تقابلهم أصوات مُحذّرة من تذرع النظام وروسيا بهذه التحركات لنقض "اتفاقية التسوية" واستباحة مناطق التظاهرات وشنّ حملات اعتقال، هنا أيضًا لا يمكن الجزم بموقف روسيا ولا يمكن توقع سلسلة الأحداث التي ستليها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها