منذ ساعات كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدمت بيانات التتبع التي تم جمعها بشكل رئيسي من أكثر من مليون هاتف جوال في قطاع غزة، لتعطي الجنود تقييماً مباشراً لعدد سكان غزة الذين استجابوا لطلبها بمغادرة شمال القطاع إلى جنوبه. وبالتالي، فإن كل بيانات الهواتف في القطاع بحوزة الإسرائيليين. وهذا ما قد لا يكون جديداً أو مستغرباً. ولكن الجديد هو امتلاك الإسرائيليين لكل بيانات الهواتف الجوالة والثابتة للبنانيين أيضاً، مع ربطها بالأشخاص، وأماكن سكنهم.
اتصالات بأصحاب البيوت قبل استهدافها
بلغة عربية متمكّنة، لهجة لبنانية كاملة، تحدث أحد الأشخاص المجهولين مع صاحب المنزل الملاصق لمعمل الألومنيوم الذي تم استهدافه في 18 تشرين الثاني عبر طائرة مسيّرة إسرائيلية، في المنطقة الواقعة بين بلدتي الكفور وتول في محافظة النبطية، تكشف مصادر مطلعة عبر "المدن". مشيرة إلى أن المتصّل أبلغ صاحب المنزل بضرورة إخلائه لأنه مستهدف، ولكن صاحب المنزل لم يكترث بالاتصال، ولم يخرج من منزله. وهو ما علم به الاسرائيلي على ما يبدو، حيث قام أولاً باستهداف غير مباشر للمعمل، خرج بعده أصحاب المنزل من منزلهم، قبل أن يقصف الاسرائيلي المعمل بشكل مباشر.
هذه الحالة ليست يتيمة، تقول المصادر، كاشفة أن اتصالاً غريباً تلقاه أصحاب أحد المنازل التي تعرضت لاستهداف مباشر في الجنوب يوم 22 تشرين الثاني الماضي، وكان ضحيته سقوط 5 شهداء من قادة المقاومة. وخلال الاتصال سأل المتصل صاحب المنزل ما إذا كان متواجداً في منزله، فكان الجواب بالنفي، حيث كان الرجل في العاصمة بيروت، وبعدها تم استهداف المنزل.
كذلك، لا تنتهي المسألة هنا. فالرقم الذي اتصل بصاحب المنزل المقصود، كان رقماً أرضياً لبنانياً تابعاً لشبكة أوجيرو، وبيانات الرقم تُظهر أنه رقم مركز أمني رسمي في الجنوب. وهذه الحادثة تكررت -حسب المصادر- في 13 كانون الأول الجاري في منطقة رب ثلاثين.
ففي رب ثلاثين تلقّت سيدة لبنانية من سكان المنطقة اتصالاً عند الساعة الثالثة والنصف عصراً من رقم أرضي (05)، يدّعي خلاله صاحب الاتصال بأنه يعمل بإحدى جمعيات دعم النازحين، فسألها ما اذا كانت لا تزال في منطقة برج البراجنة، وهي المنطقة التي نزحت إليها السيدة بداية الحرب، قبل أن تقرر العودة إلى منزلها في منطقة رب ثلاثين، فأجابت بالنفي، وانها في منزلها في بلدتها ولا تحتاج إلى أي مساعدة، وانتهى الاتصال.
بعدها بأقل من ساعة، سقط صاروخ إحدى المسيرات الاسرائيلية بعيداً عن منزلها بحوالى 20 متراً، لتتلقى السيد بعدها اتصالاً عبر تقنية "الواتساب" من رقم غريب يستعمل صورة شهيد "بروفايل"، ليسألها عن مكانها، وما إذا كانت في برج البراجنة، فأجابت بالنفي مجدداً.
كامل "الداتا" اللبنانية بيد العدو؟
اللافت في كل هذه المسألة، أو الخلاصات التي يمكن جمعها هي التالية، تقول المصادر: أولاً، استخدام أرقام هواتف أرضية معروفة الهوية، لإجراء اتصالات اسرائيلية. وبالتالي، يمكن لمن يقوم بذلك أن يستعمل أي رقم هاتف في لبنان من دون علم صاحب الهاتف. ثانياً، علم الاسرائيليين بكامل داتا الاتصالات في لبنان، الخلوية والثابتة. ثالثاً، هناك ربط كامل لدى الاسرائيليين، أو عملائهم في لبنان، بين الرقم، وهوية صاحبه، ومكان سكنه، وربما كل بيانات أخرى عنه. وأخيراً، هو أن اسرائيل، التي ترتكب المجازر يومياً في قطاع غزة، ولطالما فعلت ذلك في لبنان، تسعى قدر الإمكان لعدم استهداف المدنيين اللبنانيين في الوقت الحالي، لعلمها أن ذلك سيؤدي إلى مزيد من التصعيد، وقد يُشعل الحرب في أي لحظة.
في هذا السياق يُشير المتخصص في الأمن الرقمي، عبد قطايا، إلى أن المعدات التقنية المتطورة موجودة لدى العدو الاسرائيلي. مشدداً في حديثه لـ"المدن" على وجوب معرفة ما إذا كان ما يقوم به الإسرائيلي هو عبارة عن خرق للهواتف، أم محاكاة، أي القيام بالاتصال من رقم عبر الانترنت، ويظهر لدى مستقبل الاتصال أرقام أخرى حقيقية.
ويكشف قطايا أنه بالنسبة إلى بيانات المواطنين، فلا يجب أن ننسى أن كثيراً من هذه البيانات متاح للجميع، سواء من خلال الأوراق الصفراء، أو حتى من خلال تطبيق "truecaller" الذي يجمع بيانات كثيرة حول كل صاحب هاتف، مشدداً على أن هذه المسألة بحاجة إلى متابعة من قبل المعنيين، لكشف تفاصيها ومعرفة ما إذا كان هناك خرق، وحجمه.
حسب المصادر، فإن اختراق شبكات الهاتف والتجسس الذي تقوم به اسرائيل من خلال وسائلها التكنولوجية، ومنها تلك المثبتة على المواقع الحدودية والتي استهدفتها المقاومة على مدار أيام المعركة، هو أمر خطير جداً، حيث يتم استخدام هذا الاختراق لاستهداف المقاومين بشكل أساسي، وآخرهم شهيد في الجنوب، تم استهداف منزله في كفركلا، بعد دقائق فقط من عودته إليه.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها