الوجع واحد من لبنان إلى كندا، والشعار واحد: "كلن يعني كلن" وهذا الكل يشمل كل الأحزاب والمقامات الوصيَّة عليها بأيِّ ثوبٍ تستَّرت. لبنانيون هجَّرتهم الطبقة السياسية الفاسدة، من أمراء الحرب إلى من لحق بهم من زعماء شكَّلوا البيئة الحاضنة للفاسدين وحموهم في جلبابهم. لبنانيون في كندا تظاهروا من دون خوف من حملة العصي والقلوب الغليظة وغزوات الدراجات الناريَّة.
ساحات مونتريال.. خالية من "الشبيحة"
كلام أمين عام حزب الله بدفعتيه منذ بدء الحراك، وبكل ما تضمَّنه من تخوينٍ واستهزاءٍ بمشاعر وحقوق مئات آلاف الموجوعين، وأخذهم بجريرةٍ واحدةٍ من دون تفريق بين غالبيةٍ صادقةٍ وقلَّةٍ قليلةٍ "مُندسَّة"، لم يَلق صدًى لدى المتظاهرين في كندا. هذا ما بان من زخم التَّحركين اللذين حصلا في مدينتي "لافال" و"مونتريال"، بعد يومين من كلام من باتت شخصيته السياسية تطغى على شخصيته الدينية. الأعداد لم تتراجع، الأعمار فتية والوهج المطلبي لم يخفت.
في إحدى ساحات مدينة مونتريال، التي تحتضن الكثير من الاحتجاجات، تداعى المئات من اللبنانيين، من طلّاب وطالبات الجامعات الكندية، للتجمع بدعوةٍ من زملاء لهم بعيدًا من أيِّ ضغطٍ نفسي وخوف السحل من زمر المدافعين عن الحكومة والعهد والنظام الفاسد. أنَّى انزلقت العين في التَّجمع الذي حصل على مقربة من جامعات مونتريال، تقع على وجوه مُفعمة بالأمل والحماسة والتعاطف مع الثائرين في لبنان. شباب وفتيات وعائلات اصطحبت أطفالها مستفيدة من طقس مونتريال المشمس في عطلة نهاية الأسبوع.
مظاهر احتجاج حضاري امتزج فيه الأمل بالوجع. الوجع عبَّرت عنه الشعارات السياسيَّة التي صدحت بها حناجر قرابة 700 مشارك، وابتعدت عن السباب والشتائم، مركّزة على المطالب الأساسيَّة للمحتجِّين: إسقاط الحكومة، استعادة المال المنهوب، محاكمة الفاسدين. أمَّا أجواء الفرح فعبَّرت عنها الأناشيد الوطنيَّة والموسيقى التي علت من مكبرات الصوت.
بصوت خافت تمنى أحد الطلاب لو يُحرم السياسيون من أولادهم فتشتتهم الأقدار في المهاجر البعيدة كحال اللبنانين في كندا: "من حَرَم مئات آلاف اللبنانيين من أبنائهم. يجب أن يُحرم من أولاده، مثلًا ماذا لو يُحرم نبيه بري من ابنه باسل، والسنيورة من إبنه وائل وكل الباقين من السياسيين الفاسدين السارقين لمال الشعب". إحدى الطالبات قالت: "صحيح نحن نعيش بظروفٍ أفضل في كندا، لكنَّ أبي وأمي وجدتي وكل أقاربي هناك في لبنان، أنا هنا منذ أربع سنوات، وأحلم أن أعود لأكمل حياتي في وطني وبين أهلي". الأمل كبير في قلب تلك الطالبة التي تدرس الهندسة الصناعيَّة، فلولا الأمل لكانت كل انتفاضة اللبنانيين بلا معنى. "نحن الخط الأحمر"، قال المحتجُّون، لا الحكومة ولا العهد، هذه الخطوط لا يحدِّدها أي سياسي مهما امتلك من فائض قوة، فالقوى الطائفيَّة والسياسيَّة الفاسدة لا يحق لها أن تتحكم برقاب البلاد والعباد.
تجمع محتجين لبنانيين في مدينة لافال(المدن)
"لبنان الصغير"
لكثرة اللبنانيين المقيمين فيها، باتت مدينة لافال في كندا بمثابة " لبنان الصغير" الحاوي كل المكونات المذهبية والسياسية لطيف الوطن الأم. أمام إحدى ثكنات الجيش الكندي تجمَّع مئات اللبنانيين لمؤازرة المُنتفضين في لبنان. لا شيء مختلف مشهدياً عمَّا يجري في ساحات الوطن والمهاجر. لكن في المضمون ثمة شيء لافت وجديد، ففي البيان الذي دعا الناس للمشاركة عبر الفيسبوك أثار بعض الاسئلة حول من يقف خلفه. جاء في الدعوة أن الهدف من التحرك هوالتمني على الجيش الكندي دعم الجيش اللبناني في حال طلب منه الأخير ذلك، لحفظ الأمن في هذا الوقت العصيب من عمر الوطن.
هل يحمل هكذا نشاط دعوة مُبطَّنة تتناغم مع ما يحكى عن أصوات تطالب بالتَّدخل الأجنبي في لبنان؟ ينفي المُنظِّم والداعي لهذا النشاط، الإعلامي اللبناني شربل ملحم الشيخ ذلك، ويؤكد استقلاليته عن أي حزب سياسي ويقول لـ"المدن": "هل لدينا القدرة أصلًا على توجيه هكذا دعوات، تحركنا أمام الجيش الكندي هو للفت نظره أنَّ ظلمًا يحصل في بلدٍ صغير اسمه لبنان، وفي حال طلب الجيش اللبناني المساعدة والدعم نتمنى على الجيش الكندي تقديم الدعم له. داخل الجيش الكندي مئات الجنود من أصلٍ لبناني. وهذا يشجع ويساعد على إيصال كلمتنا. لا سيادة ولا كرامة بلا جيش، دعمنا هو للجيش الذي يضم بين أبنائه كل مكونات الوطن، قلبنا معه وقلبنا عليه أيضًا. طلبنا من كندا، كونها بلداً مسالماً وزارعاً للسلام في العالم، أن تنظر عن كثب إلى لبنان وحالة الجيش اللبناني اليوم وحماية لبنان لا سمح الله من أي تدهور داخلي أو خارجي".
عريضة إلى الجيش الكندي!
الإحتجاج الحاشد لم يتأثَّر كذلك بدعوات التثبيط التي صدرت في بيروت لإفراغ الحراك من محتواه ووطنيته. بشكلٍ راقٍ ومسؤول رفع الجميع العلم اللبناني وردَّدوا الأغاني الوطنيَّة وتلك التي وُلدت من رحم الثورة المطلبية. المشاركون نادوا بشعارات تُشدِّد على الوحدة الوطنية بعيدًا من أي سباب وشتائم ضد أحد، بناءً لتمنِّي الشرطة الكنديَّة كما أعلن مُنظِّم التَّحرك.
التجمع سوف يستتبع بعريضة ستنشر على الفيسبوك للتوقيع عليها ومن ثم تُقدَّم للجيش الكندي ومن أبرز خطوطها: دعم الثورة اللبنانية. إسقاط الحكومة الحالية. استعادة الأموال المنهوبة، محاكمة الفاسدين، قيادة الجيش اللبناني للبلد في المرحلة الانتقالية للوصول إلى بر الأمان.
ليس بعيداً عن الأزمة اللبنانية تجب الإشارة إلى أن اللبنانيين يشاركون في انتخابات كندا أكثر مما يشاركون بانتخابات بلدهم الأم. فوفق تقديرات غير رسمية، متداولة في أوساط الجالية، يقطن مئتان وخمسون ألف لبناني مقاطعة كيبك، ولا في سيما مدينتي مونتريال ولافال. ومن بين ربع المليون هذا، مارس ستة آلاف فقط واجبهم الانتخابي في أيار عام 2018 في الانتخابات النيابية.
ترى هل ستحفِّز أزمة لبنان الخطيرة مغتربي كندا بالمستقبل على الانتخاب الكثيف والصحيح لإسقاط رموز السلطة؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها