الشاب الوسيم الذي يتغنى شعبه بوسامته، سيبقى زعيماً لكندا ورئيسا لحكومتها في السنوات الأربع المقبلة. هذا ما أفرزته صناديق الاقتراع في انتخابات مجلس العموم الفدرالي بنسختها الثالثة والأربعين.
حوالي 27.4 مليون كندي أدلوا بأصواتهم في 20 ألف قلم اقتراع، في انتخابات متقشفة، خالية من الضجيج والصخب الإعلامي، لم تتعطل خلالها لا عجلة الحياة اليومية، ولا حياة الناس، ولم تحظَ، باهتمام شعبي محلي، وبمتابعة إعلامية عالمية كبيرة على غرار الانتخابات الأميركية أو انتخابات دول القرار في العالم. عودة جاستن ترودو للحكم أراحت الجاليات العربية والاسلامية، غالبية أصواتها ذهبت لمرشحي حزبه الليبرالي، ليس بالضرورة إعجاباً ببرنامجه الانتخابي، بل لقطع الطريق أمام فوز حزب المحافظين.
فيما هيمنت القضايا الاقتصادية وقضايا البيئة والصحة والاقتصاد والتربية والمواصلات، والاجهاض والمثلية الجنسية والاتصالات وغيرها على عقول واهتمامات الناخبين الكندين، هيمنت عناوين عامَّة وسطحية على عقول ناخبي الأصول العربية والاسلامية. العامل الرئيسي في تفضيلهم للحزب الليبرالي استند لموقفه الايجابي من قضية الهجرة والتعامل مع المهاجرين، كما ارتكز الى تقدير واحترام الليبرالين للتنوع والتعددية الثقافية والقومية والدينية وضمان حق الجميع بممارسة الشعائر الدينية.
العامل الرئيسي الثاني بتحديد خياراتهم استند الى النظرة االمتوازنة للقضايا العربية اكثيرون لم يصوتوا للمحافظين لآنهم جاهروا بأنهم سيعترفون بالقدس عاصمة لإسرائيل في حال فازوا، آخرون بنوا خياراتهم إستناداً لرفض الحزب الليبرالي الطعن بقانون حظر الرموز الدينية داخل الادارات لعامة في مقاطعة كيبيك، كثيرات من الناخبات العرب انتخبنَ الحزب الليبرالي إعجابا منهنَّ بشخصية ووسامة زعيمه جاستن ترودو.
كان جاستين ترودو قاب قوسين من معاودة سيناريو إنتخابات 2015 يوم سحق حزب المحافظين ورجله الحديدي ستيفن هاربر، لكن صعود الكتلة الكيبيكية اليمينية ذات النزعة الإنفصالية عن الاتحاد الكندي، حال دون فوز الليبراليين بالعدد اللازم لتشكيل الحكومة لوحدهم وهو 170 مقعداً. من إجمالي عدد مقاعد مجلس العموم الفدرالي البالغ 338 مقعداً الليبراليون ب156 مقعداً، والمحافظون ب122، بينما رفعت الكتلة الكيبيكية حصتها الى 32 نائباً، وحلَّ رابعاً الحزب الديمقراطي الجديد اليساري التوجه بكتلة تجاوزت 23 نائباً. خطفت الكتلة من أمام حزب ترودو الكثير من مقاعد مقاطعة كيبيك البالعة 78 مقعداً أي 25 في المئة من عدد مقاعد مجلس العموم. غالبية هذه المقاعد كانت تذهب تاريخياً الى الحزب الليبرالي القوي في المقاطعة الفرنسية. بالواقع لم يكن فوز الليبراليين هو مفاجأة الانتخابات، بل كان صعود نجم الكتلة الكيبيكية وحلولها بالمركز الثالث في البرلمان الكندي خلف الحزبين الكبيرين الليبرالي والمحافظ اللذين يتعاقبان على الحكم منذ 1867.
الآن، خياران لا ثالث لهما متاحان أمام جاستين ترودو. إما التحالف مع الكتلة الكيبيكية، وإما التحالف مع الحزب الديمقراطي الجديد الذي حلَّ رابعاً. الحزبان يدركان حاجة ترودو لطرف ثالث لتشكيل حكومته، لذلك قد يرفعان من سقف شروطهما. خيار ترودو الأول يبدو صعب التحقق، لأن سياسة الليبراليين المنفتحة على الأقليات الاثنية، لا تتوافق أبداً مع سياسية الكتلة الكيبيكية اليمينية المتشددة والعنصرية التي تنادي بخفض أعداد اللاجئين وتطالب بالانفصال عن كندا وتعادي الاسلام، وتؤيد قانون حظر ارتداء وحمل الرموز الدينية في الوظائف الرسمية. وعليه فإن الخيار الثاني يبقى الوحيد المتاح عملياً في ظل استعداد الحزبين للعمل معاً.
في ولايته الأولى حقق الحزب الليبرالي ازدهاراً اقتصادياً فتراجعت نسبة البطالة الى أدنى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية، بعدما وفرت الحكومة مليون ونصف مليون فرصة عمل. وتمَّ انتشال نصف مليون عائلة من الفقر واستثمار الكثير من الأموال والجهود في مكافحة الاحتباس الحرارة، واستقبال المزيد من اللاجئين والمهاجرين لأسباب سياسية واقتصادية وانسانية، ورفع برنامج معونات الأطفال، الذي ساعد في إنقاذ 278000 طفل من دائرة الفقر في 2017، بحسب الإحصاءات الاتحادية.
لكن بالمقابل لم يفِ ترودو خلال ولايته بالعديد من التعهّدات التي قطعها عام 2015، ومنها على سبيل المثال تعهّده بتغيير النظام الانتخابي في كندا، وألا يفوق العجز في الموازنة 10 مليارات دولار، وتحسين أوضاع السكّان الأصليّين.
وفي مجال السياسة الخارجية، تعرض ترودو لانتقادات من قبل المعارضة بسبب إتهامه بالخضوع للرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال المفاوضات الخاصة بتعديل "اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية"، وعدم إجادته إدارة الأزمة الدبلوماسية مع الصين في أعقاب إلقاء القبض على "مينغ وانتشو" مسؤولة الشؤون المالية لدى عملاق الاتصالات الصيني "هواوي"، في مدينة فانكوفر الكندية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها