في 12 حزيران الفائت دعت "المفكرة القانونيّة" إلى جلسة ناقشت فيها مشروع القانون الذي قدمته جمعيّة "إدراك" عن رعاية وعلاج وحماية المصابين بمرض عقلي أو نفسي. أهميّة الجلسة يومها لم تكن في مناقشة مواد القانون التي ستعرض في المجلس النيابي فحسب، بل في فتح نقاش عام، ولا سيّما أن الفئة المذكورة تعتبر من الفئات الأكثر تهميشاً.
أسفرت الجلسة السابقة عن إقتراح تعديلات لتضاف على مشروع القانون، بهدف تعزيز الضمانات الفعلية إزاء التعسف الذي قد يحصل من خلال عزل الأشخاص المرضى النفسيين وتهميشهم أو علاجهم. وقد نظمت "المفكرة"، أمس، جلسة أخرى لمناقشة هذه التعديلات. وفي بداية الجلسة كان للمدير التنفيذي لـ"المفكرة" نزار صاغيّة مداخلة أوضح فيها أنّ "النقاش لن يكون دفاعاً عن رأي، بل هو نقاش تكاملي للتوصل إلى أفضل صيغة. والهدف منه أمران. أولا إغناء مشروع القانون، وثانيا والأهم خلق نقاش عام".
أمّا التعديلات التي اقترحتها "المفكرة"، فقد عرضت أبرزها الدكتورة هلا كرباج. وقد شدّدت في بداية مداخلتها على أنّ القانون يجب أن يحقق ثلاثة أهداف رئيسيّة. أولًا الرعاية المجانية في مراكز علاجية خارج المؤسسة، وتعزيز الاندماج بالمجتمع، وثانيا الإشراف على الإستشفاء الإجباري. وثالثاً خلق ضمانات لحقوق المرضى وكرامتهم. وأشادت كرباج بأهميّة النقاش العام حول القانون الذي "يسمح بإنتقال القانون من مرحلة النص المجرّد إلى مرحلة التطبيق ويسمح للأشخاص المصابين بالمرض العقلي أو النفسي بالخروج من عزلتهم وأخذ مكانهم في المساحة العامّة، بعد أن غيبوا عنها لفترة طويلة".
التعديل الأوّل يتعلّق بتعريف المريض. بحسب المادة الثانية من مشروع القانون "يعتبر مريضاً عقلياً أو نفسياً كلّ من يشكو من إضطراب، مؤقت أو دائم، جزئي أو كلّي، في قدراته العقليّة أو الشعوريّة أو السلوكيّة". التعريف هنا غير واضح ويجعل أي شخص يملك سلوكا لا يتوافق مع المعايير الاجتماعيّة مشمولاً بهذا التصنيف. والتعريف، بحسب كرباج، لا يجب أن يرتكز على عدم تناسق مع المعايير الأخلاقية والاجتماعية السائدة، كما حصل سابقا مع المثلية الجنسية، بل يجب أن يحدد على أساس معايير موحدة ومعترف بها دوليا.
النقطة الثانيّة تتعلّق بتأمين العلاج المجاني، ليس داخل المؤسسة فحسب، بل أيضا خارجها. وهذا المبدأ ترتكز عليه جميع قوانين الصحة النفسيّة في العالم، أي تأمين بيئة أقل تقييداً للمريض. لا سيّما أنّ هناك أمراضا عديدة لا تحتاج الدخول الى مستشفى بل تحتاج إلى تأمين خدمات للصحة النفسيّة خارج المستشفى. ومن هنا طرحت "المفكرة القانونيّة" إقتراحا يقضي بخلق مراكز متخصصة تابعة لوزارة الصحة، تنتشر في كل لبنان، على أن ينشأ مركز في كل قضاء، تقدم عبره خدمات للصحة النفسية.
في ما يخصّ تعزيز الإندماج بالمجتمع، تنص المادة 9 من القانون على وضع الأشخاص المصابين بإعاقة دائمة نتيجة المرض العقلي في المؤسسات كحل بديل للعائلات التي تملك موارد معنوية ومادية محدودة. إلّا أن "المفكرة" رأت أنّ هذا الإقتراح يجب أن يطرح كحل أخير. وشدّدت كرباج على ضرورة الإشراف على الاستشفاء الاجباري. فالأخير يشكل احتجازا لحريّة الشخص وعلى القانون أن يضمن حماية المريض من امكانية وجود أي تعسّف ضدّه، ومن احتمال وجود سوء معاملة أو سوء سلطة قد يتعرّض لها المريض. والإشراف هذا من شأنه أيضا أن يحمي الطبيب، فبوجود الإشراف الإداري أو القضائي لا تُلقى المسؤوليّة على الطبيب وحده.
وفي ما يتعلّق بحماية حقوق المرضى وكرامتهم، حددت "المفكرة" حقوق المرضى إن كان بالاستشفاء الطوعي أو الإجباري. مثلا، لا يخضع المريض للعمل القسري داخل المؤسسة، ويتاح له الإطلاع على وسائل الإعلام إن كان ذلك لا يتضارب مع الخطة العلاجيّة. أمّا بالنسبة للقيود التي تعيق حركة المريض فلا يجب إستعمالها إلا بوصفة من طبيب، على أن يكون ذلك لمدّة محدّدة من الوقت. وأيضا أن يعي المريض حقوقه فور دخوله إلى المستشفى.
النقطة الأخيرة عن المسؤولية والعقوبات الجزائية. فالمشروع الأساسي نصّ على معاقبة كل من يحاول إستغلال حالة الضعف لدى المريض إلا أنّه لم يحدد العقوبات، وبالتالي إقترحت "المفكرة" عقوبات، أهمها معاقبة التقارير الطبية أو ادارة المستشفيات اذا تبيّن حدوث إدخال أو إبقاء اجباري، وفي حال كان الوضع الصحي للمريض مخالفا للتقرير.
من جهة أخرى، كان لممثل وزارة الصحّة، ربيع شمّاع مداخلة قال فيها إنّ هذه المبادرة هي دليل على أهميّة مساندة المجتمع المدني للقطاع العام ووزارة الصحّة تحديدا. وأنّ هذا القانون مهم جدا للوزارة التي تهتم بالتعامل مع كافة الأطراف التي تعنى بتحسين الصحّة النفسيّة. وأنّ الوزارة بصدد العمل على إستراتيجيّة وطنية للصحّة النفسيّة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث